كتاب 11

01:00 مساءً EET

رب ضارة نافعة

تمر البحرين بمنعطف اقتصادي صعب مثلها مثل أغلب دول العالم بسبب آثار الأزمة المالية التي بدأت قبل سنوات وهبوط أسعار النفط الحاصل الآن وكذلك التحديات الأمنية والأوضاع الحالية للمنطقة. فمن وجهة نظر المواطن، رواتب ضعيفة او فرص عمل محدودة في مواجهة غلاء المعيشة المستمر. وبالمقابل تسعى الحكومات للقيام بمبادرات لتنشيط الاقتصاد ولكن تأثيرها محدود، فما العمل؟
فَلَو سألنا أنفسنا كيف تغلبت ألمانيا على الغزو الاقتصادي الصيني الذي لم تنج منه أغلب الدول الأوروبية وحتى أمريكا؟ وكيف نجحت هولندا بتحويل التحديات إلى عناصر أساسية لنجاحها الاقتصادي وحتى بقائها؟
نجحت ألمانيا بخلق اقتصاد منتج يعتمد على خلق قيمة مضافة وقادر على التنافسية فهي لا تنافس الصين لأنها تنتج نفس المنتجات بأسعار أرخص إنما عن طريق خلق منتجات متخصصة ذات قيمة مضافة.
وواجهت هولندا خطرا وجوديا بوجود نسبة كبيرة من مساحتها تحت منسوب المياه فنجحت في تحويل هذا الخطر إلى عنصر للجذب السياحي ومصدر أساسي للطاقة عن طريق حفر قنوات مائية ساهمت في انتاج زراعي رائد وسدود تنتج الطاقة مما خلق بنية تحتية لصناعات وخدمات (ذات قيمة مضافة)، وزاد موقعها الجغرافي من مضاعفة ذلك النجاح.
وبالتالي انعكس ذلك على مستوى معيشة الفرد وقوة اقتصاد الدولة وقدرتها على امتصاص الأزمات الاقتصادية.
يعاني الاقتصاد البحريني من عدة تشوهات، أولها الاعتماد على النفط كمصدر أساسي لدخل الدولة وبالتالي اصبح الاقتصاد ريعيا يعتمد على ميزانية الدولة. إنما المفروض ان تعتمد الدولة على قوة وتنوع اقتصادها لدعم ميزانيتها. فللأسف تشكل الإيرادات غير النفطية للدولة ما نسبته 12% تقريبا وهذه نسبة متدنية جداً برغم كل جهود الدولة وتصريحات المسؤولين بأن تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط من اهم أولوياتها الاقتصادية.
في السنوات الماضية كانت أسعار النفط في ارتفاع مستمر وأسهم هذا الارتفاع بزيادة ايرادات الدولة مثلما أيضا أسهم في زيادة مصروفاتها وبالتالي اضطرت الدولة الى الاقتراض لسد العجز لكي تستمر بنفس وتيرة الصرف ومطمئنة من إمكانية السداد بسبب ارتفاع أسعار النفط ولكن حصل العكس وهبطت أسعار النفط إلى اكثر من النصف، ومن هنا يأتي التفاؤل.
فالبحرين تحديداً تمتلك من الإمكانيات والمقومات ما يؤهلها لأن تكون من الاقتصاديات الناجحة والقوية سواء على مستوى القوى البشرية/ العقلية او موقعها او حتى البنية التحتية من تشريعات وغيرها.
البحرين بحاجة إلى تفعيل وتطوير هذه الإمكانيات والمقومات من خلال برنامج وخطة اقتصادية متكاملة يشترك فيها القطاع الخاص مع الدولة تشمل تطوير وتحديث القطاعات الموجودة وجعلها اكثر إنتاجية وكفاءة وفي نفس الوقت خلق قطاعات جديدة تمتلك البحرين القدرة التنافسية فيها عن طريق القيمة المُضافة وليس عن طريق توفيرها بأسعار أرخص.
والانتقال من الاقتصاد الأرخص كقدرة تنافسية لجلب الاستثمارات والقوى العاملة إلى اقتصاد ينافس على القيمة التي يضيفها عملية ليست بسيطة وتتطلب خطة شاملة ودقيقة لكل قطاع وجهد جبار في التنفيذ ومتابعة مستمرة للتنفيذ والتصحيح متى تطلب ذلك.
بالمقابل لا بد من اشراك المواطنين والمقيمين في هذه الخطة فهم من سيضمن نجاحها وستكون لهم مساهمة إيجابية كبيرة فيها او سيتعاملون معها بسلبية ستكون سببا في فشل الخطة الانتقالية ان لم يفهموا ويدركوا انهم المستفيد الاول من نجاحها او المتضرر من فشلها.
وعلى القطاع الخاص واصحاب المال ان ينهضوا بدورهم الوطني وتكون لهم مساهمات وتركيز اكبر على تنشيط الاقتصاد المحلي وتطويره لا عن طريق المطالبة بامتيازات وتسهيلات إنما عن طريق المبادرة واضافة قيمة للاقتصاد، فمساهمة التاجر المحلي المستفيد من تسهيلات كبيرة تكون محدودة مقابل مساهمة التاجر الذي ينجح في خلق قطاع او مشروع اقتصادي ذي قيمة تعود على الاقتصاد الكلي للدولة بخير اكبر.
ولكي لا يساء فهمنا فنحن لا نطالب بعدم إعطاء اي قطاع تسهيلات معينة لتشجيع الاستثمار فيه، إنما نطالب بأن تكون التسهيلات التي توفرها الدولة هي التشريعات المناسبة والبنية التحتية التي تساعدهم على النجاح وتذلل من التحديات. إنما المشروع الذي يعتمد على التسهيلات والامتيازات المادية لن يكون مردوده إيجابيا على الاقتصاد على المدى المتوسط والبعيد بسبب اعتماده على التسهيلات وبذلك لن تكون لديه القدرة التنافسية في الاسواق الاخرى. بعكس المشاريع التي تعتمد على القيمة المُضافة فهي عادة تكون اكثر تنافسية ومردودها الاقتصادي على الدولة اكبر بكثير.
ومن هذا المدخل يتحسن مستوى معيشة المواطن/الفرد، فعندما تخلق قطاعات جديدة مبنية على الإنتاجية والتنافسية سيكون المردود المالي اكبر وسيكون الراتب أفضل وستزيد فرص العمل المجزية. إنما ان كان القطاع التجاري او الصناعي او الخدمي يعتمد على محدودية السوق ويبحث عن الربح عن طريق تقليل التكلفة حتى لو كانت على حساب القيمة فلن ينمو الاقتصاد ولن يتحسن مستوى دخل المواطن بالشكل المطلوب وستتقلص فرص العمل بالقطاع الخاص وبالتالي سيزيد الضغط على القطاع العام لاستيعابهم بعكس حاجته مما يسهم بزيادة المصروفات المتكررة للدولة بشكل يفوق امكانياتها ويختل بذلك الميزان الاقتصادي للدولة ويزداد العجز وبقية القصة معروفة، فليست اليونان ببعيدة.
ولا بد للخطة الاقتصادية من محاور رئيسية لتكون أعمدة الارتكاز لها وهي:
جهاز حكومي يعتمد على الكفاءة وقادر على استقطاب أفضل العقول ويبتعد عن التضخم الوظيفي والإداري على حساب الإنتاجية.
بنية تحتية متكاملة على اعلى المستويات تعزز من القدرة التنافسية ولا تحد منها (كما هو حاصل الان للأسف) بما في ذلك وضع التشريعات المناسبة وتحديثها بما يتماشى مع الخطة الاقتصادية وكذلك دعم وتطوير شركة الطيران المحلية لتكون اداة لوجستية لتفعيل الخطة الاقتصادية ورافدا غير مباشر للاقتصاد (ولهذا حديث اخر لا يتسع المجال هنا لذكره).
دور اكبر وإيجابي للقطاع الخاص، تسهم الدولة بنجاحه عن طريق وضع البنية التحتية والتشريعات ومن ثم فسح المجال للقطاع الخاص لكي يعمل ويبدع وينمو.
ولا يمكن للخطة الاقتصادية ان تنجح مهما كانت ذكية وعظيمة الا اذا تزامنت مع حملة إعلامية تثقيفية تسهم بجعل المواطن عنصرا فعالا في نجاح التحول الاقتصادي.
وكذلك التأهيل والارتقاء بأداء المسؤولين عن تنفيذ آلية ومراحل الخطة الاقتصادية، سواء كانوا مسؤولين عن القطاع الاقتصادي بشكل مباشر او غير مباشر. فالموظف المسؤول عن إصدار التراخيص التجارية عليه ان يكون عنصرا إيجابيا وفعالا في نجاح أهداف الخطة وكذلك وبنفس الأهمية يكون دور موظف الجوازات في مطار البحرين او سائق الأجرة وغيرهم فالكل يعمل كفريق واحد من اجل ذات الهدف. فإن نجحت الحملة الإعلامية في إيصال الرسالة ان المستفيد هو الوطن والمواطن وإن لمس المواطن ان مساهمته في إنجاح الخطة الاقتصادية تعود عليه ماديا، فوقتها ستكون فرص النجاح واقعية.
وهناك أمور اخرى لا تقل أهمية يجب الحديث عنها سواء كانت اقتصادية او اجتماعية او سياسية او أمنية (على رأسها إنهاء تأثير الثيوقراطيين) ولكن لا مجال لذكرها هنا وللحديث بقية، ان شاء الله.

التعليقات