مصر الكبرى

08:04 صباحًا EET

خيانة الثورة المصرية

توضح النتائج الأولية للانتخابات أن محمد مرسي، مرشح الإخوان المسلمين، هو الرئيس المصري المقبل. وحتى إذا تم إعلان فوز مرسي في وقت لاحق من الأسبوع الحالي، فلن تكون أول انتخابات رئاسية شعبية مصرية هي حجر الزاوية في النظام الديمقراطي. سيكون مرسي بموجب الحكم الصادر عن المحكمة العليا بحل البرلمان، والإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره المجلس العسكري، والذي يقيد بمقتضاه سلطات الرئيس، بلا أظافر، وخاضعا للمجلس العسكري السلطوي الذي يبدو غير مستعد لتسليم السلطة قريبا. وأحكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة قبضته على مقاليد الحكم في البلاد، حيث منح نفسه حق التشريع ووضع ميزانية الدولة، والحق في تعيين لجنة صياغة الدستور، والحصانة من أي آلية مراقبة ديمقراطية، وحق نقض أي إعلان للحرب. ومن المتوقع أن لا يكون للرئيس الجديد أي كلمة في السياسة الخارجية وفي علاقات مصر بالولايات المتحدة التي تمنح مصر معونة سنوية عسكرية قدرها 1.3 مليار دولار.

عدم رغبة العسكر في التخلي عن السلطة وإتاحة فرصة لإرساء نظام ديمقراطي واضح منذ شهور، مع ذلك استمرت الولايات المتحدة في دعمها للمجلس العسكري، حيث لا تزال السلطات المصرية تستخدم قنابل الغاز المسيل للدموع أميركية الصنع في قمع المتظاهرين المعارضين للعسكر. عندما صوت بـ«لا» في الاستفتاء على التعديلات الدستورية خلال شهر مارس (آذار) الماضي، بعد أسابيع من خلع الحاكم المستبد مبارك بعد سنوات طويلة من جلوسه على المقعد الرئاسي، كان تصويتا ضد القيام بعملية انتقال للسلطة تحت حكم العسكر الذي أحدث فوضى قانونية لا تزال مستمرة، وصلت إلى ذروتها بحل مجلس الشعب الذي يهيمن عليه الإخوان المسلمون، واستحواذ المجلس العسكري على السلطات التشريعية. ومثلت التعديلات الدستورية، التي تم الاستفتاء عليها، بداية عملية دفعت المصريين والعالم إلى الاعتقاد خطأ بأن مصر تسير على طريق الديمقراطية. في 19 مارس تفاخر الكثير من المصريين بأصابعهم المخضبة بالحبر الفسفوري الذي غمسوا فيه أصابعهم بعد الاستفتاء لاعتقادهم بأن مصر تسير بحسب «خريطة التحول إلى حكم مدني ديمقراطي»، كما يحلو لأعضاء المجلس العسكري وصفه. مع ذلك دائما كان هدف هذه الخريطة المتلاعب بها هو كبت طموحات الشعب المصري بتأجيل التحول إلى الديمقراطية وجر المصريين على طريق رسمه العسكر. ونجح الاستفتاء والانتخابات البرلمانية والرئاسية في تشتيت الناس بفخاخ الديمقراطية.
على الجانب الآخر، لم يتخل نظام مبارك عن السلطة، فربما يكون الرئيس السابق قد خسر منصبه وقدم للمحاكمة مع بعض رموز نظامه (من قبل النائب العام الذي عينه الرئيس نفسه)، لكن لم تصدر بحقهم أحكام نهائية بعد، فيما عدا ذلك لم يتغير أي شيء بعد الثورة، فقادة الجيش والوزراء الأساسيون في الحكومة لا يزالون في مناصبهم. وما زالت انتهاكات وزارة الداخلية لحقوق الإنسان مستمرة بطريقة أكثر وحشية من ذي قبل، فآلاف المصريين العاديين مثلوا أمام محاكمات عسكرية، ويعاني مواطنون مصريون الظلم بسبب المرسوم الجديد الذي يخول الشرطة العسكرية ومسؤولي الاستخبارات اعتقال المدنيين. وكان من المحال أن تتمخض ديمقراطية حقيقية عن عملية تم خلالها انتخاب برلمان ورئيس قبل وضع دستور يحدد وضعهما وسلطاتهما وعلاقتهما بالجيش.
يمكن للديمقراطية أن تعيش فقط في ظل دولة القانون، ولا يمكن أن ترسى في دولة تضربها الفوضى القانونية والسياسية. لقد أنهكت المحاكم المصرية تحت وطأة النزاعات على دستورية المجلس نفسه والجمعية التأسيسية التي شكلها البرلمان المنحل حاليا، والمكان الذي سيؤدي فيه الرئيس الجديد القسم، وكيفية قيامه بذلك في ظل غياب هيئة تشريعية وطنية.
وتستمر حالة عدم اليقين تاركة وراءها خبراء في القانون وقادة الرأي في أتون جدل لا ينتهي يشتت انتباه المصريين بعيدا عن الأهداف الأساسية التي اندلعت من أجلها ثورتهم.
بالنظر إلى تجاهل العسكر المستمر على مدى الستة عشر شهرا الماضية للأسس الديمقراطية، يبدو تعليق وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون الأسبوع الماضي بأنه «لا تراجع عن التحول الديمقراطي الذي ينادي به المصريون» سخيفا.
وعلى الرغم من سيطرة العسكر السافرة على مقاليد الأمور، فإنه ليس لدى إدارة أوباما شك في عودة المعونة الأميركية العسكرية لمصر، بغض النظر عن وضع الكونغرس حماية الحقوق الأساسية كشرط لتقديم المعونة من أجل الحفاظ على التحالف الطويل بين الولايات المتحدة وحكام مصر. وكانت أميركا تستطيع الانحياز للشعب المصري لو أرادت، لكن السؤال هو: هل الحكومة الأميركية ترغب حقا في أن ترى مصر دولة ديمقراطية؟ إذا كانت إدارة أوباما تدعم الشعب المصري في سعيه للحصول على حريته، فينبغي إذن أن تدرك أنه لن يتم إرساء الديمقراطية في البلاد إلا عن طريق الثورة التي بدأت في الشوارع في يناير (كانون الثاني) عام 2011 لا عبر الطرق المشبوهة التي يستخدمها المجلس العسكري الذي عينه مبارك.

التعليقات