كتاب 11

01:30 مساءً EET

كيف نتصدى للوبي الإيراني القوي؟

همس في أذني سياسي أوروبي معروف بتعاطفه مع القضايا العربية ومناوئ في الخفاء للوبي الإيراني شديد التغلغل ذي الهمة التي لا تفتر والجهد الذي لا يكلّ، قائلاً: «أنا على صلة بعدد كبير من أعضاء البرلمان الأوروبي والنشاط السياسي الذي يجري في أروقته، وساءني أن يكون النشاط المحموم للوبي الإيراني في البرلمان الأوروبي أقوى من كل النشاطات السياسية للدول العربية مجتمعة. تصور أنني ومن خلال علاقاتي الدبلوماسية هناك عرفت أن اللوبي الإيراني يبادر إلى عقد الصداقات وإحياء الحفلات وتوجيه الدعوات التي يجري فيها دس السم الإيراني في العسل الدبلوماسي، وفي المقابل تجد خمولاً وكمونًا في الجانب العربي، بل جفاء عن القيام بأي نشاط، لدرجة أن بعض أعضاء البرلمان الأوروبي المتعاطفين مع القضايا العربية امتعض من ردود الفعل العربية الباردة التي واجهتهم وهم يحاولون إقناع عدد من الدبلوماسيين العرب بضرورة التحرك بفاعلية أكثر داخل أروقة البرلمان الأوروبي، الذي له تأثير في صياغة الموقف الأوروبي، بدل استفراد النشاط الإيراني المحموم بالساحة، حتى إن عددًا من أعضاء البرلمان الأوروبي المسلمين حدثهم بأن الإيرانيين لا يفترون عن طرق أبوابهم لعقد اجتماعات وتوجيه دعوات لزيارة إيران مع تغطية كل تكاليف السفر».
اللوبي الإيراني نافذ وقوي ومدعوم في الدهاليز الأوروبية والأميركية؛ بل وفي أغلب دول العالم الثالث، وقد ساهمت مداخيل النفط الإيراني، يسندها «الخُمس»، في تكوين إمبراطورية مالية في كل أنحاء العالم، بل وفي بعض الدول العربية التي هي في حالة صراع معها بالوكالة، ففي الولايات المتحدة وحدها، كما يقول «لي سميث» الذي كتب دراسة عن اللوبي الإيراني في أميركا، يملك الإيرانيون 300 شركة كبيرة، كما يساهمون في 400 شركة أخرى، وقد أسسوا أحد أكثر اللوبيات الإيرانية تأثيرًا في أميركا، وهو المجلس القومي الإيراني المعروف باسم «ناياك»، ويرأسه «تريتا بارسي» أحد المقربين جدًا من صانعي القرار الأميركي، وهناك اللوبي النافذ والقوي «علوي» الذي سيطر عليه نظام الملالي بعد الشاه، والذي يديره عن بعد وزير الخارجية الإيراني ويملك ناطحة سحاب في نيويورك تدعم نشاط هذا اللوبي مع 30 مؤسسة تعليمية إيرانية.
ومن أبرز ما يتميز به النشاط الإيراني وتفتقده الدول العربية مجتمعة، تناغم العمل الحكومي الرسمي مع العمل الشعبي الخيري، فأطلقت إيران لأذرعتها الخيرية إعلاميًا وتعليميًا وإغاثيًا العنان لخدمة الاستراتيجية الإيرانية، وهذا ما جعل نشاطاتها الخارجية نافذة وقوية ومتماسكة، مع أنها تقاتل بالوكالة على الجبهات العراقية والسورية واللبنانية واليمنية بشراسة وتستهلك مليارات الدولارات من دخلها القومي في هذه الصراعات الخطيرة.
وفي المقابل، وفي عدد من الدول العربية المؤثرة هناك جبهة مرتبكة وعلاقات يعتورها عدم الثقة بين العمل الحكومي والشعبي، وتقليص للمؤسسات الخيرية ولأذرعتها التعليمية في الخارج التي تمثل جبهة صمود وتصد لأذرع إيران المتعددة، فكانت المخرجات، التي تعتبر منطقية بالنظر إلى مدخلات كل طرف، هي استحواذ إيران على نصيب الأسد في النفوذ والتغلغل والتأثير، مما يستدعي ضرورة ترميم الجبهة إقليميًا وعربيًا ودوليًا، كما يستدعي إعادة النظر في طبيعة المهمات الدبلوماسية في الخارج، والانتقاء الدقيق للكفاءات الفاعلة والمؤثرة التي تفهم وتدرك المهمات الحقيقية لهذه البعثات الدبلوماسية، والتي يجب أن تُنتشل من الانغماس في المهام البروتوكولية التي تُعتبر في بعض السفارات العربية هي الأصل، مع أنها المنهكة للأوقات والمقدرات والجهود، والنتيجة الأخطر والمؤسفة أن تُترك إيران تلعب في ساحة التأثير العالمي والإقليمي دون منافسة حقيقية مؤثرة.

التعليقات