كتاب 11

02:07 مساءً EET

الحرية والطبقة الوسطى

في نهاية شهر يونيومن العام الماضي ، عندما  تولى محمد مرسي رئاسة مصر، خرجت الطبقة الوسطى – في الميادين – تحتفي به لا باعتباره رمزا للثورة أو شخصا سيحقق طموحات الثورة، وإنما خرجت تدعمه لأنه المُخلّص من الثورة! مرسي مثّل لدى هذه القطاعات – ولا يزال – الإستقرار بقضه وقضيضه، الهدوء، انتهاء المغامرة، الراتب المستحق فى آخر الشهر

قيم الطبقة الوسطى تكره المغامره، وفي حالة تسامح شديدة مع الرتابة والروتين. الثورة كادت أن تضرب هذه القيم بالقاضية، باعتبارها ذروة المغامرة. حتّى أبناء الطبقة الوسطى والطبقة الوسطى العليا الذين ثاروا، تخلّوا قبل ثورتهم عن هذه القيم، وصار أحدهم – لو استعرنا تعبير جيجك – "إنسانا مخلوعا" عن قيم طبقته.
لما كنت حدثا صغير شاهدت الكثيرين على التلفزيون الرسمي للدولة يتكلمون – في رطانة منقطعة النظير – عن قيم الطبقة الوسطى، وكونها "رمانة الميزان"، وكونها تتآكل وتضمر.. إلخ. ويمكننا الحديث عن جلال أمين باعتباره عابد لشبح الطبقة الوسطى في أربعينيات وخمسينيات القرن المنصرم، رغم أنه لا ينتمي لها بالمناسبة.
القيم السائدة للطبقة الوسطى ضد الإنخراط في السياسة فعلى الأبناء أن "يمشوا بجانب الحائط"، ضد الخروج على رئيس الجمهورية لأنه "الأب" (في انعدام فهم للفارق بين العلاقات التراحمية والتعاقدية)، ضد المغامرة فـ"الست ملهاش غير جوزها" و"لازم تتجوزي – أي حد مقبول نسبيا – عشان فرصك بتقل مع الوقت" و"ذاكر يابني وشد حيلك عشان تبقى دكتور قد الدنيا بدل المزيكا والتفاهه دي"..ألخ. كل هذه القيم الرجعية (ولن أدخل في سفسطة معيارية الرجعي والتقدمي، لأن المقام لا يسمح!) هي ببساطة مبادئ وقناعات الطبقة الوسطى.
لا أحب الحديث عن الحتميات الدنيوية، ولكن على أبناء الطبقة الوسطى أن ينعتقوا وينخلعوا من قيم طبقتهم وأن لا يصدقوا قول الآباء: "إللي ملوش خير في أهله ملوش خير في حد" و"الناس تقول علينا أيه؟!"، لأنها أقوال حق يراد بها عبودية وانبطاح، ولأنه لا سبيل للحرية إلا بمراجعة فكرة كوننا أبناء زمننا وطبقتنا وظروفنا.

التعليقات