كتاب 11

12:39 مساءً EET

الزمن يمر والعمر يمضي

الوقت. كيف يُسرق منا وينزلق من بين أصابعنا ليضيع للأبد؟ كيف نعمل على إهداره أو استثماره؟ كيف نُدرك أهميته ولا ننساه؟ وكيف يُمكن أن نستمتع به؟ كم من أوقاتنا سيطر عليها وأهدرها الآخرون؟

ماذا تعلمت اليوم وكيف شاركت الأخرين في معرفتك؟
هذا هو أقسى درس تعلمته في السنوات القليلة الماضية ولا زلت أقع في نفس الفخ واقترف نفس الخطأ: الزمن الذي يمر قد يصبح أعز صديق إذا ما أوليناه دائماً الاهتمام الذي يستحقه، وقد يصبح وحشاً ينهش عمرنا حتى تصبح حياتنا جوفاء خالية من الإنجازات إذا ما تجاهلناه.
قد نمضي دقائق قليلة كل يوم في متابعة دروس على الانترنت (وما أكثر هذه الدروس!) أو في التدريب على هواية جديدة ولكن مع الدأب والمواظبة وعلى مدار الشهور سنجد أننا قد أمضينا ساعات في تعلم أمور جديدة أو في تحسين مهاراتنا. عندما تأخذنا مشاغل الحياة أو يحبط من عزيمتنا الفشل أو يصيبنا الاكتئاب بسبب تأزم الأوضاع المعيشية أو تعرضنا لوعكة صحية أو أزمة عائلية فإن تلك الدقائق القليلة اليومية التي سنتمكن أثناؤها من السيطرة على مشاغلنا واحباطاتنا كي نتعلم أمراً جديداً أو للتخلص من عادة بليدة ستساعدنا على أن نصبح أفضل، لو فقط ثابرنا والتزمنا بدقائق التعلم اليومية تلك وواظبنا عليها.
جرب وستشهد بنفسك كيف تغيرت بعد بضعة أشهر. قم بهذا الاستثمار البسيط ولكن المنتظم لوقتك وسترى كيف ستطور من نفسك. تعلم لغة، قم بتنمية مهاراتك الفكرية أو المهنية، اعمل على تنمية ذاتك أو تابع برنامج حول الحضارات أو أحد العلوم. ابدأ بالسيطرة على القليل من وقتك، ومع الاصرار والمتابعة ستتمكن من السيطرة على كل وقتك. ستتعلم كيف تسيطر على كل الأسباب التي كانت تؤدي إلى سرقة وقتك وستنجح في استثماره على الوجه الأمثل. إن الوقت هو رأس مال الإنسان الحقيقي، وكل ما يحتاجه الإنسان كي يستفيد منه هو أن يُحسن اختياراته. فالتعلم لا يعني فقط بناء المعرفة ولكن يعني في المقام الأول تبني المواقف الصحيحة واتخاذ القرارات الصائبة. ففي أي الأمور تستثمر وقتك؟
لم أكتب مقالاً منذ أكثر من شهر على الرغم من كثرة الأفكار والموضوعات التي أرغب في تناولها. أنا في أجازة مرضية ولدي متسع من الوقت. ليس المرض هو الذي منعني من الكتابة. ولكن ما منعني من الكتابة هو سيطرة الشعور بالاحباط علي حتى أصبحت قزماً صغيراً أمام الزمن الذي يمر سارقاً يوماً ثم أياماً ضيعتها دون إنجاز. لذا قررت أن استعيد زمام يومي بتغييرات بسيطة ولكن تراكمية. أعلم أنه بعد عدة أشهر سأكون قد حققت تغييراً ملموساً لو التزمت بالقيام بخطوة بسيطة كل يوم. هل تذكرون قصة سباق السلحفاة والأرنب؟ من انتصر في النهاية؟
هل المضي بخطوات بسيطة ولكن ثابته هو خيار ضمن خيارات أخرى؟ بالتأكيد. فأنا يمكنني الاستمرار في الاستسلام للإحباط واهدار الوقت حتى يتحول عمري من أيام إلى أسابيع وشهور وسنوات من عدم الانجاز. ولكن هذا خيار من لا يعنيه أن تظل حياته بلا انجازات، وينسى أو يتناسى أن الله سيسألنا عن أعمارنا فيما أمضيناها. إن الإنسان الذي يرغب في الارتقاء بذاته ليس أمامه سوى طريقة وحيدة: الخطوات الصغيرة المنتظمة والدؤوبة.
سأبدأ من اليوم. فهل هناك من يريد أن يبدأ معي؟
إن التغيير يمكن أن يكون بسيطاً وسهلاً بسهولة وبساطة اتخاذ النوايا: فإذا كنت تريد حقاً أمراً ما، إذا كنت تريد حقاً أن تتعلم، فكل ما تحتاجه هو أن تقوم بتغييرات بسيطة كل يوم. إننا غالباً ما نتجاهل هذا المبدأ في رحلة تعلمنا، فنركز فقط على فهم الجوانب المعرفية ونتجاهل الفعل. ولكن التعلم هو معرفة وفعل، وغاية التعلم العليا هي تطوير سلوك الإنسان عبر المعرفة والتدريب. فالمعرفة في حد ذاتها هي غاية لا وسيلة. غايتنا هي الارتقاء بالذات وتطوير الأداء والسلوك.
أن أحدد ما أريد، ثم التزم بخطة عمل زمنية لتحقيق هدفي الذي حددته، مدركةً أن الهدف، كما يُمكن أن يكون البدء في عمل أمور مختلفة واكتساب عادات جديدة، يُمكن أيضاً أن يكون التوقف عن القيام ببعض الأمور وتغيير بعض العادات. التخلص من عادة ما أو تغيير أسلوب تفكير هو هدفٌ يستحق العمل عليه. هذه هي القيمة التي تعلمتها وأدرك أهميتها كل يوم.

التعليقات