كتاب 11

02:58 مساءً EET

أميركا.. تغييرات كبرى بالسياسة النووية

تبدو الإدارة الحالية عاقدة العزم على استغلال الشهور الستة الأخيرة لها في البيت الأبيض، لاتخاذ سلسلة من الإجراءات التنفيذية، بهدف تعزيز الأجندة النووية التي دعا إليها الرئيس أوباما منذ أن كان بالجامعة. يأتي ذلك في إطار محاولات أوباما تلميع إرث فترته الرئاسية على صعيد السياسة الخارجية التي منيت بتحديات على جبهات عدة.
على الجانب الآخر، فإن قيادات جمهورية داخل الكونغرس تحذر بالفعل الإدارة من استغلال أيامها الأخيرة في السلطة، لاتخاذ إجراءات وصفوها بأنها تشكل خيانة للوعود التي قطعتها الإدارة أمام الكونغرس، وتلحق ضعفًا بقوة الردع النووي لدى واشنطن. ففي 17 يونيو (حزيران) الماضي، كتب بوب كروكر، الجمهوري الذي يترأس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وزميله الجمهوري جون ماكين الذي يترأس لجنة الخدمات المسلحة بالمجلس، خطابًا إلى أوباما يحذرانه من المساس بالاتفاق الخاص بتحديث الترسانة النووية. ورغم إقرارهما بأن الخطة القائمة حاليًا قد تكون غير مستدامة من المنظور المالي، فإنهما تعهدا بالعمل مع الإدارة لتناول نقاط القصور.
علاوة على ذلك، يعتقد معارضو الإدارة داخل الكونغرس أنها لا تضع في اعتبارها التأثير الذي ستخلفه التغييرات الكبرى بالسياسة النووية الأميركية على الحلفاء الذين يعيشون في ظل المظلة النووية الأميركية، خصوصا داخل أوروبا وشمال شرقي آسيا.
في المقابل، فإن أنصار السيطرة على الأسلحة ومشرعين ديمقراطيين ومسؤولين سابقين يضغطون على الإدارة للإعلان عن أكبر عدد ممكن من السياسات الجديدة. وبالنسبة لهم، يملك أوباما فرصة واحدة أخيرة للوفاء بوعوده النووية.
كان الرئيس أوباما قد أعلن عن عزمه تقليص دور الأسلحة النووية، للتمهيد للتخلص منها في نهاية الأمر، وذلك خلال أول خطاب مهم ألقاه بخصوص سياسته الخارجية، في براغ، عام 2009. وخلال سنواته الأولى بالرئاسة، حقق أوباما بالفعل بعض النجاحات، مثل إقراره اتفاقية جديدة للحد من الأسلحة الاستراتيجية، التي عرفت باسم «ستارت الجديدة»، مع روسيا، بجانب عقده عددًا من اجتماعات القمة بخصوص الأمن النووي، والاتفاق النووي المثير للجدل مع إيران. إلا أن التقدم على هذا الصعيد تراجع خلال العام الأخير، مع استحواذ أزمات أكثر إلحاحية على اهتمام البيت الأبيض. والآن، يدرس الرئيس استغلال الحرية التي يشعر بها كرئيس لإدارة أوشكت على الرحيل في إنجاز المهام المتبقية بأجندته النووية.
وعليه، عقد أعضاء مجلس الوزراء المعنيون بالأمن الوطني اجتماعين لمراجعة الخيارات بالنسبة للإجراءات التنفيذية المرتبطة بالسياسة النووية. ورغم أن كثيرا من الخيارات المطروحة على الطاولة مثيرة للجدل، فإن أيًا منها لا يتطلب موافقة رسمية من قبل الكونغرس. وحتى الآن، لم يتم اتخاذ إجراءات نهائية، لكن من المتوقع تدخل أوباما شخصيًا في الأمر.
من ناحية أخرى، أخبرني كثير من المسؤولين الأميركيين المطلعين على الخيارات الجارية دراستها أنها تتضمن سياسة «عدم الاستخدام أولاً» بالنسبة للترسانة النووية الأميركية، الأمر الذي سيشكل تحولاً تاريخيًا في السياسة النووية للبلاد. ومن بين الخيارات الأخرى المطروحة للدراسة السعي لاستصدار قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يؤكد على حظر إجراء تجارب لأسلحة نووية. وسيكون هذا سبيلاً لتعزيز تعهد الولايات المتحدة بعدم إجراء اختبارات لأسلحة نووية من دون السعي للحصول على تصديق مجلس الشيوخ على معاهدة الحظر الشامل للاختبارات، الأمر غير المحتمل حدوثه. كما تدرس الإدارة أن تعرض على روسيا تمديد القيود المفروضة على نشر أسلحة نووية تبعًا لمعاهدة «ستارت الجديدة» لخمس سنوات أخرى، رغم أن هذه القيود لا ينتهي سريانها حتى عام 2021. من خلال ذلك، يمكن لأوباما ضمان أن الإدارة القادمة لن تترك المعاهدة تنقضي. من جانبهم، يرغب بعض مسؤولي الإدارة إلغاء أو إرجاء تطوير صاروخ كروز نووي جديد، لأنه مصمم لتويجه ضربة نووية محدودة، وهي قدرات لا يعتقد أوباما أن واشنطن بحاجة إليها. كما يسعى بعض المسؤولين في إزالة غالبية الأسلحة النووية المنشورة بالفعل من نظام الإنذار الفوري.
أيضًا، ترغب الإدارة في تقليص الخطط طويلة الأجل لتحديث الترسانة النووية للبلاد، التي أشار مكتب الموازنة التابع للكونغرس إلى أنها ستكلف قرابة 350 مليار دولار على مدار العقد القادم. ومن خلال التركيز على الأسلحة النووية، يرى أوباما فرصة لتعزيز إرث سياسته الخارجية، رغم الانتكاسات والجهود المجهضة التي تعرض لها على كثير من الأصعدة الأخرى. إلا أنه من خلال إقدامه على ذلك بشكل منفرد، فإنه يخاطر بإطلاق سياسات قد لا تدوم بعد انقضاء فترة ولايته.

التعليقات