كتاب 11

02:39 مساءً EET

نوبل يعض أصابع الندم!

فوجئ ألفريد نوبل صاحب الجائزة الشهيرة ومخترع الديناميت، بأن اسمه قد تصدر عناوين الصحف، حيث كانت تتشفى من موته! فكتبت صحيفة بالمانشيت العريض: «مات تاجر الموت». وكتبت أخرى «مات من صنع ثروته من دماء الناس»! وكانت ردة الفعل هذه ناجمة عن تذمر الناس، بعد أن تحول استخدام اختراعه للديناميت من حفر المناجم بتفجير الأرض والبناء والهدم، إلى استخدامات سلبية في الحروب والدمار.
هالت الصدمة نوبل لسببين الأول أن من توفي ليس هو بل شقيقه. أما السبب الثاني الأهم فهو كمية الهجوم الذي شنّه عليه الناس، بسبب اختراعه الذي اعتبرَ سيئ الذكر. فعض «ألفريد» أصابع الندم لما اقترفته يداه، فقرر تخصيص «جائزة نوبل» الخالدة لتمحو شيئا من ماضيه. وهذا ما حدث بالفعل فقد نسينا الديناميت وبقيت الجائزة التي تتسابق الأمم لنيل شرف تسلمها.
هذه الحادثة تذكرنا بماذا يمكن أن يحدث لنا حينما يُكشَف النقاب عن رأي الناس الحقيقي فينا. كيف سنستقبل تلك المكاشفة الصادمة. هل سنتقبل النقد ونتدارك الأخطاء أم نمعن بالمكابرة؟ وما يزيد الطين بلة أنه كم من زميل ومدير لا يريد أن يصارحنا بالحقيقة المرة، لأنه لا يملك جرأة النقد الموضوعي فيلجأ للهمز واللمز والتجريح خلف ظهورنا. هنا لا نتحدث عن مقولة «القافلة تسير والكلاب تنبح»، ولا عن «إرضاء الناس غاية لا تدرك»، ولكننا نقصد الأخطاء الفادحة التي نقترفها ولا نعترف بها أو لا نجد من يواجهنا بها بصراحة. ومنها أسلوبنا الحاد في التعامل مع الآخرين أو ظلمهم أو البطش بهم، أو التجني عليهم ثم نضرب بردود أفعال الناس في عرض الحائط.
لماذا نتناسى أن أحد أسباب تدهور الإنسان، أنه يصمّ أذنيه عن همسة نقدية من محب. متى ندرك أن ذلك النقد البناء الذي غُلِّفَ بأدب جم ولم نستوعب مراميه سيمضي بِنَا نحو مزيد من التخبط! كم من ديكتاتور لم يكترث لسهام النقد الشعبية فحجز مكانه في مزبلة التاريخ.
كلما ارتفع منصب الفرد، زادت حاجته إلى حُسن الإصغاء إلى آراء الناس، لأنهم ينظرون إلى عمله من جهات متعددة. ذلك أن، بعض الآراء تكون عميقة وبناءة، لأنها نابعة من خبرة صاحبها أو تخصصه أو أخطائه.
ومن أهم أنواع النقد التي تستحق الحرص على سماعها، ما يتردد صاحبها في التصريح به خجلا أو خوفا على علاقاته أو منصبه. وهذا ما حدث، على ما يبدو، مع نوبل المحظوظ، لأنه كان في عمره متسع كاف من الوقت، ليستدرك خطأه باختراع الديناميت، الذي حصد أرواح الأبرياء بتقديم شيء مفيد للبشرية عبر جائزته.
كم نحن كمؤسسات وأفراد أحوج إلى تدارك أخطائنا، بحق أنفسنا وحق الآخرين، قبل أن نعض أصابع الندم؛ بعد فوات الأوان.

التعليقات