كتاب 11

01:13 مساءً EET

خطاب ترامب تجاه المسلمين ستكون له عواقبه

بينما كنت أعمل تحت قيادة وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، ممثلة خاصة أولى لوزارة الخارجية لدى الجاليات المسلمة، أتيحت لي الفرصة لزيارة أكثر من 100 دولة حول العالم. وفي الصيف الحالي، وفي ظل سيطرة خطاب دونالد ترامب المعادي للمسلمين على عناوين الصحف، فكرت في إحدى المواجهات القوية التي تسببت في مشكلة مع الجالية المسلمة في كمبوديا.
ذات مرة وبينما كنا نتحرك بالسيارة في الغابة في طريق وعر، وصلنا في نهايته إلى قرية لا تضم سوى بعض البيوت المتواضعة بين الأشجار، وإلى جوارها مسجد بسيط بحوائط طينية مطلية باللون الأبيض وأرضيات بسيطة، وكانت الحوائط من الداخل مكسوة بخشب الصندل. جلسنا على الأرض المغطاة بحصر مصنوعة من القش، وتجمع حولنا العشرات من المسلمين الفقراء والحفاة.
جلست على الأرض إلى جوار المترجم، وبدأ الحوار. ولسوء الحظ، كانت الأسئلة التي سألها الحاضرون قد سمعناها في أماكن أخرى من قبل، مثل هل حقًا أن المسلمين مواطنون أميركيون؟ هل تستطيع المسلمات وضع غطاء للرأس في الولايات المتحدة؟ هل يستطعن الصلاة؟ وإن حدث فأين؟ ألم تكن أحداث 11 سبتمبر (أيلول) حيلة للإساءة للمسلمين؟ كيف سمحوا لك بالعمل في الحكومة رغم أنك مسلمة؟
ثم سئلت سؤالاً لم أتوقعه: هل حقًا أن تيري جونز يمثل الولايات المتحدة؟
كان جونس قسًا مغمورًا من ولاية فلوريدا وكانت بداية شهرته عام 2010 عندما أعلن عزمه حرق القرآن في ذكرى هجمات 11 سبتمبر 2011. وبعد ذلك بعام، أقدم بالفعل على حرق المصحف، مما أثار غضب العالم وحدثت اشتباكات تسببت في قتل العشرات. الآن لم يعد الأميركان يتذكرون هذا الاسم، إن كانوا قد سمعوا به من الأساس. لكن هنا في تلك الدولة البعيدة، كمبوديا، لم يكتفِ الناس بسماع قصته وحفظ اسمه فحسب، بل اعتبروه ممثلاً للولايات المتحدة أيضًا.
اليوم، أصبح لدينا زعيم أحد أكبر حزبين سياسيين في الولايات المتحدة، رجل يسانده نحو 40 في المائة من الشعب. لم يحرق المصحف، بل اتهم الرئيس الذي لا يزال في منصبه بتأسيس تنظيم داعش الإرهابي، وشوه سمعة أم مسلمة لجندي أميركي لقي حتفه، وينظر للإسلام كتهديد كبير على البلاد، ويقترح منع دخول المسلمين للولايات المتحدة.
لن يكون بوسع الولايات المتحدة إصلاح صورتها التي أفسدها في أعين المسلمين. فقد أنفقنا مليارات الدولارات منذ هجمات 11 سبتمبر في محاولة لنقل صورة مشرقة لنا كأميركان، لإقناع المسلمين بأن الولايات المتحدة ليست في حرب معهم. وضع الرئيس جورج بوش المصحف الشريف في مكتبة البيت الأبيض للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، وعين ممثلاً لأميركا لدى منظمة التعاون الإسلامي. قام بوش بزيارة للمساجد في الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر مباشرة، كي يعيد افتتاح المسجد الذي وضع حجر أساسه الرئيس الأسبق دويت أيزنهاور. قام أوباما بعدة مبادرات عقب خطابه الذي ألقاه بجامعة القاهرة عام 2009 بهدف تعزيز الثقة والارتباط بالمسلمين. وعلى المستوى المحلي، فقد كرست سفاراتنا في الخارج ساعات لا حصر لها، لإقناع المسلمين بأن الولايات المتحدة تؤمن بالمساواة، وحرية الأديان والاحترام.
الآن، وبفضل ترامب، تبخرت جميع المبادرات التي قمنا بها تعبيرا عن حسن النية. ففي المناطق الريفية، مثل القرية التي زرتها في كمبوديا، وفي المدن الكبيرة حول العالم، سوف يشير الناس إلى ترامب كدليل لا يقبل الشك على كراهية الولايات المتحدة لهم، وأنها في حرب معهم.
مثل هذا الانطباع لا بد أن تكون له نتائجه على المستوى العالمي وسوف تترجم مباشرة إلى هجمات إرهابية في جميع أنحاء العالم، وسوف تزهق مزيدًا من الأرواح هنا في الولايات المتحدة. فبعد أكثر من عقد كامل قضيته في الحديث مع عشرات الآلاف من المسلمين، بات يساورني الشك في أن «داعش» وغيره من التنظيمات سوف تستمر في تجنيد مزيد من الشباب المسلم، بفضل تقريع ترامب للمسلمين، وما ينتج عنه من اعتقاد بأن الولايات المتحدة تشنّ حربًا على الإسلام.
قد يخسر ترامب في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، لكن كلماته المتعصبة عن الإسلام وحكاياته الملفقة عن تكوين تنظيم داعش، ستتطلب مئات الملايين من الدولارات وعقودًا كثيرة كي يمحى أثرها.

التعليقات