كتاب 11

11:31 صباحًا EET

الطريق إلى «2030»

«رؤية السعودية 2030» تثير كثيرا من الأسئلة، التي يشكل النقاش فيها مدخلا لوعي جديد بالشأن العام ومساراته وتحدياته. وهو أمر في صلب اهتمامات الرؤية، التي دعت إلى مشاركة الجمهور في برنامج التحول. بديهي أن المشاركة الشعبية ضرورية جدا لإنجاح أي مخطط على المستوى الوطني.
توسيع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد هو محور الرؤية، وهو طريقها للتحرر من الارتهان المطلق لعائدات البترول. وقد أشارت تحديدا إلى التوسع في الصناعة والسياحة الدينية، وفهمنا من هاتين النقطتين أن خطة التحول تريد البناء على أرضية متوفرة فعلا بمضاعفة عائدها الاقتصادي.
فلنفترض إذن أن هذين الهدفين يشكلان جوهر التحول الاقتصادي المراد. دعنا الآن نتخيل أننا وصلنا إلى عام 2030، وهو السنة المستهدفة لبلوغ برنامج التحول غايته. فما الذي ينبغي أن نراه، بناء على الاستهداف المذكور؟ المفترض أن تشكل الصناعة والسياحة الدينية نحو 30 في المائة من الحجم الإجمالي للاقتصاد، من حيث مساهمتها في الدخل القومي وتوفير الوظائف وإيرادات الميزانية المباشرة أو غير المباشرة.
لعل أبسط وسيلة لمعرفة الطريق الذي سيوصلنا إلى هذه النتيجة، هو قراءة التجارب السابقة في بلدان أخرى. أمامنا ثلاث تجارب متزامنة تقريبا، بدأت جميعا نحو عام 1980، وهي البرازيل والصين وماليزيا. ركزت الصين وماليزيا على الصناعات التصديرية، أما البرازيل فاهتمت بالتوزيع الجغرافي المتعادل للنمو، واستئصال الفقر، سيما في الأرياف.
قبل النهوض الاقتصادي عانت البلدان الثلاثة عللا متشابهة، أبرزها انتشار الفساد وسلبية المجتمع. نفذت البلدان الثلاثة علاجا واحدا لكل من العلتين: التطبيق الحاسم للخطط والمبالغة في تأكيد سيادة القانون والمساواة، والتركيز على المشاركة الفاعلة للجمهور في النهضة الاقتصادية، مستفيدا من ثمارها ومتحملا أعباءها.
سبيلنا إلى «2030» يمر بالضرورة عبر هذا الطريق. لقد اعتاد المجتمع – والدولة أيضا – على أن تكون الحكومة هي صاحب القرار والمهندس والممول ومقاول البناء. وقد اعتدنا على أن رأي فلان وعلان هو القول الحاسم في كل أمر.
مشاركة المجتمع تعني – على أقل التقادير – مشاركة قطاع الأعمال في صنع السياسات الاقتصادية. وتعني أيضا تعديل القوانين واللوائح المنظمة للاستثمار الصغير والكبير باتجاه تسهيلها، وتوجيه قنوات التمويل إليها، أي – بصورة محددة – إلزام القطاع المصرفي بتمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، سيما تلك التي تساهم في تحقيق الغايتين المذكورتين (الصناعة والسياحة الدينية).
يجب أن تكتفي الحكومة بدور المخطط والمهندس بقدر ما تستطيع، وتحيل باقي المهمات للمجتمع، وتقف وراءه مساندة وراعية. وهذا يقودنا إلى المسار الثاني، أي احترام الخطط والسياسات وترسيخ سيادة القانون. أهمية هذه النقطة تكمن في أن جميع خطط التنمية التسع التي أعلنت منذ عام 1971 استهدفت توسيع مصادر الإنتاج والدخل، لكن هذه الأهداف لم تتحقق. ربما لأن بعض الأشخاص كانت لهم آراء مختلفة عما في الخطة، أو لعل التنفيذ كان رهنا بتعديل قوانين أو لوائح معينة. أيا كانت العوامل المعيقة، فقد حان الوقت كي نفعل على وجه الدقة ما خططنا له وما قررنا تنفيذه، حتى يصل إلى غايته.
ليس من المناسب أن نعود إلى الموضوع بعد عام أو عامين، لنجد أن التحول المنشود لم ينطلق؛ لأن وزيرا ما لديه رؤية مختلفة، أو لأن قانونا أو لائحة ما لا تسهل انطلاقه. لو حدث هذا فسيكون مؤلما ومحبطا، ولا أظن أحدا في بلادنا يريد هذا.

التعليقات