كتاب 11

03:21 مساءً EET

حبّة فوق وحبّة تحت!

قبل نحو 40 عامًا كان الشارع يردد أغنية لأحمد عدوية «حبة فوق وحبة تحت/ ياناس ياللي فوق/ ما تبصوا ع اللي تحت»، في ذلك الزمن كان هناك تحليل سياسي للأغنية لم يدر بخلد المطرب ولا المؤلف ولا الملحن، وهو أنها تنتقد الانفتاح الاقتصادي، الذي نادى به الرئيس أنور السادات، وكان الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين قد وصفه متهكمًا بانفتاح «السداح مداح»، بينما كان النقاد على الجانب الآخر يعتبرون هذه الأغنية عنوانًا صارخًا للفساد والتردي!
كانت وستظل زاوية الرؤية التي نُطل منها على الحدث، تلعب دورًا سلبيًا في حيادية التقييم، ولا أستطيع أن أنحي جانبًا المصالح التي أحيانًا تتصالح مع موقف أو عمل فني، لأنه من صالحهم الدفاع عنه.
شاهدت نجمة كبيرة تشارك في برنامج المقالب «هاني في الأدغال»، وعندما سألوها عن رأيها، أجابت: «هاني رمزي دمه خفيف ومهذب»، بينما اعتبرت أن الفساد والرعب يكمنان في «رامز بيلعب بالنار»، رغم أنك لو نحّيت جانبًا سخافة البرنامجين، وتعاملت معهما على أرض الواقع، لقلت إن الضيف مُهدّد في برنامج رامز بالحرق، ولكنه وبنسبة كبيرة يستطيع مواصلة الحياة، بينما عندما يلتهمه الأسد فلن يتبقى منه سوى قليل من العظم، فلماذا ندافع عن نوع من الإسفاف، ونهاجم النوع الآخر؟!
دائمًا ستكتشف أن هناك زاوية أخرى تتحكم في الرأي بعيدة تمامًا عن حقيقته وحياديته، والحكاية غالبًا «فيها إن»، مثلاً كان المخرج الكبير هو وزوجته الفنانة القديرة يهاجمان بضراوة المسلسلات الدرامية التي بها بلطجة وعنف وقتل، ويؤكدان أن للشاشة الصغيرة حرمتها وعليها دور اجتماعي وتربوي ينبغي أن تقوم به، وكثيرًا ما كانا يقولان معًا: «الحقينا يا رقابة.. الغوث الغوث يا حكومة»، ولكن بعد أن اشتركت النجمة الكبيرة في مسلسل يعده النقاد ومنظمات حقوق المرأة وحماية الأطفال مروجًا للفساد والتردي، تغيرت النظرة 180 درجة، قالت النجمة الكبيرة إنها سعيدة بالعمل مع النجم الشاب الذي صار هو لأكثر تحقيقًا لكثافة المشاهدة، وأضافت: «الحلقة الأخيرة سوف تجدون فيها العظة والحكمة، انتظرونا ولا تتسرعوا في الحكم على المسلسل الذي ينضح بالدعوة لمكارم الأخلاق والموعظة الحسنة»، وانتظرنا فوجدنا عشرات من جرائم القتل والاغتيال وكثافة من الدماء تغلف الشاشة باللون الأحمر، بينما زوجها المخرج الكبير عندما سألوه عن الأفضل في رمضان، قال إنه أفضل مسلسل، ومخرجه هو الأول، وعندما سألوه عن الممثلة أجابهم بلا تردد أنها زوجته وبلا منازع بل وبلا منافس الأفضل.
قرأت قبل أيام تصريحًا لمؤلف كبير لم يعد مطلوبًا في سوق الدراما حاليًا يؤكد فيه كالعادة على التردي الأخلاقي للدراما، ويستحث في الوقت نفسه الدولة على الدخول في الإنتاج لتغيير الدفة، من أجل الجمهور حفاظًا على أمنه وسلامته.
هناك دائمًا عامل مؤثر لا يمكن إغفاله، وهو أن الفنان داخل الملعب جزء من المعادلة، حتى لو وقف بين الحين والآخر على الخط، إلا أن حُلم العودة مجددًا لا يغادره، ولهذا يظل يبحث ربما لا شعوريًا عن سر الغياب، ويجد أن هناك بصيص أمل لو تغيرت شروط اللعبة، ولهذا كنت ولا أزال عندما أقرأ رأيًا لفنان عن عمل فني أو فنان سلبًا أو إيجابًا، أتوجس خيفة وأتساءل: هل هذه قناعاته أم أنه يحركه دوافع أخرى، وكثيرًا ما أجد أنها الدوافع الأخرى، وهكذا تتغير الآراء بمعدل أكبر حتى من أغنية عدوية، لتصبح في لحظات «حبتين فوق.. وثلاثه أو أربعه تحت»!

التعليقات