كتاب 11

02:56 مساءً EET

قضية السيدة المصرية

كتبت شابة مصرية غاضبة تحت وسم #مصر_اتعرّت معترضة على الهاشتاغ الذي انتشر واسعا الأيام الماضية: «مافيش حاجة اسمها سيدة قبطية اعتدوا عليها. اسمها سيدة مصرية». وسريعا أتى الرد عليها من مشاركة أخرى: «بس دي حصلها كدا عشان مسيحية مش مصرية».
لم يحاول هذا الجدل سوى استكمال ما بدأه تيار بات طاغيا في الإعلام المحلي، يعتمد التهوين من الاهتزازة الجديدة التي أصابت مصر، دون أن يقاربها على نحو مهني وجدي. والحادثة ليست عابرة أبدا، فقد اعتدى عشرات الأشخاص على سيدة قبطية مسنة على خلفية علاقة عاطفية بين ابنها وشابة مسلمة، فطارد الحشد الغاضب السيدة التي تبلغ السبعين من العمر ولا حول لها ولا قوة، فجردوها من ملابسها وأهانوها في الطريق. فأي قول بعد هذا.
وحادثة الاعتداء على نساء وفتيات تتكرر بين فينة وأخرى، لكن حادثة الهجوم الجبان على هذهالسيدة، وبعيدا عن مجازات الهاشتاغ الشعبوية التي تحصر ما حدث بعورة وجسد، فإن الحقيقة الموجعة تقتضي مواجهة أن ما جرى للسيدة قد مسّ وترا شديد الحساسية، نظرا لبعده الإنساني والطائفي معا. لكن الجهد الإعلامي والسياسي انصب على محاولة تزوير سياق الحادثة، ونفي التراكمات المزمنة التي أوصلت إلى هذا الحال، وركزت على محاولة تفسير ما حدث بكلام تبسيطي من نوع أن الأمر مجرد إشكال عائلي أو فردي. استكملت المقاربة الممجوجة بعراضات جمعت شيوخًا وقساوسة على نحو يستكمل سياسة الإنكار نفسها، التي تكرس عقمها وعجزها عن الإحاطة بهذه الانتهاكات الحاصلة.
القضية تفاعلت وأعادت للأذهان حوادث عدة مشابهة من نوع الاعتداء على صحافية وتعريتها قبل أعوام، ثم حادثة سحل وتجريد ناشطة من ملابسها في ميدان التحرير وانتهاكات أخرى.
حادثة السيدة القبطية ليست تفصيلا معزولا، خصوصا مع استمرار النهج الإعلامي بمقاربة مثل هذه القضايا بأسلوب ممجوج يجافي الحقيقة، ويزيف حقيقة الاعتوارات العميقة التي تعصف بالمجتمع. هناك نخب إعلامية تهرب من مواجهة الحقائق التي لم تعد خافية على أحد.
ليس المطلوب احتواء إعلاميا وسياسيا لقضية السيدة القبطية وتفاعلاتها، فذاك حل موضعي قاصر، ما لم يصبح الهاجس هو حقوق المواطنين جميعا.
وهنا يعيد البعض مثل تلك الاعتوارات إلى ثقافة المجتمع ورفض الآخر، لكن هذه العقلية يمكن لمسها لدى مجتمعات اليمين حتى في أكثر الدول تقدما، فالمعيار الحقيقي هو وجود مؤسسات وإرادة لا تغذي الأفكار الشعبوية بل تواجهها وتحمي المواطنين، وتعاقب كل من يحض على الكراهية والتمييز فيها.
هناك بعض وسائل الإعلام التي تعلي الصوت مجددا، ولكن باتجاه الفوضى والتعمية، وليس نحو المواجهة الجدية والمحاسبة. إذا لم يحاسب معتدو الجرائم السابقة، فلم نعتقد أن الأمر لن يتكرر؟!

التعليقات