كتاب 11

02:42 مساءً EET

يريدون الجيش ويخافون من الانجاب (2=2)

تحدثنا في الجزء الاول من المقال عن رغبة الناس في تدخل الجيش المصري في المشهد السياسي المعقد، ومشروعية هذه الرغبة الى ان توقفنا عند سؤال في غاية الاهمية، ما هو السيناريو التالي لتدخل الجيش إذا تدخل؟! فهل ينقلب الجيش على الرئيس الاخواني ويدخل في مواجهات ستكون غالبا مسلحة ودموية مع ميلشيات الجماعة والتابعين لها مثلما اشار لذلك حازم صلاح ابو اسماعيل، ثم يسلم السلطة للنخب السياسية التي ستكتفي مع جموع الشعب بمشاهدة المعارك من المدرجات؟! واذا فرضنا ان الجيش مستعد لهذه التضحية فلمن سيسلم السلطة وقتها، او على حسب الجملة الدرامية الشهيرة من فيلم واسلاماه "لما أحب اسلم مصر اسلمها لمين؟!" فهل يترك الحكم لاحد المرشحين الخاسرين في انتخابات الرئاسة وهم احد اهم اسباب وصول الدكتور مرسي الى الحكم بعد ان فشلوا في الاتفاق فيما بينهم لاختيار واحد يمثل الثورة في وقت كان اصغر طفل في مصر يعرف ان الاخوان يستطيعون حشد الملايين من اجل التصويت لمرشحهم، ومثلهم الفلول الممثلين بالحزب الوطني المنحل وتاريخه الطويل في خوض المعارك الانتخابية يملكون حشد ملايين مماثلة للمرشح الذي اختاروه وهو الفريق احمد شفيق.

دعونا نمضي في تصور السيناريو الافتراضي حتى نهايته لنقول ان الجيش انقلب على الاخوان وقرر تسليم السلطة مثلا للفريق احمد شفيق بإعتباره المرشح الخاسر في انتخابات الاعادة والحاصل على اقل بقليل من 50 % من أصوات المصريين، فهل سيقبل الناس هذا ام ستخرج المظاهرات المنددة بالجيش لانه سلم البلاد الى الفلول، ويطل علينا النخبويون بنظرياتهم "الفضائية" عن ان كل ما حدث منذ نجاح الثورة مؤامرة دبرها الجيش لاعادة نظام مبارك للحكم؟!
واذا سلم الجيش السلطة مثلا الى حمدين صباحي أو عبد المنعم ابو الفتوح او عمرو موسى أو الى أحد غيرهم من المرشحين الرئاسيين الخاسرين فهل سيرضي ذلك بقيتهم؟! واذا طلب من كل هؤلاء الاتفاق على شخص منهم يسلمه الجيش السلطة فهل يمكن ان يتفقوا وقتها وهم الذين فشلوا في الاتفاق من قبل؟!
قد يقول قائل انه يجب تشكيل مجلس رئاسي مدني عسكري يدير البلاد لفترة انتقالية مدتها عامين مثلا يتم خلالها كتابة الدستور من جديد بشكل يرضي الجميع ويحقق املنا في اقامة دولة مدنية ديمقراطية تراعي حقوق الانسان والعدالة الاجتماعية، وهو اقتراح روج له البعض في صيغ مختلفة طوال الشهور الماضية، لكن السؤال الذي يعود لطرح نفسه من جديد هو.. كيف سيجري اختيار المجلس الرئاسي؟ ومن يختاره؟ هل يتم ذلك عبر استفتاء شعبي؟ وكيف نستريح لنتائجه بينما كان استفتاء مارس 2011 هو من قادنا الى السيناريو الكارثي الذي نعيش فيه حتى الآن. ام سنترك للجيش مهمة اختيار إعضاء المجلس الرئاسي، وهل سيتعاون النخبويون ممن لم يتم اختيارهم معه ويتفق الجميع على اعلاء مصلحة الوطن فوق كل المصالح الاخرى ام سيتفرغون لتقطيع المجلس وقراراته والغمز على الجيش الذي انحاز لفلان لاغراض غير شريفة وتجاهلهم لقناعة قادته بانهم سيقفون ضد تغول العسكر على السلطة…و…و الى اخر السيناريو الذي عشناه كثيرا من قبل؟
إذن فالوضع السياسي حاليا شديد الارتباك كما نرى، واتوقع ان يظل كذلك في المستقبل القريب ما يترك قادة الجيش – في رأيي- أمام أحد امرين أحلاهما مر كما تقول الفنانة شادية في أغنيتها المعروفة، الاول ان يبقى الجيش على ما هو عليه الآن ويترك ميادين السياسة ليتعارك فيها الفرقاء الحاليين فيموت من يموت وينتصر من ينتصر ويظل الشعب متفرجا، بعضه حالم وأغلبه حانق وتتفرغ المؤسسة العسكرية لمهامها الأساسية في حماية حدود الوطن، ومشكلة هذا الاختيار رغم انه يبدو مثاليا من وجهة نظر التيارات الاسلامية التي تثق في قدرتها على حسم أي صراع مع أي قوى سياسية في مصر إلا الجيش باعتباره القوة الوحيدة التي تفوقهم تنظيما وحشدا وانضباطا، أن إستمرار حكم الأخوان بالنهج الحالي لن يكون فقط خطرا على المجتمع وتماسكه الامني والاقتصادي والسياسي، وهي مخاطر يتوجب على المؤسسة العسكرية الوطنية التدخل لمنعها متى أمكنها ذلك، ولكنه سيكون خطرا على تماسك الجيش ذاته نتيجة جهل الجماعة بقواعد إدارة الدولة من ناحية، وفلسفتها الايدولوجية  بان الاسلام فكرة تتجاوز الوطنية وصولا الى الاممية من ناحية آخرى، وهناك عشرات المشاهد يمكن اعتبارها أدلة ثبوت على هذا الخطر المحدق بتماسك ووحدة الجيش المصري احدثها حادث اختطاف الجنود السبعة في سيناء قبل تمثيلية اعادتهم.
الأمر الثاني وهو يبدو -من وجهة نظري المتواضعة- اقل الاختيارات مرارة ان الجيش اذا قرر التحرك لانقاذ البلاد فعليه تولي زمام الامور بشكل واضح ومعلن مع استبعاد كل القوى السياسية التقليدية "الحاكمة والمعارضة" من المشهد تماما وبدء الفترة الانتقالية المنشودة لمدة لا تقل عن عامين ولا تزيد عن اربعة سنوات يكون الاعتماد خلالها على الكفاءات الوطنية غير المسيسة لادارة الملفات التي تأزمت طوال الفترة الماضية مثل السياحة والاستثمار والامن والعلاقات الخارجية اضافة الى تشكيل لجان محايدة ونزيهة لاعداد دستور جديد للبلاد وتنقية التشريعات والقوانين الحالية بما يتوافق مع الدستور الجديد وما نأمل فيه لمصر المستقبل، ثم وضع تصور للعمل المؤسساتي في بلادنا الذي لا يتأثر برئيس راحل او زعيم قادم، ويعتمد على اللامركزية في ادارة الدولة التي تجعل كل محافظ هو رئيس جمهورية محافظته، بعدها تقام الانتخابات بفروعها المختلفة –نيابية ورئاسية- ايذانا بتسليم السلطة للمدنيين وعودة الجيش معززا مكرما الى ثكناته.

التعليقات