أفضل المقالات في الصحف العربية

12:10 مساءً EET

خطة توافقية لحل الأزمة المصرية

ليس هناك شك في أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر تولت حكم البلاد بصورة مطلقة خصوصاً بعد انتخاب مرشح حزبها «الحرية والعدالة» الدكتور محمد مرسي لكي يكون رئيساً للجمهورية، بعد حصولها على الأكثرية في مجلسي الشعب والشورى.

وعلى رغم أن مجلس الشعب قد حكم القضاء بحله لعوار دستوري في القانون المنظم للإنتخابات، فإن جماعة الإخوان المسلمين عوضت هذه النكسة عن طريق الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي، والذي حصّن فيه قراراته وكذلك مجلس الشورى من الحل ولو بحكم القضاء. بل إنه – إمعاناً في السيطرة السياسية المطلقة – أناط الوظيفة التشريعية بمجلس الشورى، مع أنه بحكم تاريخه وتكوينه الحالي الذي يغلب على عضويته أعضاء جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين، غير مؤهل لصوغ التشريعات لافتقاره إلى الكفاءات القانونية اللازمة. بل ويمكن القول إن التشريعات التي سيصدرها قد تتعرض لأحكام البطلان نتيجة للعيوب التشريعية الجسيمة التي لحقتها.
وقد أدى الإعلان الدستوري الذي نصّب فيه الرئيس مرسي نفسه ديكتاتوراً مطلق السراح بحكم السلطات المطلقة التي منحها لذاته، إلى احتقان سياسي حاد أصاب المجتمع. والدليل على ذلك أن المشهد السياسي المصري الآن يتلخص في الانقسام الحاد بين الجبهة الثورية والليبرالية، والجبهة الدينية ممثلة في جماعة الإخوان المسلمين والتيارات السلفية والجماعات الإسلامية. ويشهد على هذا الانقسام الذي يهدد بموجة عنيفة من عدم الاستقرار الاجتماعي التظاهرات المليونية التي يحشدها كل فريق في مواجهة الآخر، وتكرر المصادمات الدموية التي يسقط فيها عشرات القتلى والمصابين.
ومعنى ذلك ببساطة أن الأزمة السياسية العميقة بين السلطة الإخوانية والمعارضة الليبرالية ممثلة في جبهة الإنقاذ، يحتاج حلها إلى حلول إبداعية غير تقليدية. غير أن هذه الحلول تقتضي – إعمالاً لقيم الديموقراطية- السعي إلى التوافق السياسي الذي يشترط تنازل كل طرف من أطراف الصراع عن بعض مطالبه، بهدف الخروج من الأزمة التي تهدد استقرار المجتمع.
وقد أظهرت جبهة الإنقاذ الوطني التي تمثل تحالف أحزاب المعارضة مرونة ملحوظة في الأيام الأخيرة بعد أن كانت قد أعلنت مقاطعتها التامة للإنتخابات. وهذه المقاطعة لو أريد إعمال تأثيرها سياسياً فإنها لا بد أن تقود – كما حدث فعلاً- إلى الدعوة للعصيان المدني. ومعنى ذلك عبور جبهة الإنقاذ للخيط الرفيع بين معارضة النظام بالطريقة الديموقراطية، والانشقاق على النظام أي السعي إلى الانقلاب السياسي عليه، باستخدام كل الوسائل المتاحة بما في ذلك استخدام العنف، وفي ذلك ما فيه من مخاطر شتى.
والمرونة التي نتحدث عنها والتي تحلت بها المعارضة هي إعلانها أنها ستدخل الانتخابات بشرط توافر الشروط الموضوعية لنزاهتها، مع تنظيم رقابة دولية عليها ضماناً لشفافيتها الكاملة.
وفي تقديرنا أن هذه الشروط المتواضعة التي وضعتها المعارضة لن تحل الأزمة السياسية، لأن أسبابها أعمق بكثير مما يبدو على السطح. وذلك لأن القراءة العميقة للمشهد تؤدي إلى نتيجة بالغة الأهمية، هي أن الجماهير المصرية عموماً ليست مستعدة لكي ينفرد أي فصيل سياسي مهما كان توجهه بحكم البلاد. وطموح الجماهير هو تشكيل وزارة ائتلافية تمثل فيها كل القوى السياسية الفاعلة ضماناً للتكامل في السياسات، وتلافياً للمعارضات العقيمة لو انفرد فصيل سياسي واحد بالحكم وفق توجهاته، والتي ليس هناك إجماع جماهيري عليها.
وفي يقيني أن الأزمة تحتاج من جماعة الإخوان المسلمين بالذات – باعتبارها هي التي تحكم البلاد بصورة مطلقة – إلى إجراء مراجعة جذرية لقراراتها السياسية المنفردة، والتي سعت من خلالها إلى الهيمنة الكاملة على مجمل الفضاء السياسي المصري بغير أدني مشاركة.
ولعل أولى الخطوات الضرورية هي تشكيل لجنة تمثل فيها المعارضة للنظر في تعديل بعض مواد الدستور المختلف بشأنها. ومن شأن هذه الخطوة المهمة تلافي المسلك السياسي الخاطئ، والذي تمثل في انفراد جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين بعضوية اللجنة التأسيسية للدستور، والسيطرة الكاملة للتيارات الدينية على صوغ أغلب مواد الدستور، ما أدى إلى عدم التوافق السياسي عليه.
وعلى رغم ذلك أصرت جماعة الإخوان المسلمين على التعجيل بطرح الدستور على الاستفتاء، والذي تمت الموافقة عليه بمعدل غير كاف وتم إعماله فوراً، وخصوصاً في ما يتعلق بنقل السلطة التشريعية موقتاً إلى مجلس الشورى إلى حين انتخاب مجلس النواب.
والخطوة الثانية هي تغيير حكومة هشام قنديل لأنه أثبت عجزه عن القيام بوظيفته كرئيس للوزراء لنقص خبرته وافتقاره لأي رؤية استراتيجية، إضافة إلى الفشل الذريع لحكومته في حل أي مشكلة من المشكلات الجسيمة التي تواجه البلاد.
مصر في حاجة ماسة إلى حكومة ائتلافية، وذلك لأن القراءة الصحيحة للاتجاهات الشعبية تثبت أن الجماهير ترفض أن ينفرد أي فصيل سياسي بحكم البلاد، وهناك كفاءات مصرية متميزة في كل المجالات فلماذا لا يتم الاستعانة بها لعبور أصعب مرحلة من مراحل الفترة الانتقالية؟
ولا بد لجماعة الإخوان المسلمين أن توقف حملاتها ضد القضاء، لأن التظاهرات الحاشدة التي نظمتها والتي نادت بتطهير القضاء فيها عدوان صارخ على استقلال السلطة القضائية ومحاولات خطيرة لإرهاب القضاة حتى يحكموا في القضايا السياسية التي يتعرضون لها وفقاً لأهواء الجماعة لا بحسب إعمال صحيح القانون. ويقتضي ذلك تنفيذ الحكم بإقالة النائب العام الذي أصدر الدكتور مرسي رئيس الجمهورية قراراً بتعيينه، بعد أن عزل – خارقاً بذلك قانون السلطة القضائية- النائب العام السابق.
غير أن الأزمة السياسية الحادة لا يمكن حلها إلا لو شاركت أحزاب المعارضة في وضع القانون الخاص بمباشرة الحقوق السياسية لمواجهة محاولات جماعة الإخوان المسلمين التلاعب في مجال تقسيم الدوائر، والذي يعد – وفقاً للخبرة التاريخية البرلمانية المصرية – المقدمة لتزوير الانتخابات بطريقة غير مباشرة.
ولا بد أيضاً من إلغاء النصوص التي تسمح باستخدام الشعارات الدينية في الدعاية الانتخابية، لأن من شأن ذلك إذكاء روح الفتنة الطائفية المتأججة نتيجة طوفان النعرات الدينية المتعصبة.
غير أن أهم من هذه الخطوات جميعاً أنه بعد إعلان نتيجة انتخابات مجلس النواب، وأياً كان الحزب السياسي الذي سيحصل على الأكثرية، لا بد – إذاً وضعنا في الاعتبار الأهمية القصوى للتوافق السياسي– أن تتشكل وزارة ائتلافية تمثل فيها كل ألوان الطيف السياسي لأن الجماهير – لو قرأنا بدقة اتجاهاتها – ترفض بعد ثورة 25 يناير أن ينفرد أي فصيل سياسي بحكم البلاد كرد فعل لاستبداد النظام السابق.
هكذا تقول الحكمة السياسية التي ينبغي أن تتحلى بها جماعة الإخوان المسلمين وإئتلاف المعارضة معاً، ولكن من قال إن الحكمة السياسية من السهل تحقيقها في هذا الزمن المضطرب الذي ارتفع فيه سقف التطلعات الجماهيرية ومطامع الأحزاب السياسية في الوقت نفسه إلى الحدود القصوى؟

التعليقات