كتاب 11

12:36 مساءً EET

فرنسا كمان و كمان

نحن في حرب وجودية اما أن نلحق بركاب الحياه أوسيتم القضاء علينا فنحن لم نعد أهلا لها ، لقد صرنا موصومين بالقتل و الإرهاب في العالم ، بعد كل حادث إرهابي تتجه أنظار الجميع إلينا كمصدرين للقتلة و محتكرين لتوكيل الموت و الدم. ، إما ان نعود بشرًا بطبيعة إنسانية ترفض إزهاق الأرواح أو علينا أن نترك هذه الحياه لمن يستحقونها. فعلينا أن نحترم ميثاق الشرفالإنساني الذي يقر بحرمانية قتل الابرياء أيًا كانت دياناتهم أو جنسياتهم.

إن الجريمة الإرهابية الاخيرة التي وقعت في نيس المدينة السياحية الهادئة تؤرخ لنقلة نوعية في العمليات الإرهابية التي تخلت عن فكرة التفجيرات و إستخدام الاسلحة ، فالأمر لم يعد يتطلب أكثر من سيارة و سائق فاقد لوعيه و تجمع من البشر ، و سوف ينجح في قتل اكبر عدد ممكن ، لحظات مروعة تلك التي عاشها الضحايا و ذويهم ، فكم يصعب علي تخيل لحظات الموت لأب يحمل إبنه و يحاول الفرار به من أمام عجلات تلك الشاحنة التي فقد قائدها اي ملمح إنساني أو عقلي نستطيع بهما ان نصنفه في قائمة البشر ، إنها لحظات الموت بل و الغدر ايضًا ، و تذكرت حينها كيف كنا نقف بالسيارة أمام مجموعة من الغزلان أو الطيور التي تعبر الطريق و لو إستغرق مرورها ساعات ، كيف لهذا المخلوق المشوه  أن يحتمل المرور على اجساد ضحاياه ، كيف تحمل صرخاتهم ، و كيف شاهد الاطفال مذعورة تقضي نحبها   ! كيف رأى مشاهد الدماء و الأشلاء المتناثرة و إستمر في التنكيل بهم دون أدنى رحمة أو شفقة ؟!كيف كان يرى مثل هذه المشاهد و يستمر في القتل بدم بارد ! يا له من مشهد مروع ، و يالها من عقول ممسوحة مغيبة بلا ضمير . ما الذي يصل بإنسان أن يرتكب مثل هذا الجرم دون لحظة من الندم أو التاثر !! هل هو الفقر ؟ كيف و هو يعيش في فرنسا بلاد أقل ما وصفت به بأنها بلاد النور ، كيف و هو يحيا على أرضها و يتمتع بخيرها و له كافة الحقوق، هل هو اليأس ؟ و لكن اليأس من ماذا ؟ فهو شاب أمامه الحياة طولها و عرضها ، هل هي القيود و إنعدام الحريات ؟ أي قيود في بلاد الحريات !كيف وصل هذا الإرهابي لمثل هذا الفكر الذي يقتل به أناس أبرياء لا يعرف عنهم شيئًا ، و دون أسباب واضحة ؟!

ما سر تلك الكراهية الرهيبة للحياه ، ما سر تلك الدموية و النقمة على كل شئ ، ما هذا الدافع الذي يزج به الإنسان نفسه إلى الموت بسعادة و راحة بال بعد القضاء على أكبر عدد من البشر ……ما هذا الفكر الذي يسيطر على القاتل فيدفعه دفعًا تجاه ضحاياه كي يقتلهم و ينكل بهم ؟؟! من أوهمه أنه يحمل صكوك الجنة و النار ؟! و كيف لإنسان بالغ راشد كامل الأهلية أن يغيب عقله و يجرد من اي منطق فيتحول إلى أداة قاتلة في يد من أوهموه بمفاتيح الجنة ،ما الذي جعله يؤمن أنه كقاتل أفضل من ضحاياه عند رب العالمين ، و من منحه الحق أن يزهق روح إنسان برئ؟؟!!! الكثير من الأسئلة تدور بذهني دون إجابة شافية !! فنحن بشر إن لم تعمل عقلك يصعب أن تصنف من فصيلة البشر فهو الشئ الوحيد الذي يميزك عن باقي المخلوقات !!

و بعد أن أعلنت داعش مسئوليتها عن الحادث ، ظلت هذه الأسئلة بلا إجابة ! فمن هي داعش !؟ هل هي كيان إستخباراتي !؟ فليكن و لكن ما هي الفكرة التي يجند بها هؤلاء الشباب المغيبين أصحاب العقول الممسوخة كي يتحولوا لأدوات قتل و ذبح و تنكيل بوحشية و همجية ربما تعود بنا إلى قرون مضت من العصور البربرية العتيدة ! إن داعش ليست كيان بعينه فهي فكرة قد يتبناها أشخاص بيننا و نحن لا نعلم عنهم شيئًا هم فقط يتحينون  اللحظة المناسبة كي يظهرون داعشيتهم .! فمن يشمتون  و يؤيدون  القتل بل و يكفرون هذا و ذاك ، و يدخلون هذا الجنة و ذاك النار هم بذور دواعش صغيرة تنتظر التربة المناسبة كي تثمر قتلًا و هلاكًا !

إن داعش فكرة و الأفكار تنتشر كالنار في الهشيم ، تستلهم توهجها من العقول الجاهلة الضعيفة المريضة ، فتحولها إلى مسوخ تقتل و تدمر دون وعي أو ذرة ضمير ، و الأفكار لا تحارب بجيوش مهما بلغت عدتها و عتادها ، فنفس هذه الأفكار قد تخترق الجيوش و تضعفها ، الأفكار لا تحارب إلا بالأفكار ، بدءا من تجفيف منابع الإرهاب الفكري ووصولًا إلى محاربة الجهل و التخلف و الموروثات التي لا تستند إلى حقائق أو فكر صحيح ! إن التطرف كائن في كل ملة و دين ، و لكن على من يتحملون مسئولية القيادة و التنوير أن ينتبهوا قبل أن يتحول الجميع إلى دواعش تقتل بعضها البعض دون رحمة أو ضمير ……أرجوكم أخبروهم أن الله سبحانه و تعالى وحده من بيده الحساب ، وحده جل جلاله من يحاسب البشر على ما ارتكبوه من إثم ، وحده الحق العدل الرحيم ، أرجوكم أخبروهم أنه ليس لأحد أن يحكم على أحد بالموت لمجرد إختلافه عنه في عقيدة أو دين أو رأي ، أرجوكم إخبروهم أن من قتل نفس بغير ذنب فقد قتل الناس جميعًا ، أرجوكم أخبروهم أن من تقتلوهم قد يكونوا أفضل منكم عند رب العالمين ، أرجوكم إخبروهم أن القاتل لن يدخل الجنة ، و أخيرًا أتوسل إليكم أخبروهم أن الحوريات لسن في إنتظار القتلة !

التعليقات