كتاب 11

02:37 مساءً EET

أسس بنكًا أو ضع عقلك في الدرج

حسنا فعل الدكتور أحمد العيسى وزير التعليم السعودي، بعرض رؤيته العامة لاتجاهات الإصلاح في النظام التعليمي، وأبرز الصعوبات التي تواجه مهمته (الحياة 20 – 3 – 2016). هذه مسألة يعتبرها السعوديون أهم قضاياهم على الإطلاق.
دارت معظم النقاشات المحلية في السنوات الأخيرة حول المحتوى العلمي للمناهج، وكفاءتها في الاستجابة لحاجات سوق العمل. وتهمني هنا الإشارة إلى جانب آخر، هو فلسفة العمل داخل النظام التعليمي نفسه وانعكاسه على نظيره في السوق.
خلال الثلاثين عاما الماضية زاد عدد السعوديين، الذين تخرجوا في جامعات غربية أو درسوا تخصصات علمية بحتة داخل المملكة عن نصف مليون. لكن ما زلنا نستعين بخبراء وشركات استشارية أجنبية ومقاولين أجانب، في تنفيذ معظم المشروعات الكبرى.
هذا لا يدل على أن طلابنا غير مؤهلين، بل يؤكد أن «بيئة العمل» سلبية في التعامل معهم. نجاح الاستشاري والمقاول الأجنبي لا يرجع لكفاءة موظفيه، بل كفاءة منظومة العمل. تعرفت في السنوات الأخيرة إلى عشرات من الشبان السعوديين، كانوا مغمورين في وظائف ثانوية في القطاع الحكومي أو في شركات محلية، فلما انتقلوا إلى شركات أجنبية، أصبحوا «بيضة القبان».

ظهرت كفاءاتهم وقدراتهم، وباتوا العصب الرئيسي لهذه الشركات.
لطالما سألت – مازحا – أصدقائي العاملين في البنوك: متى ستملك بنكك الخاص؟ هؤلاء الشبان يديرون أعمال البنك أعلاها وأدناها، فلماذا نشعر بالحاجة إلى «مشرف» أميركي أو بريطاني أو هولندي أو فرنسي؟ هذا الكلام بعينه ينطبق على معظم مقاولي «أرامكو» مثلا. فالمهندس السعودي يشارك في وضع المخططات ويدير تنفيذها. فمتى سنثق بقدرته على تسلم العمل كاملا؟
في «بيئة العمل السلبية» يقتصر دور الموظف على اتباع قائمة تعليمات وضعها آخرون. هذا يساوي غالبا أن يضع عقله في الدرج حتى نهاية الدوام.
أول الطريق لتصحيح بيئة العمل، هو تطبيق مفهوم «الشورى»، أي النظر لمجموعة العمل كفريق مسؤول عن منظومة، يتشارك في النقاش حول أهدافها ووسائلها وحقوق أعضائها وواجباتهم ومعايير النقد والمحاسبة على تلك الأعمال.
– هل للمدرسة أو الجامعة دور في هذا؟
أشار الوزير العيسى في مقاله إلى «التلقين» كمحور لعلاقة المدرسة بالطالب. وهذا في ظني جوهر مشكلة التعليم في العالم العربي ككل. يقوم التلقين على فرضية أن الطالب عنصر سلبي منفعل، كأس فارغ يملأه الكبار.
نحن نحتاج إلى تعزيز الروح الجمعية في الجيل الجديد، لكننا نواجه حقيقة مزعجة، فحواها أن قيمة الفرد غفل في ثقافتنا العامة، نعتبر الشاب مجرد «برغي» في ماكينة المجتمع، يزرعه ويديره آخرون، ويبقى فعله ودوره مشروطا بإرادة الآخرين. هذا الفهم الأعوج سائد في علاقة المعلم بالطالب، وفي علاقة المعلمين بالإدارة، وعلاقة المدرسة بمدير التعليم والوكيل والوزير. إنها سلسلة كاملة قائمة على علاقة سلبية من الأدنى للأعلى.
حين ينتقل الطالب إلى العمل، فسوف يطبق ما تربى عليه، ما ألفه وعرفه. بعبارة أخرى، فإن بيئة العمل السلبية هي نتاج لفلسفة سلبية بدأت في المجتمع والمدرسة.
زبدة القول: إن للتعليم العام دورا مؤثرا في تصحيح بيئة العمل، بما يؤدي إلى تمكين الشباب من الإمساك بمفاصل الاقتصاد الوطني ونظام الخدمات العامة. لكن هذا مشروط بتصحيح بيئة التعليم والعمل في المدرسة، وفي وزارة التعليم نفسها. لا يمكن للوزارة أن تعالج مرضا في المجتمع، ما لم تبدأ باكتشافه وعلاجه في جسدها الخاص. إذا أصبحت بيئة العمل في المدرسة إيجابية تفاعلية، فسنرى انعكاسها في السوق، والعكس بالعكس.

التعليقات