مصر الكبرى

08:12 صباحًا EET

«مصر تعود».. متى وكيف؟

على هامش أعمال المؤتمر العالمي الذي نظمته الشبكة الدولية للحقوق والتنمية في القاهرة، وناقشنا فيه، وعلى مدى يومين كاملين، ما يجري في مصر وفرص وسبل إيصالها إلى بر الأمان بأسرع ما يكون، جمعت بعض الملاحظات والاستنتاجات والتوصيات التي قد تسهم في إغناء النقاش حول المستقبل وأهمية العودة المصرية، ليس بالنسبة لشعبها فقط بل لمنطقتها وإقليمها أيضا.

تأكد لي مرة أخرى أن سائقي سيارات الأجرة، أينما كانوا، هم دائما أهم من ينافس الخبراء والمحللين والاستراتيجيين في قراءة ما يجري واستشفاف المستقبل، مع أن طريقتهم وأسلوبهم وأداءهم يحمل أحيانا المبالغة في التصوير والخروج عن اللياقة والتحليل العلمي، والتطاول على هذا وذاك من الأشخاص. هم يتحدثون وكأنهم ليسوا أمام مقود سيارة أكل الدهر عليها وشرب وتكاد تتعطل في أي لحظة، بل وكأنهم يقفون أمام منصة مجلس الأمن الدولي التي تكاد تصوت على أهم المسائل الحساسة وأخطرها.
القناعة الأخرى الحاصلة هي أن مصر تخلت، أو أجبرت على التخلي، عن دورها الريادي في العالم العربي وفي القارة الأفريقية ومنطقة الشرق الأوسط، وأن لا خيار آخر أمامها وأمام اللاعبين الإقليميين والدوليين سوى بعودتها سريعا إلى موقعها ودورها، لأن التراجع الاستراتيجي المصري لا يضر بمصر وحدها بل يعقّد مشكلات المنطقة أكثر فأكثر، ويبعدنا عن السلم والاستقرار في الإقليم.
فرص العودة المصرية تبدأ من الداخل عبر برامج إصلاح وتغيير وإنماء سياسي – اجتماعي – اقتصادي رغم أن بعض المثقفين الكبار يصرون على نظرية المؤامرة التي وصوفها هذه المرة بالأميركية – الإسرائيلية، ضد مصر وشعبها، وكأن ما جرى حتى الآن تغيير سلبي لا تحتاجه ولا تريده مصر. التغيير في مصر له علاقة مباشرة بتعزيز قوة مصر الداخلية ووضوح الرؤية والهدف وتشجيع مراكز القوة والقرار الداخلي الإعلامية والفكرية والاقتصادية على تحويلها إلى ثورة إنماء وإصلاح ونهوض. المؤامرة ستكون فقط عندما يرفض أو يفرط الشعب المصري بهذه الفرص المتاحة ويتجاهل حجم التضحيات التي يقدمها ويترك الآخرين يدخلون على الخط لتسيير الثورة بالاتجاه الذي يريدون.
مصر تعود، وأنا من المتفائلين، وستعود سريعا بعد أن تسترد استقرارها السياسي وتتعافى اقتصاديا، ومن يُرد الوقوف إلى جانبها فعليه أن لا يفوت مثل هذه الفرص، والمعني هنا الدول العربية والإسلامية التي تعرف أهمية ومعنى العودة المصرية. بالمقياس التركي للأمور؛ العودة المصرية إقليميا تعني لحكومة العدالة والتنمية تخفيف الضغوطات عنها في الموضوع السوري والتوتر الدائم مع إسرائيل وحل القضية الفلسطينية والملف النووي الإيراني والتقارب الاستراتيجي.
سيناريوهات الأمن القومي المصري ينبغي أن لا ترسم في إطار استراتيجية لم الشمل العربي وتولي دفة القيادة فيه على الطريقة المتبعة في منتصف الأربعينات وتقديم الكثير من اللاعبين الإقليميين وكأنهم في حالة حرب مع مصر ويشكلون خطرا على أمنها واستقرارها، بل المطلوب هو عودة مصرية توحد الدول العربية في إطار جامعة بنفس جديد تأخذ بعين الاعتبار حقيقة التوازنات والتغيرات الإقليمية وضرورة التعامل معها من هذا المنطلق. لا أحد يطالب مصر بأن تتخلى عن عروبتها وقوميتها، بل أن تغير من قراءتها وتعاملها مع التحولات العربية والإقليمية ومسؤوليتها في عدم إنجاز مشروع التكامل والتكافل العربي على الأقل.
نجاح الثورة المصرية لا يعني نجاح الثورة السورية أيضا، بل يعني نجاح مطالب الإصلاح والتغيير في أكثر من مكان، لذلك تستحق مصر هذه الفرصة التاريخية وهذا العهد الجديد. الشعب المصري حريص كما فهمنا أيضا على عدم تحويل ثورته إلى فرصة لتصفية الحسابات والإعدامات وتعليق المشانق العرفية. هم لا يريدونها ثورة بلشفية ولا خمينية. الأقرب لهم هو الثورة الفرنسية، ربما ثورة حقوق وعدالة وديمقراطية بعيدة عن الشعارات المذهبية والطائفية والآيديولوجية البالية.
المقعد المصري الفارغ لا يمكن لأي كان غير مصر أن يملأه، لكن الانتظار ينبغي أن لا يطول طبعا، فمصر تستحق عهدا جديدا أفضل.
في طريق العودة كانت الخطوط الجوية المصرية وعلى راديو الموجة القصيرة تردد على مسامعنا أغنية «ما تحبنيش بالشكل ده وتغير كتير من ده وده»، وهو بين أفضل التوصيفات حول الحالة المصرية مع النظام القديم قبل الثورة الذي كان يكتفي بالمتابعة بغيرة وحسد ونقمة للكثير من القوى الإقليمية تتنافس على حماية مصالحها، بينما يناقش هو اتهامات توجه لزمر محيطة بالنظام بالاختلاس والرشوة والفساد.
لا أحد يريد أن تتحول حالة الاندهاش التي تعيشها مصر اليوم إلى صدمة وخيبة أمل، فمصر جديرة بالقيادة وقادرة على أن لا تكون كنزا استراتيجيا سوى لأبنائها.

التعليقات