كتاب 11

02:45 مساءً EET

أبطال من ورق

مشهد 1: نهار خارجي – ميدان التحرير
الدكتور محمد مرسي عقب فوزه في انتخابات الرئاسة يفاجأ الحشود المؤيدة والراضية، خلال إلقاء كلمته، بخروجه من المكان المخصص له فوق المنصة، ليتوجه إلى الصفوف الأولى، ويفتح "جاكت" بدلته، قائلاً: "أنا لا أرتدي قميصًا واقيًا من الرصاص.."

مشهد 2: المكان ليس مهماً
الدكتور محمد مرسي، منتبهاً، مترقباً، متوتراً، قلقاً، واقفاً بجانب وزير دفاعه وقادة القوات المسلحة حين إدلاء الوزير بتصريحات حول موقف الجيش من الثورة التي وضعت الدكتور مرسي في "مشهد 1".
السياق الدرامي فيما بين المشهدين الفائتين تخلله الكثير من المشاهد التي تشير إلى أن الرجل تحول من شخص شجاع، أو مدّعٍ للشجاعة، إلى شخص متوتر قلق، خائف، حتى وإن كان واقفاً في حماية جيشه، وتدلل على أننا أمام "بطل" صنعته الظروف أو صنعناه نحن حين هلّلنا لـ"فتحة الجاكت" أو لكلمة غير مدفوعة الثمن فأصبح البطل .. "بطل من ورق".
تتكرر تلك "التيمة" الدرامية كثيراً منذ قيام ثورة يناير، بشكل جعل الواقع الذي نعيشه ملئ بـ"أبطال من ورق" صنعتها الظروف ورفعناهم نحن إلى مصاف دور البطولة أو"نجم الشبّاك". ثم سرعان ما تغيب عنه الأضواء لنصنع بطلاً آخر عبر ظرف آخر.
فمن منّا لا يتذكر ذلك البطل حين أشار بفوارغ "الخرطوش" إلى نواب أول برلمان بعد الثورة؟، ومن منّا لم يسمع عن الحملة التي انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي تُسمه "رئيساً للجمهورية"؟.
وهذا بطل آخر صنعته مناظرة تلفزيونية مع مُرشح رئاسي، استفاد على إثرها منافسه. وذاك بطل صنعه برنامجه التلفزيوني الذي يقدمه. بينما تشهد الصحيفة التي يرأس تحريرها ثورة ضد سياساته.
وكما صنعنّا، من نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا السابق، بطلة، حين حوصرت المحكمة من قبل التيارات الإسلامية وصدر قرار رئاسي بعزلها من منصبها، صنعنا أبطالاً عبر أزمة إقالة النائب العام السابق، أحد رجال نظام مبارك، وهنا تجلّى التطّور الحتمي للدراما المصرية، إذ تجاوزنا مرحلة صناعة النجم الأوحد إلى تقديم "البطولة الجماعية"، فدافعنا عنه، وساندنا رجال القضاء في تضامنهم مع "منصب" النائب العام، وأشهرهم المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة.
هل توقفت ماكينة صناعة الأبطال؟. هل لم نستغل أي أزمة لصناعة بطل ما؟
وبمجرد أن أُسدل الستار على أزمة النائب العام، وقام أبطال الأزمة بتحية "الجمهور"، سارعنا، عقب أزمة أخرى مع مؤسسة الرئاسة، لصناعة بطل من طراز عسكري، تعلقت آمال جمهوره على تقديمه عمل درامي مشابه لما تم عرضه في المشهد "2"، وعبر أزمة مشابهة مع نفس المؤسسة صنعنا البطل ذو الطراز الديني.
لا يتسع المقام هنا لسرد روايات الأبطال الذين صنعناهم من ورق، أو شاركنا في صُنعهم، أو حتى رحبنّا، ثم اكتشفنا أننا أمام شخصيات "كرتونية" استغلت أزمة ما لتتصدر المشهد بضعة أيام، عبر كلمات غير مدفوعة الثمن، ثم سرعان ما ينطفئ نجمها مع مرور الوقت ونفاذ طاقتها على الصمود، فنواصل البحث عن بطل آخر من طراز آخر.
الإشكالية هنا، ليست في الأبطال "الكرتونية" الذين يملئون حياتنا صخباً، دون تأثير واضح، إنما في هؤلاء الذين يملئون الميادين والشوارع، الصامدون أمام العربات المدرعة وقنابل الغاز، الثابتون خلف أسوار الزنازين، هؤلاء المبدعون الذين تغيب عنهم الأضواء.
فكفانا أبطالاً من ورق، وكفانا صخباً، و"أفلاماً" هابطة، وكفانا هؤلاء الصامدون في الميادين نسلط عليهم الأضواء علّهم ينفعون.
* صحافي مصري

التعليقات