أفضل المقالات في الصحف العربية

11:02 صباحًا EET

مصر . . . ماذا بعد الأخونة؟

القضية المركزية للإخوان المسلمين في مصر هي أخونة الوظائف والمناصب وبخاصة الرئيسة منها . وكأن مصر لا تعيش أية أزمات، لا اقتصادية ولا سياسية ولا مجتمعية، فبعد أخونة عشرات الآلاف من الوظائف في الوزارات المختلفة، استمر الإخوان المسلمون في سياستهم الاستحواذية على كل المناصب الرئيسة في الدولة، متناسين من قام فعلاً بالحراكات الجماهيرية أو ما اصطلح عليها ب(ثورة 25 يناير) . أقصوا كل الآخرين من القوى الأخرى، هم كانوا ومازالوا مستمرين في سياستهم الإقصائية للآخرين والتفرد في الحكم .

لقد استغل الإخوان حادثة التسمم الجماعي للعشرات من طلبة جامعة الأزهر، لإطاحة رئيس الجامعة، وترشيح رئيس من بين أوساطهم . هذه الحادثة اعتبرها الإخوان مقدّمة لإطاحة شيخ الأزهر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، الأمر الذي دعا إلى قيام العشرات من المظاهرات الجماهيرية في القاهرة وباقي المدن المصرية استنكاراً لمحاولات الإخوان . الناطق الرسمي باسم مشيخة الأزهر علّق على هذه المحاولات بوضوح شديد من خلال القول: إنّ الأزهر انتصر دوماً على كل من استهدفه، وإنه لا أحد من الأحزاب يستطيع السيطرة على مؤسسة الأزهر، حتى ولا الإخوان المسلمون . الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل حذّر في حديث أجراه من محاولات حزب الحرية والعدالة السيطرة على الأزهر وأخونته .
من قبل استهدفوا، ومازالوا يستهدفون القضاء المصري العريق، الأمر الذي جعل رجالات الأخير يعلنون الإضراب في سابقة لم تشهدها مصر في تاريخها . لا لسبب قام الإخوان بتعيين نائب عام جديد من أوساطهم، سوى محاولة السيطرة على هذا الموقع المهم . وهو ما أدى بالهيئة القضائية المصرية العليا إلى إلغاء قرار الرئيس مرسي بتعيين نائب عام جديد، وتثبيت القديم . الإخوان ومنذ وصولهم إلى السلطة أدخلوا مصر في أزمات متتالية: سياسية، من خلال التشديد على نشاطات المعارضة واتباع سياسة قمع الجماهير واعتماد الحلول الأمنية بديلاً للحوار الديمقراطي، وهم الذين لا يمّلون الادعاء بحرصهم على الديمقراطية . وصل الأمر بالرئيس مرسي إلى تهديد رموز المعارضة وبخاصة في جبهة الإنقاذ، بتحويلهم إلى القضاء وتقديمهم إلى المحاكمة بتهمة (التآمر على الدولة!) وذلك فقط لأنهم يعارضون الإخوان بطرق سلمية .
الإخوان أدخلوا مصر في أزمات اقتصادية متلاحقة من حيث ازدياد العجز، وارتفاع نسبة البطالة، وانخفاض حاد في قيمة الجنيه المصري، وغلاء الأسعار حتى للمواد الحياتية منها، وبسياساتهم الاستيلائية على كل المناصب، أزاحوا الكفاءات الاقتصادية من مواقعها، وقاموا بتعيين أزلام الإخوان بدلاً منهم من دون النظر إلى كفاءاتهم، فقط لأنهم مجرد إخوان! (هذا قاموا بتطبيقه عند عزل المحافظين من محافظات مصر وتعيين محافظين تابعين لحزب الحرية والعدالة) . المليونيرات من القطط السمان استبدلوا بشبيهين لهم من الحزب مثل: خيرت الشاطر وحسن مالك وغيرهما .مصر على شفا الانهيار الاقتصادي التام، هذا ما لا نقوله نحن فقط،وإنما ما تكتبه كل الصحف المصرية والكتّاب والمحللون والخبراء الاقتصاديون في مصر .
الأزمة الاجتماعية ونتيجة للأزمتين السابقتين المستفحلتين، تتفاقم هي الأخرى حيث: انعدام الأمن، وتكاثر السرقات، وازدياد العنف الذي ابتدأ في مصر منذ وصول الإخوان إلى السلطة . يريدون كتابة تاريخ جديد لمصر منذ مجيئهم إلى السلطة فقط . يشككون في تاريخ مصر الناصع البياض في عهد الرئيس الخالد جمال عبدالناصر، فمن اتهامات العريان له بطرد اليهود من مصر والمطالبة بعودتهم واستعادة ممتلكاتهم، إلى اتهامه: بالتسبب في حرب اليمن ومقتل سبعين ألفاً من الجنود المصريين فيها! التاجر الملياردير حسن مالك عضو مكتب الإرشاد في حزب الحرية والعدالة، رئيس جمعية تنمية الأعمال، ورئيس لجنة الاتصال بين مرسي ورجال الأعمال، شجب جمال عبدالناصر وقوميته العربية، فهما من وجهة نظره، ليسا أكثر من (وهم) والقومية أوهنت الشعوب لفترة طويلة في مرحلة عبدالناصر وعوّدت الشعوب على الكلام .
حقيقة الأمر، أن مصر في عهد الإخوان في خطر كبير، هي لم تكن ممزقة في أية مرحلة كما هي ممزقة الآن . مصر مفجّرة الحراكات الوطنية العربية والإفريقية والعالمية، مصر المواجهة للعدوان الثلاثي عليها في العام ،1956 مصر حرب الاستنزاف، مصر عدم الانحياز، مصر القومية العربية، مصر المواجهة للكيان الصهيوني، مصر الوحدة العربية، مصر المحج لكل الثوريين في العالم، مصر السد العالي، والتصنيع الثقيل، وتأميم قناة السويس، وتوزيع الأراضي على الفلاحين والقضاء على الاقطاع، ومجانية التعليم، والطبابة، وتأمين الشيخوخة . . هذا غيض من فيض مما يتنكر له الإخوان في التاريخ المصري .
تفتّق ذهن الإخوان في مصر عن تأسيس قوات شرطة وميليشيات من أوساطهم للمحافظة على الأمن في مصر . نعم هناك بوادر (مثلما تقول تقارير عديدة) لبداية أزمة بين الجيش المصري والإخوان . سبق أن أطاحوا الطنطاوي ونائبه عنان وسبعين من قيادات الجيش المصري، وهم الآن يريدون إطاحة وزير الحربية (الدفاع) السيسي . يريدون للجيش أن يكون إخوانياً بامتياز، لا يريدون له الاستقلالية في ما يدور في مصر من صراعات، يرفضون عدم انحيازه إلى طرف دون آخر في الأحداث التي يمر بها الوطن المصري .
أثبت الإخوان المسلمون بعد ما يقارب العام على تسلمهم الحكم في مصر، أنهم في سياساتهم قصيرو النظر، وعاجزون وانفراديون وإقصائيون ولا يحترمون المعارضة . شاركوا متأخرين في الحراكات وبعد أسابيع من انطلاقتها، وقبلوا التحاور مع نظام مبارك من خلال نائبه عمر سليمان . ركبوا موجة الحراكات ولم يكن مرسي ليفوز في انتخابات الرئاسة لولا الدعم الكامل من قوى المعارضة لترشيحه أمام المرشح الآخر . بعد (انتصارهم) تنكروا لكل وعودهم السابقة، كانوا من قبل قد عقدوا اتفاقيات مع الولايات المتحدة وكسبوا رضاها، وأعطوا وعوداً قاطعة بالمحافظة على اتفاقية كامب ديفيد، وعلى العلاقة معها ومع الكيان الصهيوني، ومناداة رئيس دولة الكيان ب”العزيز بيريز” من قبل الرئيس مرسي . كل الأزمات التي تمر بها مصر ليست مهمة من وجهة نظرهم، المهم هو أخونة الدولة، وليكن بعد ذلك الطوفان! هذا هو منطق حزب الحرية والعدالة . نود توجيه سؤال إلى قيادتهم: وماذا بعد أخونة مصر؟

التعليقات