كتاب 11

03:13 مساءً EET

صاحبة السعادة

في حضرتها خشوع يلامس قلبك، لا تدركه أحياناً وتشعر بعظيم فقده إن غاب، في انحنائك أمامها تكريم لك، وفي السجود على بلاطها ملامسة الجنة، صوتها المتهدج بالدعاء يوصل اسمك للسماء، هي فقط، ولا أحد سواها من يضع سعادتك فوق سعادته، ويهجر احتياجاته الإنسانية الطبيعية لتحقق طموحاتك، منحتك الحياة بمغامرة واجهت بها الموت، لتحتل باستحقاق وبغير منازع، لقب البطولة الأولى، موقع الفارس ومقام صاحبة السعادة.
أمك ثم أمك ثم أمك، صاحبة الابتسامة الأولى التي خطت في ذاكرتك معنى السعادة، ومرشدك الأول لاكتشاف طريق الفرح، من جففت دموعك عند الألم والحزن، وقصت لك القصص لتنسى حزنك، من طمأنك عند القلق وفي ليالي المصاعب استبدل اضطرابك براحة وسكينة، من حجز لك مواعيد مع البهجة نسقها بعناية، وقدمك لها أملاً بارتباط أبدي، وصلّى لأن تكون البهجة رفيقك للأبد، أمك ملكة عمرك وشمسها الدافئة.
جديرة هي صاحبة مملكة المحبة ببعض انعكاس لفرحك على حياتها، تستحق الأم التي حملت وعانت وتعبت ولا تزال تجد بلا كلل أو تذمر بين البيت والعمل، بين مهام الوظيفة وواجبات المنزل، واحتياجات الأبناء، وحقوق الزوج، تستحق منا التفاتة لإسعادها، لمنحها قليلاً مما منحتنا، تستحق راحة قصيرة، إجازة بسيطة تبحث فيها مع نفسها ما تبدد من راحة وتستعيد لروحها قليلاً مما أذهبه نصب الحياة.
ضرورة، وواجب، وفضل أن تكلل اعترافك بأهمية وجودها في حياتك، وبهاء صنيعها في صياغة سعادتك، بمنحها فرصة قصيرة لإعادة الشحن، بتكريمها بشيء يفوق الهدية ثمناً، بتخفيف أعباء أثقلت كاهلها، بتبديد شجون راكمها ضغط ومسؤولية متزايدة، تجدها بانتظارها كيفما حلت ورحلت، بترجمة العبارات إلى أفعال، شكراً يا أمي، دمتِ لنا يا ملكة هذا المنزل، حفظك الله يا صاحبة السعادة، كلمات جميلة تبقى جوفاء ما دامت الهموم والأعباء تسبح في سماء حياتها كغيوم كثيفة، وما دامت المسؤوليات تلاحق سكينتها وتحاصر ابتسامتها.
في بلاط صاحبة السعادة، لا يكفي أن تنحني إجلالاً واحتراماً بل عليك أن تدلل على محبتك بأن تكون مرآة لسعادتها، عليك أن تعكس دفء ضيائها الذي ترعرعت عليه نفسك، أن تمنح من كانت صاحبة الفضل الأول في جلّ سعادتك، بما قدمت من عمل أو دعاء، بعضاً مما أفاضت عليك فيه.

التعليقات