كتاب 11

08:31 صباحًا EET

رسالة أبناء زايد

كثيرون حصروا اللفتة الكريمة التي اقدم عليها الشيخ خليفة بن زايد بدفع المديونيات المستحقة على 103 مصريين كانوا يقضون فترة عقوبة في سجون الامارات بسبب تعثرهم في سدادها، ومن ثم الافراج عنهم فورا في جهود فضيلة الامام الاكبر احمد الطيب الذي يزور الامارات حاليا ووساطته الناجحة للعفو عن هؤلاء لدى رئيس الامارات وكبار قادتها.

صحيح ان الامام الاكبر حظي بتكريم لم يحظ به مسؤول مصري زار الامارات منذ سنوات طويلة ولا اتحدث هنا عن المراسم البروتوكولية المعتادة في استقبال رؤساء الدول وكبار مسؤوليها وانما اقصد بالتكريم تلك اللفتات الاخلاقية اللطيفة وفي مقدمتها مبادرة الشيخ محمد بن زايد ولي عهد ابو ظبي الذي حرص على ان يذهب الى مقر اقامة الامام الاكبر ليلتقي به في رسالة بالغة الدلالة على ما يكنه الرجل لمصر التي يعشقها ويقدرها كما يعرف ذلك كل من تعامل معه او اقترب منه، ثم كانت لحظة تتويج مشاعر التقدير الاماراتية لمصر في مبادرة الشيخ خليفة بدفع ديون المصريين المتعثرين والافراح عنهم وهي المبادرة التي عكست كذلك ان اصرار حكام الامارات على رفض وساطات الاخوان للافراج عن المتهمين في قضية الخلية الاماراتية ليست موقفا متعنتا من المصريين بشكل عام كما حاول الاخوان ان يصوروا الامر بقدر ما كان تمسكا مفهوما بمبدأ السيادة واظهارا مقبولا لقوة ويقظة الامن في دولة يعيش ويعمل فيها مواطنون ينتمون لحوالي 170 دولة ويمثل ابناء الامارات اقل من 20%من اجمالي نسبة السكان.
رأيي ان ما فعله الشيخ محمد بن زايد واخيه الاكبر الشيخ خليفة يمكن اعتباره رسالة مهمة الى كل المصريين بان بلدهم لا تزال في قلوب حكام وشعب الامارات، وان الخلاف مع النظام المصري الحاكم حاليا لا يعني المساس بقيمة مصر او التقليل من دورها التاريخي في قيادة الامة العربية، وكان تواجد فضيلة الامام الاكبر في ابو ظبي فرصة لم يشأ الرجلان اضاعتها لاظهار تقديرهما لمصر والمصريين، الدولة والشعب اللذين لا يمكن لنظام الاخوان المسلمين الحاكم ان يختزلهما في جماعة، او يقودهما الى حالة خصام مزمنة مع دولة شقيقة حفظت فضائل مصر عليها في وقت اليسر فكانت نعم الصديق في اوقات الضيق التي مرت على بلادنا.
وفي هذا السياق اذكر واقعة لا اظن ان كثيرين يعرفونها تكشف ما في قلوب الاماراتيين تجاه مصر وما كانت تقوم به مصر تجاه اشقائها عندما كانوا بحاجة اليها، الواقعة بطلها الشيخ زايد رحمه الله وتعود الى اواخر عام 67 عقب النكسة التي تركت اثارها السلبية على كل شيء في المحروسة بما في ذلك الاقتصاد الذي شهد انكماشا هائلا بعد ان قرر الرئيس الراحل عبد الناصر توجيه موارد الدولة لدعم المجهود الحربي، وترتب على هذا تاخر التحويلات التي كانت الحكومة المصرية ترسلها لدفع مرتبات المدرسين والمهندسين والاطباء المصريين المبتعثين للدول العربية والذين كانت مصر تتكفل بنفقاتهم كاملة مساهمة منها في دعم الاشقاء، في ذلك الوقت علم الشيخ زايد بان بعض المدرسين المصريين يحتجون على تأخر رواتبهم لعدة اشهر فسأل زايد رحمه الله من نقل اليه الخبر "ولماذا لم تدفعوا لهم رواتبهم؟" فرد عليه الرجل بأن المشكلة في تأخر التحويلات من الحكومة المصرية، فبادر أبو الامارات بالقول ان مصر لديها ما يكفيها، واعطى اوامره الفورية بأن تتكفل الامارات بداية من تلك اللحظة بدفع مرتبات المبتعثين المصريين بالكامل حتى تتفرغ مصر للتجهيز لحرب استعادة الارض والكرامة.
وليس بعيدا عما سبق الموقف التاريخي للشيخ زايد ايضا خلال حرب اكتوبر المجيدة حينما كان اول من بادر بمنع ارسال النفط الى الدول التي تساند اسرائيل مطلقا قولته المشهورة ان النفط العربي ليس اغلى من الدم العربي، كما رد وقتها على سؤال لاحد الصحفيين الانجليز عما اذا كان على استعداد لتحمل تبعات قراره بان اهل الامارات مستعدون للعودة الى اكل التمر من جديد مثلما عاشوا عليه عقودا طويلة قبل ظهور النفط.
واذا كانت الحكمة العربية الشهيرة تقول انه لا يصح الا الصحيح، فأن مبادرة الشيخين ساهمت دون اي مبالغة في الاسراع بتصحيح كثير من الامور التي كان يمكن للعابثين استغلالها لتعكير مياه الود التي تجري بين البلدين، واذا كان علينا طمأنة الاشقاء بان رسالتهم وصلت وقبلت فأن لهم عندنا رسالة مضمونها ان مكانة الامارات ومكانة زايد في قلوبنا لن تزعزها تغريدة حاقدة أو صرخة قبطان تائه ينشغل عن انقاذ سفينته بقضاء الوقت في كيل الاتهامات للاصدقاء قبل الاعداء.

التعليقات