أفضل المقالات في الصحف العربية

08:48 صباحًا EET

«المكر الإخواني» لاستهداف القضاء المصري

القضاء المصري وقضاته في محنة عظيمة هذه الأيام، حملات ظالمة وشرسة يقودها الإخوان -الحزب الحاكم- ضد القضاء والقضاة، تحت شعار «الشعب يريد تطهير القضاء»، ويظاهرهم في هذا الهجوم الشرس أنصارهم، من كتاب وخطباء وإعلاميين هنا في دول مجلس التعاون، يكتبون بكل استخفاف مؤيدين ما يتعرض له القضاة في مصر من إساءات وتطاول وتشكيك في نزاهتهم، وهدف "الإخوان" من هذه الحملات، إضعاف القضاء وإسقاط "هيبته" وزلزلة "مكانته" وتحجيمه، تمهيداً لاختراقه وتطويعه لتوجهاتهم السياسية، أو كما قالت المستشارة تهاني الجبالي: لإدخال السلطة القضائية (بيت الطاعة الإخواني).

"القضاء المصري" الشامخ، قلعة الحقوق والحريات، يتعرض اليوم لإرهاب عظيم من قبل جحافل غوغائية تابعة لجماعة "الإخوان" الحاكمة، تحاصر دور العدالة، وتهدد القضاة بمحاصرة منازلهم وتتهمهم في نزاهتهم وتتطاول عليهم، وهي كلها سلوكيات مجرّمة يعاقب عليها القانون، وعدوان على مؤسسات العدل ينبغي أن يوضع له حد ممن يفترض فيهم حماية حصون العدالة، ولكن كيف السبيل إلى ذلك والسلطات في مصر هي التي تريد وتسعى لإضعاف السلطة القضائية وتشويهها!
قضاة مصر اليوم يتعرضون لمذبحة كبرى أشد وأعظم من المذبحة التي تعرضوا لها في مارس 1954 عندما حاصر متظاهرون غوغاء مدفوعين من قبل السلطات في عهد عبدالناصر، مقر مجلس الدولة، واعتدوا على رئيسه الفقيه الدستوري العظيم عبدالرزاق السنهوري، رحمه الله تعالى.
يدور الزمان بعد 59 عاماً لتنزل جحافل غوغائية استقدمت من القرى والأقاليم بتحريض من جماعة "الإخوان" لتحتشد في ميادين القاهرة والإسكندرية فيما سمي "جمعة تطهير القضاء" لتسيء إلى القضاة وتهتف ضدهم، مستغلة الفوضى والاضطرابات التي تعصف بالساحة المصرية ولا تحرك الحكومة المصرية ساكناً! كيف وصلت الأخلاقيات إلى هذه الدرجة من الانحطاط في مجتمع متحضر، عريق في مؤسساته القانونية والمدنية، ليُسمح لهؤلاء الغوغائيين بالتطاول على القضاء؟! هل يُعقل أن تنظم جماعة "الإخوان" المصرية (مليونية) ضد القضاء المصري؟!
لماذا يستهدف "الإخوان" قضاة مصر؟!
أولاً: يستهدف "الإخوان" السلطة القضائية، ضمن استهدافهم العام للاستحواذ على كافة السلطات والمؤسسات الحيوية للدولة، وتأتي في هذا السياق تحركاتهم لإخضاع الأزهر الشريف لنفوذهم ومضايقاتهم المستمرة للإمام الأكبر شيخ الأزهر واستفزازاتهم له، ومن يقرأ مقالة مأمون فندي "الإخوان ضد الأزهر: معركة الإسلام الأخيرة في مصر"، تتضح له أبعاد المؤامرة.
ثانياً: لـ "الإخوان" ثأر تاريخي من القضاء المصري، وهم لا ينسون ثأرهم إذا تمكنوا، واليوم هم متمكنون، ومنذ أن حكم القاضي الخازندار على بعضهم في جرائم استخدام القنابل في مارس 1948 ثم قتلهم له، ثم محاولة نسف محكمة الاستئناف في قضية حادث (الجيب) لتدمير الوثائق السرية المتعلقة بنشاطات الجهاز السري الخاص لـ"الإخوان" في يناير 1949، مروراً بأحكام الإعدام بحق سيد قطب ورموز إخوانية في عهد عبدالناصر، والأحكام القضائية الصادرة ضدهم في عهدي السادات ومبارك، وصولاً إلى حكم المحكمة الدستورية العليا بإبطال مجلس الشعب الذي كان يسيطر عليه "الإخوان" (2012) بسبب عدم دستورية قانون الانتخابات، و"الإخوان" ليسوا على وفاق مع القضاء، تاريخ طويل من العداء رسًّخ في المخيال الجمعي الإخواني، كراهية عميقة للقضاء المصري ومؤسساته، ورجاله إلا الموالين لهم من رجال القانون.
ثالثاً: القضاء المصري الشامخ وبالذات شيوخ قضاة مصر وعمالقة العدالة وقفوا بالمرصاد في مواجهة المخططات الإخوانية للهيمنة على السلطات بالتعدي على الدستور وتجاوز القوانين، فتصدت المحكمة الدستورية العليا للإجراءات المخالفة، وأبطلت مجلس الشعب وألغت قانون العزل السياسي الذي أصدره لحرمان شفيق من الترشح الرئاسي، ما جعل الإخوان يفقدون توازنهم، ويهاجمون الدستورية العليا واستطاعوا حينها استبعاد المستشارة تهاني الجبالي وكانت تشغل منصب نائب رئيس المحكمة الدستورية. لقد أيقن "الإخوان" أن القضاء المصري هو العقبة الكؤود في وجه مخططاتهم، فلابد من إضعافه وتحجميه واختراقه!
لقد قال المرشد السابق عاكف "الإخوان لا يعتذرون" هذا وهم في المعارضة، ونضيف وهم أيضاً "لا ينسون ثأرهم" وهم في السلطة، فكيف يصفون حساباتهم مع القضاء المصري؟! "الإخوان" مهرة في المخططات السرية، وأساتذة في فنون التآمر لتحقيق أهدافهم، وعندهم أن الحرب خدعة يجوز فيها الكذب والخداع والمناورة، وهم اليوم في حرب مع القضاء المصري وقد وضعوا مخططاً ممنهجاً لاستهداف القضاء، ولكن على مراحل زمنية وبتوظيف كافة الوسائل المتاحة ومنها:
1- تعديل قانون السلطة القضائية والمتضمن تخفيض سن تقاعد القضاة من 70 إلى 60، وهم بذلك يحققون هدفين ماكرين: أ- التخلص من شيوخ القضاة وممن يرونه ليس في صفهم. ب- إعادة هيكلة القضاء المصري بما يضمن سيطرتهم عبر إحلال 4000 قاض من الموالين لهم من قطاعي المحاماة والجامعات، وكان عاكف قد صرّح بأن هناك نحو 3500 قاض سيتم (تفويرهم) أي التخلص منهم!
2- تحريض الجماهير التابعة لهم للنزول للتظاهر ضد القضاة والمطالبة بالتطهير بحجة "الشرعية الثورية" واتهام القضاة بأنهم من أنصار النظام البائد!
3- إرهاب القضاة وتهديدهم بمحاصرة منازلهم والتعرض لهم والتشكيك في نزاهتهم، وترويعهم عبر ما سموه بمليونية تطهير القضاء، ومحاصرة دور العدالة.
4- إصدار "إعلان دستوري" محصن ضد نظر القضاء وذلك لتحصين "الجمعية التأسيسية" كي تمرر الدستور المسلوق الذي أعطى صلاحيات مطلقة للرئيس، ولتحصين "مجلس الشورى" ضد الدعاوى المرفوعة إلى الدستورية بحله، وبموجب الإعلان، فرض رئيس الجمهورية على القضاء نائباً عاماً "غير شرعي" تابعاً له!
هذه بعض من الوسائل الماكرة التي وظفها "الإخوان" ضد القضاء المصري، لقد استقال وزير العدل المصري المستشار مكي احتجاجاً على قانون التعديل، وتبعه المستشار القانوني للرئيس فؤاد جادالله رفضاً لـ"اغتيال السلطة القضائية" وهما موقفان مشرّفان، واضطر رئيس "نادي القضاة" المستشار الزند إلى التصريح بأنهم سيلجأون إلى "الجنائية الدولية" ضد المحرّضين المسيئين للقضاة، وقابلوا -مؤخراً- رئيس الجمهورية، وحصل نوع من التهدئة أو التوافق المرحلي المؤقت، ولكن "الإخوان" لا يوفون بالوعود: يناورون، يهدأون مؤقتاً، ثم يهجمون عند أول فرصة ليحققوا أهدافهم، إنهم لا أمان ولا ضمان لهم!

التعليقات