كتاب 11

12:10 مساءً EET

انتخابات رئاسية قبل 2017

الانطباع السائد في لبنان أن كل الاستحقاقات في المنطقة رحلت إلى ما بعد الانتخابات الأميركية، ومن بينها الأزمة السورية والاستحقاق الرئاسي اللبناني، الذي ما زال يدور في حلقة الفراغ منذ سنتين تقريبا، ولا مؤشرات إلى حلحلة على هذا المستوى؛ لأن العماد ميشال عون ليس في وارد الانسحاب من السباق الرئاسي، و«حزب الله» يتمسك بدعمه من دون أن يمارس أي ضغط أو مونة على حلفائه لانتخابه، كما لا يتراجع بالمقابل عن هذا الدعم تجنبا لخسارة تحالفه معه، والرئيس سعد الحريري لا يبدو لغاية اللحظة في وارد التخلي عن تأييد النائب سليمان فرنجية لدعم ترشيح عون.
وقد تكيفت القوى السياسية مع واقع الفراغ الرئاسي في ظل شعورها بأن تحريك هذا الملف، يتطلب ضغطا دوليا على طهران لتضغط بدورها على «حزب الله»؛ الأمر غير القائم بفعل أن أولوية المجتمع الدولي بالنسبة إلى لبنان تتحدد في ثلاث أولويات: توفير الاستقرار السياسي من خلال استمرار الحكومة، وتوفير الاستقرار الأمني من خلال دعم الجيش اللبناني، وتوفير الاستقرار المالي من خلال دعم الاقتصاد اللبناني، فيما لم يمارس المجتمع الدولي أي ضغط فعلي لانتخاب رئيس جديد.
وعلى الرغم من الدعوات المتكررة لإنهاء الفراغ، لكن القسم الأكبر من الطبقة السياسية اللبنانية تأقلم مع “الستاتيكو” المستجد الذي يرسي استقرارا ويشكل لها ذريعة لتجميد الوضع السياسي من دون انتخابات وتداول سلطة، بانتظار انتخاب رئيس جديد على قاعدة أن الأولوية للانتخابات الرئاسية، ولكن العقوبات الأميركية على «حزب الله»، والتي لم تنجح كل المحاولات للالتفاف عليها، تتجه إلى كسر هذا “الستاتيكو” ودفع الحزب إلى إنهاء الفراغ قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية.
فالحزب الذي يدرك أساسا أن تلك العقوبات ستؤدي إلى تضييق الخناق عليه كثيرا، وقد بدأ فعلا يتحسس حجم انعكاساتها ووطأتها، يخشى من أن ترفع الإدارة الأميركية الجديدة من منسوب التشدد حياله، وبالتالي سيجد نفسه في الأشهر المقبلة مضطرا إلى اتخاذ الخطوات التي توفر له الحماية الداخلية، من خلال استظلال شبكة أمان لبنانية على غرار شبكة الأمان، التي تكفل الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط بتوفيرها له في العام 2005، من خلال الزيارات التي قاما بها إلى عواصم القرار لدعوتها إلى تعليق تنفيذ البند الثاني من القرار 1559 المتصل بحل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها، ووضع هذه المسألة بعهدة الحوار بين اللبنانيين.
ويبدو أن «حزب الله» سيتجه إلى شيء من هذا القبيل، من أجل التخفيف من حدة العقوبات أو تعليقها عن طريق:
أولا: تسريع الانتخابات الرئاسية؛ حيث إن الظروف القاهرة ستدفعه إلى الاعتذار من العماد ميشال عون، ودعوته إلى تفهم حاجته إلى إعادة الاعتبار للشرعية اللبنانية وتدعيمها وتعزيزها، عن طريق انتخاب شخصية توافقية.
ثانيا: تأليف حكومة جديدة برئاسة سعد الحريري، توفر له المظلة الداخلية عبر الشخصية السنية الأكثر تمثيلا في بيئتها، وترتبط بعلاقات ثقة عربية ودولية.
ثالثا: إجراء انتخابات نيابية تجدد الشرعية الشعبية للسلطة التشريعية، خصوصا أن الحزب لم يعد يخشى من تبدل ميزان القوى الداخلي، في ظل تموضع النائب جنبلاط الوسطي ورغبة الرئيس الحريري في التطبيع مع الوضع القائم.
رابعا: تقوم السلطة المنتخبة الرئاسية والنيابية والحكومية بالطلب من الولايات المتحدة تعليق عقوباتها ضد الحزب، وترك مهمة دوره على عاتق الشرعية الجديدة، بحجة أن خلاف ذلك ستكون تداعياته خطيرة على الاستقرار اللبناني برمته، باعتبار أن انهيار الاستقرار الاقتصاد سيؤدي إلى انهيار الاستقرارين السياسي والأمني.
ومن هنا السؤال الذي يطرح نفسه: هل وصل «حزب الله» إلى قناعة بأن المخرج الوحيد من التضييق عليه، إعادة إنتاج السلطة في لبنان؟ وهل ستشهد الأشهر المقبلة خروجا من دائرة الفراغ؟ وهل في هذا الإطار يمكن وضع حركة البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي قيل إنه التقى السيد حسن نصر الله سرا، وأنه سلم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في زيارته للبنان مذكرة لدفع الاستحقاق الرئاسي قدما، وأنه عاد والتقاه في باريس لمتابعة الموضوع عينه؟ وهل الرئيس الحريري في وارد تكرار مساعيه لفك الحصار عن الحزب على غرار مساعيه في القرار 1559؟ وهل قررت الولايات المتحدة الذهاب إلى النهاية في خطواتها ضد «حزب الله»؟
لا شك أن الأشهر المقبلة حبلة بالتطورات السياسية، وقد جاء موقف «حزب الله» الشديد اللهجة حيال المصارف اللبنانية من العقوبات الأميركية، ليؤشر إلى دخول لبنان في مرحلة جديدة قد تشهد كثيرًا من خلط الأوراق.

التعليقات