آراء حرة

10:48 صباحًا EET

د.نيفين ساويرس تكتب: سيدة الكرم

لطالما شعرت بالمرارة من قصص العنف التي تمارس ضد النساء في مجتمعاتنا العربية بصورة شبه يومية ، جعلت منها ظاهرة تعكس طبيعة الحياه القاسية التي تحياها ، و كثيرًا ما لمت المرأة على خضوعها و رضوخها لمجتمع لا يرحم و يلقي عليها باللوم ظالمة أو مظلومة ، ضحية أو جانية ،يلعب دور القاضي و الجلاد على ذلك الكائن المستضعف الذي خلق معيناً نظيرًا للرجل و ليس تابعًا ذليلًاً ، هي المظلومة في عصور الجاهلية القديمة ، و الجاهليةالحديثة ، هي التي يتغزلون بجمالها و يتعمدون إذلالها و إخضاعها باللفظ و الفعل ، الكثير لا ينظر إليها على إنها إنسان مخلوق  له حقوق بشرية تتساوى و الرجل بل ينظرون إليها على إنها (كائن المرأة) و تستحضرني في هذا عبارة سيمون دي بوفوار “الرجل يعرف على أنه إنسان ، و المرأة على انها أنثى ، و حينما تتصرف المرأة كإنسان يقال لها أنها تقلد الرجل !”، نعم فنحن غير مسموح لنا أن نمارس إنسانيتنا كي لا نتشبه بالرجال ، فجميع الخطايا و الأخطاء التي يتفاخر بها الرجال هي  كل العار على المرأة ،حتى الحب الذي هو فطرة خلق الجميع عليها خضع للعبة التحريم على المرأة فقط ، و أستطيع أن أجزم أن غالبية النساء في أوطاننا مروا بفترات لعنوا فيها إنتمائهم لذلك الجنس المحرم المدعو كائن المرأة و تمنوا لو خلقوا ذكورًا، فصوتك سيدتي هو عورة و جسدك هو عورة ، و مشاعرك هي الخطيئة بعينها.

و لست هنا بصدد الدفاع عن قضايا المرأة ، و لا للحديث عن معاناتها ، و لكني أصف جزءًا من مرارتي التي تحولت لقهر ربما لم أشعر به منذ فترة طويلة ، بعد حادثة سيدة قرية الكرم ، السيدة الفاضلة التي تعرت فكشفت عورات مجتمعنا و جهله ، كشفت عورات أفكارنا و قبح نوايانا ، كشفت أمراض عقليات توقفت عند زمان الجاهلية السحيقة ، تعرت فكشفت ضعفنا و قلة حيلتنا ، كشفت تحول الكثيرين لأشباه بشر يفتقدون أيًا من معاني الإنسانية ، كشفت تغير مخيف في الشخصية المصرية ، التي كانت توصف بالشهامة و النخوة دون شعوب الأرض ، فلطالما ما تباهيت و مشيت الخيلاء فخرًا  في بلاد العم سام بأنني مصرية و أن المصريين نسل الفراعنه لا مثيل لنخوتهم و شهامتهم ، و لم أكن أرى بين جنسيات العالم جميعها مماثلًا لشهامة و كرامة و نخوة المصري ،فأين ذهبت الشخصية المصرية ؟ و ما هذا التحول المخيف ؟ كيف لرجال ينتمون لصعيد مصر الذي يوصف بالشرف و النخوة يعرون إمرأة مسنة كي يلحقوا بها العار ، يعرونها و يهزأون بها دون أن يوقفهم عاقل أو يثنيهم حكيم بينهم ، دون أن يصرخ بينهم شيخ (عيب يا رجالة ) ،دون أن يحاول احدهم أن يغطيها و يستر ما تبقى من نخوة من يحسبون عددًا على الرجال .

لن أصنف السيدة سعاد ثابت كمسيحية ، على الرغم من أن الفعل طائفي بإمتياز ، ملؤه مشاعر الكراهية الشديدة تجاه من يطلقون عليهم و يصنفونهم بالنصارى العضمة الزرقا، لن أتحدث عن تراخي الأمن و المحافظ و حضرة العمدة ، و لكني سأتحدث عن إمراة مصرية أنتهك عرضها ، و أستبيح جسدها ، و أمتهنت كرامتها بلا شفقة و لا رحمة.إمرأة لم ترتكب جرما و لا إثما تستحق به أن تنتهك حرمة جسدها ، إمرأة قالت أنها كانت تتمنى لو قتلوها عن أن يكشفوا سترها ، لن أتطرق في الحديث عن الأسباب التي دفعت بهؤلاء لإرتكاب مثل هذا الجرم فلا يوجد سبب على وجه الكرة الارضية يدفع إلى مثل ذلك الفعل المشين .و لكني أمام جريمة بشعة تؤرخ لإلحاق العار بالنخوة المصرية بل و ربما وأدها و الترحم عليها .

و مع إمتناني الشديد للسيد الرئيس الذي أمر بتطبيق القانون على مرتكبي هذا الجرم ، إلا أنني أطمع في عدالة ناجزة يقدم فيها هؤلاء للمحاكمة العاجلة ، و يعزل المقصرون من مناصبهم و الأهم من هذا و ذاك القضاء على الجهل الذي صار آفة الكثيرين ، و لا أقصد بالجهل الأميين فقط  بل المتعلمين ايضًا الذي سيطر شبح الجهل و الافكار المتطرفة على عقولهم ، فباتوا قنابل موقوتة تستعد للإنفجار في أي لحظة ، التنوير و التنوير ثم التنوير هو ما نرجوه و نأمله ، كي لا تتكرر حادثة السيدة سعاد ثابت مرة و مرات أخرى .

لقد صارمشهد العناق بين القساوسة و الشيوخ مشهدًا هزليًا بجدارة يدرك كل من يراه أنه جزء من مسرحية كوميدية ، فما في القلب يبقى في القلب ،فالمؤتمرات و الحوارات و أحاديث الطبطبة لمن تعد تجدي نفعًا أمام ذلك التيار العنيف الذي يطيح بالهوية المصرية و ينال من وحدة دماء المصريين الواحدة التي امتزجت دفاعًا عن الأرض ، شربت الأرض دمائهم الزكية دون أن تسألهم  عن الديانة ، جميعنا مصريون هويتنا مصرية و جيناتنا الموغلة في القدم مصرية جدا . فلننتفض لنعيد للشخصية المصرية سماتها التي بدأت في الإندثار مع تيارات التطرف أو التحضر المزيف .

و للسيدة سعاد ثابت أوجه كلمتي إرفعي رأسك يا سيدتي الكريمة فمن أرادوا أن يلحقوا بك العار لحق بهم العار و اللعنه الى يوم الدين .

التعليقات