كتاب 11

01:36 مساءً EET

يريدون الجيش ويخافون من الانجاب (1-2)

لا اعرف هل يجب ان اعتذر عن المغزى الوارد في العنوان والذي يشير الى مثل شعبي كنا نسمعه كثيرا في مرحلة المراهقة والعنفوان الذكوري "المفترض" لوصف الفتيات اللاتي لا يرفضن اغراء الشباب لهم بشكل قاطع لكنهن في نفس الوقت لا يتمادين في العلاقة؟ ام ان الاعتذار واجب على النخب السياسية في مصر والملايين من ابناء الشعب التي يجسد ادائها حاليا نفس المعنى الصريح للمثل الشعبي؟!

فهذه الايام لا تذهب الى اي مكان او تستقل سيارة أجرة او تمارس اي نشاط انساني الا و"تخرم اذنك" خلاله كلمات من فصيلة "امتى الجيش ينزل" و "هايفضلوا يتفرجوا على الاخوان وهما بيغرقوا البلد كده كتير" الى آخر العبارات التي وان كانت تعكس في اعماقها ثقة المصريين المطلقة في جيشهم ووطنيته وانحيازه المستمر للشعب، الا انها تحمل في ظاهرها عتابا ولوما ليسا في محلهما للعديد من الاسباب.
اول هذه الاسباب ان الجيش لا يستطيع ولن يقبل المجتمع الدولي منه الانقلاب على رئيس منتخب جاء الى منصبه عبر الصناديق الا اذا اقتنع هذا المجتمع الدولي بأن استمرار الرئيس في منصبه إما ضد رغبة الشعب الذي اختاره أو يمثل خطورة على حالة السلم الأهلي في ذلك البلد، بمعنى اخر إما ان يتحرك الشعب بالملايين سواء في مظاهرات او عبر تحركات منظمة لطلب سحب الثقة من الرئيس، وهذه التحركات ستكون بمثابة استفتاء شعبيا يبطل "كلمة الصناديق" التي جاءت بالريس وفق برنامج ووعود لم يتحقق منها شيء حتى الان (وهذا يفسر جانبا من هلع الاخوان من حملة تمرد رغم اصرارهم على عدم دستوريتها)، وهذا ما يعني ببساطة ان حركة الجيش يجب ان تكون تالية لحركة الشارع وليس العكس.
السبب الثاني ان انسحاب الجيش من المشهد السياسي كان تلبية لرغبة المصريين، وبعد حملات شعبية (مدبرة) لاهانة الجيش المصري وتعمد تجاهل حقيقة تاريخية تميزه عن أغلب جيوش العالم انه ظل دوما جزء اصيل من الحراك الوطني لم يتورط في صراع على سلطة او انحاز لحاكم على حساب الشعب، ولعله من المفيد هنا تنشيط ذاكرة من نسى وايقاظ ضمير من تناسى التاريخ الوطني للعسكر بداية من أحمد عرابي الذي تمرد على فساد الخديوي توفيق وتواطؤه مع الانجليز والفرنسيين، فتحول من وزير للحربية الى المنفى. ووصولا الى حركة الضباط الاحرار عام 1952 التي مثلت تتويجا للحراك الشعبي الذي بدأه مصطفى كامل (المناضل وليس نقيب الموسيقيين الجديد) عام 1906، ناهيك عن ان وصف "حكم العسكر" على الفترة الممتدة من يوليو 1952 حتى يونيه 2012 يعكس إما جهلا او عقلية مغرضة باعتبار ان الحكم العسكري له طبيعة لم يكن متحققا منها في مصر طوال الستين عاما سوى ان الحاكم كان منتميا في وقت ما للمؤسسة العسكرية.
سوء تعامل النخب السياسية مع الجيش يقودنا الى السبب الثالث الذي يجعل تململهم من تأخر تدخل المؤسسة العسكرية في المشهد الحالي المرتبك والمزري غير مقبول، ذلك انهم يتعاملون مع الجيش المصري باعتباره خادمة سيريلانكية (التعبير سمعته من الصديق العزيز محمد عبد الهادي رئيس تحرير الاهرام السابق نقلا عن احد القادة العسكريين واستاذنته في استخدامه) يطلبون منها ما يشاءون وقتما يشاءون ثم يأمرونها بترك ما بدأته ليوكلون لها مهمة آخرى وهكذا، دون مراعاة لهيبة الجيش التي ساهموا في النيل منها بعدما نصبوا مدافعهم على الفضائيات صوب المجلس العسكري طوال الفترة الانتقالية، وتركوه فريسة للاخوان من الداخل (ينصحون قادة المجلس العسكري ويدعمونهم ظاهريا ثم يخرج رجالهم للهتاف ضدهم في الشوارع)  والضغوط الامريكية من الخارج.
الامر الرابع وربما الاهم ان اغلبية المصريين الان يطالبون الجيش بالتدخل ومواجهة التدهور السياسي والاقتصادي والامني والاجتماعي الذي تشهده مصر تحت حكم الاخوان، لكن احدا لم يسأل نفسه كيف سيكون تدخل الجيش – اذا تدخل- وما هو السيناريو التالي لهذا التدخل؟!.. فكروا في الأمر حتى نلتقي في المقال المقبل.
 

التعليقات