كتاب 11

02:34 مساءً EET

لكي تستقيم الأمور الاقتصادية: الإنسان أولا

أولاً- في الإستراتيجية الاقتصادية:
الإدارة الاقتصادية لموارد الأمة هي من مسؤولية الدولة التي أناط بها الشعب  بأي وسيلة من وسائل الإناطة رعاية مصالحه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. الأهداف التي تسعى الحكومة لتحقيقها من خلال عملية الإدارة الاقتصادية تتمحور حول هدف رئيسي وأساسي هو “تحقيق الرفاهية المادية للإنسان المواطن”.
تحت هذا العنوان العريض تندرج كل القضايا المادية المرتبطة برفاهية الإنسان وسعادته وفي مقدمتها التعليم، الصحة، السكن، التقاعد، استقرار الحياة المادية…. الخ. والدولة في سعيها لتحقيق هدف الرفاهية المادية (الاقتصادية) للفرد تقوم بتهيئة الوسائل والأسباب المادية والمعنوية له والتي تمكنه  من استخدام  قدراته وإمكاناته العقلية والبدنية لتحقيق رفاهيته. وفي حال عجز الفرد الكلي أو الجزئي عن استخدام قدراته لتأمين حياته المادية  فعلى الدولة تأمين الحياة  المادية الكريمة له. هذا هو باختصار الدور الأساسي للدولة في الاقتصاد الحر: تأمين الوسائل للفرد ليكون قادراً وحراً للانطلاق من أجل العمل والكد لتأمين حياة كريمة له ولعائلته.
القدرات العلمية والتقنية هي الأهم في بناء الإنسان المنتج. فالدولة مسئولة عن البناء المؤسسي والتشريعي والمالي لكل ما يتعلق ببناء عقل الإنسان المواطن بناءً علمياً تقنياً مزوداً بكل الأدوات المعرفية المطلوبة والضرورية لعمليات الإنتاج والإبداع  وخصوصاً المراحل الأولية في البناء العلمي والمعرفي للعقل البشري المتمثل في المراحل ما قبل الابتدائية والابتدائية والمتوسطة والثانوية. وبما أن العقل السليم في الجسم السليم فالرعاية الصحية بكل مراحلها وخصوصاً الأولية يلزم تأمينها لكل مواطن. أما السكن الذي يبتلع جزءاً كبيراً من دخل الشرائح المتوسطة والأقل  في المجتمع  فإن على الدولة  أن تضع نظاماً للإقراض المالي  الميسر طويل الأجل من قبل البنوك تتحمل الدولة كافة تكاليف القرض المالية (الفائدة) والتكاليف الإدارية ويتكفل المواطن بالسداد على مدى طويل يتناسب مع دخله. هذا بالنسبة لمتوسطي الدخل أما ذوي الدخول المنخفضة والفقراء تقوم الدولة ببناء مساكن لهم دونما أي تكلفة على الفرد. أما طبقة الأغنياء ومرتفعي الدخل فهم قادرون على تأمين أحوالهم من أموالهم. المال إلى الآن متوفر والأرض لا شح فيها لكن الغائب الأكبرهو الإرادة الحقيقية الجادة من قبل الدولة لإنهاء معاناة المواطنين من مشكلة السكن بشكل سريع وفعال.
علينا أن نلاحظ أن الفرد هو مركز الدائرة في العملية الاقتصادية. فإذا كان الفرد منتجاً كان الاقتصاد ذا قاعدة إنتاجية يربو فيه الإنتاج على الاستهلاك محققاً فائضاً لبناء استثمارات جديدة وتعويض الإهلاك في رأس المال والموارد. وإن كان الفرد يزيد استهلاكه على إنتاجه كان الاقتصاد ذا صبغة استهلاكية محققاً عجزاً يقلص من بناء رأس مال جديد ويؤدي إلى تراكم اهتلاك الثروات ورأس المال.
لكن الإنسان ليس بآلة صماء دون إحساس ومشاعر، وهنا يأتي دور العوامل غير المادية في معادلة بناء الإنسان المنتج المبدع.
كيف للإنسان وهو العنصر الرئيسي والعمود الفقري في عملية الإنتاج أن يكون منتجاً حتى وإن توفرت له العوامل المادية المشار إليها سابقاً، إذا لم يكن في مجتمع  فيه الأمن والعدالة  وحكم القانون ومحاربة الفساد وحرية الرأي والمشاركة في القرار وعدم تغول السلطة أي كان مصدر هذه السلطة على المال العام والقانون واحترام حقوق الإنسان؟ هذه العوامل وغيرها هي الحاضن الاجتماعي وإن شئت الوضع العام الذي يعيش في داخله الإنسان السعودي بكل فئاته وأعماره والتي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على نوعية الحياة التي يعيشها كإنسان.
فلنأخذ على سبيل المثال، آسف أقصد على سبيل الواقع، إن كان نظام التعليم متخلفاً، وكانت الخدمات الصحية ضعيفة، وكان الحصول على سكن حلم بعيد المنال، وكان الفساد من سنن الحياة بين كبار القوم وصغارهم وكان العدل مائلاً والرؤية غير واضحة والمستقبل يكتنفه الغموض، فكيف للفرد في ظل هذه الظروف أن يكون منتجاً مبدعاً ملتزماً بالقانون ماقتاً للفساد؟ صعب بل صعب جداً… في ظل مثل هذه الظروف فإن أي سياسات اقتصادية أو مالية أو رؤى طويلة الأمد أو قصيرة وإن حملت مجلداتها وجداولها ورسوماتها البيانية أختاماً أجنبية فلن تؤتي أكلها حتى يُنقل الفرد رجلاً وامرأة بكل احتياجاته ومتطلباته الأساسية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية من الحواشي والأطراف إلى المتون. بعبارة أخرى أن يكون بناء الإنسان المواطن ورفع قدراته وطاقاته الإنتاجية والإبداعية  وجميع ما يرتبط بذلك هو الشغل الشاغل والهدف الذي تبنى عليه ومن أجله الخطط والبرامج والسياسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وأن يُتبع القول بالفعل، الفعل الإرادي السياسي الفاعل المُتابع المُراجع المُصحح المستمر حتى تحقق الأهداف.
قد يقول قائل، ماذا يستطيع الفرد عمله حتى وإن أعطي كلما ذكرت؟ قبل الفرد وأهم منه تأتي القيادة والإدارة ممثلة بالحكومة فهي التي تصنع الفرد وهي بذلك أهم منه.
وأقول من الناحية التاريخية حاضراً وماضياً: أرني أمة نهضت من كبوتها أو من تخلفها وواصلت طريقها حتى تقدمت، لم يكن الفرد بعلمه ومعرفته وعمله وكفاحه وجده واجتهاده هو الوقود والمحرك والدافع لعجلة النمو والتقدم والرفاهية الاقتصادية حتى وإن كانت الموارد الطبيعية لتلك الدول متواضعة. إنه رأس المال البشري المورد الذي بدونه لا يمكن لأي تنمية اقتصادية أن تنتج رفاهاً مادياً مستداماً للفرد. هاهي اليابان، كوريا، ألمانيا، سويسرا، بريطانيا ،ماليزيا، سنغافورة، الهند، الصين… الخ، حتى تلك الدول التي تملك موارد طبيعية كبيرة مثل الولايات المتحدة وكندا وغيرها، لم ولن تستطع النهوض الاقتصادي بدون قوى بشرية عاملة منتجة. لم أجد مثالاً واحدا حققت فيه الدولة الحديثة نهوضاً اقتصادياً  قوياً مستداماً دون أن يكون الفرد هو العامل الأساسي في حركة النهوض والتطور ليس الاقتصادي فحسب بل الاجتماعي والسياسي أيضاً.
وعلى الجانب الآخر أي التخلف الاقتصادي بسبب عدم الاهتمام بدور الفرد، لم أجد له مثالاً أقرب إلينا من بلادنا التي تتمتع بمورد طبيعي كبير وهام هو النفط الذي ينشده العالم بأجمعه، لم نستطع حتى الآن منذ اكتشافه عندنا في الثلاثينات من القرن الماضي وعلى الرغم من الخطط الخمسية المتواترة أن نوجد مصدراً للدخل غيره، يخفف من اعتمادنا عليه. السبب في رأي  بكل بساطة يعود إلى عدم إقامة إستراتجيتنا وخططنا التنموية منذ خمسين عاماً على بناء عقل الإنسان بناءً علمياً مهنياً تقنياً منتجاً مبدعاً. فضعفت قدرات الفرد وإمكاناته الإنتاجية وتزايدت رغباته وميوله الاستهلاكية وعلى خطى الأفراد تكون المجتمعات، ضعف في الإنتاج وقوة في الاستهلاك.
الخطط الاقتصادية السابقة واللاحقة تعنى بالحديد والاسمنت وبناء المشاريع أكثر من اهتمامها ببناء الإنسان المواطن. فأصبح لدينا أفضل المجمعات البتروكيماوية والمدن الصناعية وأفضل المجمعات التجارية التي تزخر بأحدث الموديلات، وبنينا أكبر الجامعات حجماً وأرضاً واستوردنا كل السلع ووسائل الترف والبذخ، أما بناء الإنسان فلم يكن هو هم خطط التنمية الاقتصادية الأول رغم ما خط على صفحاتها من جميل القول والعبارات. الخطط الاقتصادية عندما أقرأها بلغة الواقع وليس بلغة النص أجدها تقول فلنبنى المصانع ونستورد الآلات ونبني المجمعات ونستورد العمالة الأجنبية لتشغيلها، فهذا أسرع وأسهل وفيه مجال أكبر للإنفاق الحكومي وما يتبعه من عمولات. أما الإنسان المواطن فإن بناءه العلمي والصحي والاجتماعي والفكري والسلوكي صعب ويتطلب وقتاً وجهداً ويأخذ سنين طويلة وقد يكون لهذا التطور الفكري والمعرفي آثار جانبية غير مرغوب فيها. لذا كانت الأولية للآلة ومعها بالضرورة الأجنبي وبقي الإنسان المواطن ثانياً في معادلة التنمية. هكذا أقرأ أنا ما أظنه بين السطور في الخطط الخمسية الاقتصادية وبرامجها وأظن إنني على حق، هكذا تقول الأيام ويقول التاريخ كما أراه.
وبسبب سياسة الحديد والاسمنت أولاً، كان لابد للدولة أن تفتح باب الاستقدام على مصراعيه فمن يشغل هذه الآلات الضخمة والتقنيات المتطورة إلا الأجنبي ما دام بناء الإنسان السعودي ثانياً. وهكذا تقدم الأجنبي ليكون حاضناً ومتلقياً للتقنية التي دفع الشعب ثمنها في الآلات والمعدات والمصانع المتطورة المستوردة، وبالتالي فاز الأجنبي المؤهل علمياً بالراتب والمراتب  المميزة، وبقى معظم المواطنين يلاحقون الوظائف الحكومية أو الوظائف الإدارية أو الهامشية في القطاع الخاص. بالتأكيد هناك كوادر بشرية سعودية مؤهلة تأهيلاً عالياً وأثبتت نجاحها داخلياً وخارجياً لكن دور الفرصة والجهود الفردية والعائلية، وإن كان بدعم من برامج حكومية، واضح في هذه الأمثلة. وهذا  يثبت أن السعودي إن هيئت له الفرصة لبناء المهارات والمعارف والذات فإنه لا يقل إنتاجاً وإبداعاً عن أي إنسان آخر في الغرب أو في الشرق.
لكنني أتحدث عن الأغلبية وأتساءل لماذا لا تُوظف البلايين من أموال الأمة ويُصرف الجهد الحكومي وتوضع الرؤى والخطط وتُسن القوانين وتوضع السياسات وتعقد الإرادة السياسية العليا لبناء الإنسان السعودي رجلاً وامرأة، ليكون هو الفعل والفاعل في إحداث التغير والتطور الجوهري والحقيقي وليس الظاهري، الذي تحتاجه بلادنا في جميع الميادين . “ما حك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك”. وأقول  يكفينا من الأمر جله وليس كله.
الحكومة لتغطي شيئاً من قصور خططها  في هذا المجال، أقامت برنامجاً أسمته “السعودة” وقد كتبت في هذا الموضوع عدة مقالات وأختصرها بما قلته إن برنامج السعودة منذ ولادته وحتى تاريخه ما هو إلا هدر وضياع للقوى البشرية السعودية والمال العام .
الوقت يمضي بسرعة وهناك ضرورة ملحة كما أشرت في كتابي الأخير عن الاقتصاد السعودي (أزمة مالية في طور التكوين) لإعادة النظر في المنهجية الأساسية لخطط وبرامج التنمية الاقتصادية في المملكة والقائمة حتى الآن على الحديد والاسمنت أولا والإنسان ثانياً. الإستراتجية الاقتصادية السليمة والضرورية لبلادنا كما أراها، يجب أن تبنى على قاعدة اقتصادية علمية منطقية تاريخية تقول: الإنسان أولاً وكل شيء ثانياً. وعلى هذه الإستراتيجية تبنى الخطط والرؤى الاقتصادية.  الفرصة للتطور والنهوض وتفادي المخاطر والأزمات الاقتصادية والمالية وما يتبعها لا تزال سانحة لكنها تحتاج إلى إرادة سياسية عليا مؤمنة بأهمية وضرورة بناء الإنسان من أجل بناء تنمية اقتصادية شاملة ومستدامة.

ثانياً – خطوات هيكلية على طريق الإصلاح الاقتصادي:
في الجزء الأول من هذه المقالة تحدثت عن ضرورة تغير المنهج الإستراتيجي للتنمية الاقتصادية الشاملة وإرساء قواعدها وخططها وسياساتها على الإنسان أولاً، لأن الإنسان  هو هدف التنمية ووسيلتها. وهذا هو الإطار الإستراتيجي للإصلاح الاقتصادي الذي لابد منه من أجل تغير وجهة السفينة والأخذ بها إلى بر الأمان.  أما في هذا الجزء الأخير فسوف أطرح بعض الاقتراحات الهيكلية التي يمكن أن تساهم في الانتقال من مرحلتنا الاقتصادية الحالية الموسومة بضعف الإنتاج وضخامة الاستهلاك وانخفاض الدخل وضعف إنتاجية الفرد وقدراته التقنية والعلمية وضخامة حجم العمالة الأجنبية ووجود الفساد الإداري والمالي وضعف أداء الأجهزة الحكومية إلى مرحلة أفضل يقودها مواطن ومواطنة بفكر وإمكانات جديدة.

1.   هيكلة وزارة المالية:
هذه بعض العناصر التي أراها هامة في هيكلة الوزارة ولا شك أن الأمر يتطلب أكثر من ذلك شمولاً وتفصيلاً.
أ‌.      إلغاء نظام الممثلين الماليين  لوزارة المالية في الوزارات والمصالح الحكومية الأخرى واستبداله بنظام المراجعة والتدقيق بعد الصرف في الوزارة. وتناط مسؤولية إقرار الصرف (المراجعة قبل الصرف) بوزير المصلحة ضمن ضوابط وشروط يضعها مجلس الوزراء. وهذا من شأنه أن يساهم في عدم تعطيل  تنفيذ المشاريع ويحد أو يخفف من الفساد الإداري والمالي المرتبط بعمليات إقرار الصرف من ممثلي وزارة المالية الذين تعلو صلاحيتهم فوق صلاحية وزير المصلحة.
ب . إلغاء الإدارة العامة للميزانية في وزارة المالية وإنشاء هيئة حكومية مستقلة لهذا الغرض تسمى “الهيئة العامة للميزانية والتخطيط” ترتبط بمجلس الوزراء ويرأسها رئيس بمرتبة وزير يكون من أعضاء مجلس الوزراء. وتعد الميزانية لخمس سنوات كخطوط عامة ولثلاث سنوات بشكل تفصيلي. وتحل هذه الهيئة العامة للميزانية والتنمية محل وزارة التخطيط التي يجب إلغاؤها لعدم وجود ضرورة لها.
ج- تعديل نظام المشتريات الحكومية من أجل التأكيد على الضوابط المتعلقة بأهلية المتعاقد وقدراته المهنية والمالية والنوعية  وأن لا يكون الاعتماد على السعر الأقل هو الفيصل. كما يجب التأكيد على احترام الدولة لبنود العقد وألا يكون ذلك مقتصراً على المتعاقد فقط. وهذا يساعد على كبح الفساد الإداري والمالي المتعلق باختيار المقاولين وترسية العقود وتنفيذها وحل الإشكالات المتعلقة بها.
د‌-    حصر اختصاص وزارة المالية بعملية إدارة عمليات الإنفاق الحكومية المتمثلة في الإشراف على صرف أبواب الميزانية للوزارات والمصالح الحكومية ويشمل ذلك  نظام المشتريات الحكومية والحسابات الختامية الخ. وحيث أن الإنفاق الحكومي المتمثل في مصروفات الميزانية بأبوابها المختلفة هو حجر الزاوية في حركة الاقتصاد السعودي بقطاعيه العام والأهلي فهذه مهمة تحتاج إلى التركيز والاختصاص من قبل وزارة المالية. ومن حسن التنظيم ألا تجمع الوزارة بين إعداد الميزانية وإنفاقها كما يحدث الآن، فكل من المهمتين هامة وكبيرة وتحتاج إلى جهة مستقلة.

2- إلغاء وزارة التخطيط والاقتصاد الوطني، حيث ستتولى الهيئة العامة للميزانية والتخطيط مهمة تخطيط الإنفاق الحكومي على المشاريع والبرامج والوزارات وتوجهاته الإستراتيجية التنموية لكل خمس سنوات من خلال ميزانية الخمس سنوات التي تحل محل الميزانية السنوية المعمول بها حالياً. وتكون السنتين الأوليين من الخمس سنوات تفصيلية نهائية والثلاث سنوات الأخرى تقديرية ويجري تحويل السنة الثالثة إلى نهائية وتفصيلية عند انتهاء السنة الأولى وهكذا تباعاً.

3-  فصل مصلحة الزكاة والدخل عن وزارة المالية وهيكلتها بشكل جوهري يشمل تعديل اختصاصاتها إلى جباية الضرائب بجميع أنواعها من المواطنين والمقيمين الملزمين بدفع الضرائب وتعديل اسمها بالتالي إلى “الهيئة العامة للضرائب”. ويصاحب هذه الهيكلة نظام جديد للضرائب المباشرة على دخول الأفراد وثرواتهم  وعلى أرباح الشركات والمؤسسات وذلك في إطار نظام ضريبي يقوم على قواعد اقتصادية ومالية تأخذ في الحسبان الأثر الضريبي بجانبيه السلبي والإيجابي على الاقتصاد والادخار والاستثمار. ويجب أن يقوم النظام الضريبي على الدخل والثروة على قواعد قانونية تجعل الضريبة فرضاً على من تستحق عليه أيا كان منصبه السياسي أو موقعه الاجتماعي. وتعتبر الهيئة العامة للضرائب من أهم المؤسسات الاقتصادية ذات العلاقة بالإدارة المالية للاقتصاد الوطني  وتمويل الميزانية العامة للدولة.

4-  فصل مصلحة الجمارك عن وزارة المالية وتسميتها ” الهيئة العامة للجمارك ” وربطها بمجلس الوزراء وإعادة هيكلتها بشكل يؤدي إلى استقلالها وتطوير أدائها وفعاليتها وقدرتها على جباية الرسوم المستحقة على الواردات. وتصبح مسؤوليتها إلى جانب إدارة عملية جباية الرسوم الجمركية اقتراح السياسات الجمركية الملائمة لوضع الاقتصاد الوطني  والمتمشية مع الاتفاقيات الجمركية بين المملكة والدول الأخرى.

5-     إلغاء وزارة الزراعة وإعادة وزارة المياه وتكليفها بالعمل على ترشيد استخدام المياه بما في ذلك تحديد أسعار المياه وكذلك تعظيم وتطوير والمحافظة على  الموارد المائية الجوفية والسطحية.
إن أهمية المحافظة على المياه في بلادنا الصحراوية تربو على زراعة الأعلاف أو القمح. وتُكلف وزارة المياه بتنظيم استغلال المياه الجوفية من قبل المزارعين والشركات الزراعية وفرض رسوم على استخدام المياه للزراعة بعد ضبط وتحديد مواقع الآبار وقياس الكميات المستخرجة منها.

6-     إلغاء وزارة الحج وتحويل خدمات الحج والعمرة إلى مؤسسة وطنية حكومية تدار على أسس تجارية تهدف إلى استقلال خدمات الحج والعمرة وعمليات توسعة وصيانة الحرمين الشريفين وما يتبعهما عن ميزانية الدولة وذلك من خلال الرسوم التي يدفعها الحجاج والمعتمرون مقابل الخدمات التي تقدم لهم. وعندما تحقق المؤسسة العامة للحج والعمرة فائضاً مالياً في ميزانيتها تبدأ في إعادة الأموال العامة التي استثمرت في توسعة الحرمين الشريفين.

7-     فصل المشاريع الخاصة بالمناطق الرئيسية بالمملكة (الشمالية والجنوبية والشرقية والغربية والوسطى) من ميزانيات الوزارات وإصدار ميزانية لكل منطقة محدد بها المشاريع المعتمدة للعام ومبالغها بموجب الميزانية. ويوكل إلى أمير المنطقة وبإشراف المجلس البلدي تنفيذ بنود المشاريع  ضمن ضوابط تحدد صلاحيات أمير المنطقة والمجلس البلدي في هذا الخصوص، دون الإخلال بدور وزارة المالية في الإشراف على الصرف وعلى تطبيق نظام المشتريات الحكومية.

8- إلغاء برنامج  الملك عبدالله لتطوير التعليم وإبداله بقيادة لتطوير التعليم فاعلة جازمة عازمة حازمة مزودة بإرادة سياسية عليا تمنع كل من يحاول إعاقة إحداث تغير جوهري علمي متطور في مفاصل العملية التعليمية من المناهج إلى السياسات والأنظمة والمدرسين ومن الروضة وحتى الجامعة وما بعدها. تطوير التعليم لا يحتاج إلى أموال أكثر من الأموال في ميزانية الوزارة إنما يحتاج إلى إرادة سياسية فاعلة ومؤمنة بأهمية التطوير الجذري للتعليم وأثره المباشر والإيجابي على كل نواحي الحياة في المجتمع.

9-  ترشيد الإنفاق العسكري والأمني ما أمكن ترشيده وتأجيل الممكن تأجيله إلى سنوات قادمة.

10- السماح للمرأة بقيادة السيارة، ورغم أن هذا حق للمرأة ما كان يجب تأخيره، إلا إن الحكمة تقول للضرورات أحكام، فكيف بأمر هو واجب وضرورة في نفس الوقت؟ إن ميزانية الدولة وميزانية الفرد كل منها في أمس الحاجة لتوفير راتب سائق وتوفير تحويلات السائقين. إن قيادة المرأة للسيارة سيوفر الكثير من المال ويخفف كثيرا من المعاناة الاجتماعية للرجل والمرأة.

11. تعديل مهمة “الصندوق الصناعي للتنمية” من تمويل المشاريع الصناعية الكبيرة إلى “الصندوق الحكومي لتمويل المشاريع الصغيرة والفردية”. لقد استأثرت المشاريع والشركات الصناعية الكبيرة ومن يملكونها بحصة كبيرة من القروض المالية الميسرة منذ إنشاء الصندوق، وأصبح من اللازم رفع المعونة المالية عنها وتوجيهها للمشاريع الصناعية والتجارية والخدمية والتقنية الصغيرة. المشاريع الكبيرة من المفروض أنها قد نضجت وتجاوزت مرحلة الإعانة والدعم لذا حان فطامها وعليها أن تكون قادرة على تمويل استثماراتها من ذاتها أومن تسهيلاتها وقروضها البنكية وإلا فإن جدواها الاقتصادية مشكوك فيها.

12. تشكيل لجنة اقتصادية ومالية مستقلة من المختصيــن السعوديين في الاقتصاد و المالية للنظر في الجدوى الاقتصادية والمالية للمشاريع الحكومية الكبرى مثل مشروع وعد الشمال والمدن الاقتصادية والمشاريع التعدينية أو البتروكيماوية الكبرى وما في حكمها ومدى ارتباطها بشكل مباشر ببناء قدرات المواطن المهنية وخلق فرص وظيفية وليست وهمية كالتي كنا نسمع عنها وترددها الإحصاءات الرسمية، ومدى إسهام هذه المشاريع في عملية إيجاد بديل استثماري منتجاته قابلة  للتصدير وزيادة الدخل الحكومي من العملات الأجنبية. وتستطيع هذه اللجنة المهنية المستقلة الاستعانة بالخبرات الأجنبية كلما كان ذلك ضرورياً. وترفع اللجنة تقريرها إلى مجلس الشؤون الاقتصادية و التنمية .

13. تفعيل الجانب الرقابي ومهمة المتابعة والتدقيق لمجلس الشورى وذلك بإعطائه صلاحيات أكبر في طلب حضور الوزراء والمسئولين الحكوميين أمامه للمساءلة وإبداء الرأي. ويُلزم كل مسئول حكومي بالاستجابة لطلب المجلس وتقديم الإيضاحات المطلوبة.

14. إجراء تعديل جذري لبرنامج “السعودة” الذي أعدته وتنفذه وزارة العمل والذي كان جل حصاده وإنتاجه، توظيف وهمي أو في المراتب والرواتب الإدارية المتدنية للسعوديين، إلى جانب صرف الأموال الكثيرة لشركات القطاع الخاص فيما يسمى بدعم السعودة. من الصعب القول أن البرنامج لم تكن له حسنات لكنه يمكن القول أن حسناته أقل بكثيرمن سيئاته ومن الفساد الذي أوجده في هذا القطاع. لقد صرف برنامج السعودة جهود الدولة وسياساتها عن الدعم المهني والتقني المباشر للسعودي العاطل عن العمل والراغب في التعليم والتدريب لرفع قدراته المهنية والإدارية،وربط عملية التعليم و التدريب للعاطلين و الباحثين عن العمل بدعم مالي مجز يكفل للمتدرب حياة كريمة وقدرة على إعالة من هم تحت رعايته.
القطاع الخاص الذي تقوم عقيدته الاقتصادية على الربح لن يكون مهتماً بشكل حقيقي في بناء قدرات ومهارات المواطن، فالدولة مسئولة عن التأسيس وبناء القدرات أولاً ثم يأتي دور القطاع الخاص في إتاحة الفرصة للتدريب ومزاولة المهارات التي اكتسبها المواطن في معاهد وكليات تدريب حكومية مجهزة بأفضل المناهج والمعلمين والورش والمختبرات وأحدث الآلات .

15. هيكلة المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، بشكل كلي وجذري لتصبح صرحاً من مدن وكليات علمية مهنية تقنية منتشرة في مناطق المملكة الرئيسية تحتضن كل من خرج من التعليم العام أو من أقبل أساساً على التعليم المهني بعد المراحل المتوسطة أو الثانوية أو الجامعية وتعيد بناء عقله علمياً وتقنياً وتدفع به مؤهلا قادراً على المنافسة والإنتاج والإبداع .هذا لن يتم إلا إذا استقلت هذه المؤسسة مالياً وإدارياً ووضع لها مجلس أعلى وقيادة إدارية من ذوي الاختصاص والخبرة في مجال التعليم و التدريب المهني و التقني ، ويخصص لها رأس مال ضخم يتيح لمجلس المحافظين وإدارتها استقطاب أفضل المدرسين وتطبيق أفضل المناهج وتقديم الدعم المالي والصحي والسكني للطلاب. هكذا يتطلب الأمر عندما يتعلق الأمر ببناء رأس المال البشري الوطني.
يجب رفع مكانة وسمعة وأهمية ووضع التعليم الفني والتقني لينافس الجامعات في اجتذاب خريجي المرحلة الثانوية إلى جانب اجتذاب كل من يرغب في التحول إلى الجانب العلمي والتقني من جميع المراحل. يجب وكما أسلفت أن يغلب الطابع العلمي والتقني على بناء عقل المواطن وتفكيره ومهاراته، فهذه متطلبات العصر والمستقبل وبهذه الآلية والخطط نعالج مشكلة البطالة ومشكلة ضعف الإنتاج والإنتاجية ونخلق جيلاً وأجيالاً من المهرة الذين إن ضاقت بهم السوق السعودية وامتلأت كانت لديهم المهارات التي يستطيعون بها العمل في أي مكان. وهذا ما تحاشته وزارات العمل المختلفة ولاذت ببرنامج السعودة لكي لا تجابه المشكلة الحقيقية.

16. فك الاحتكار أو الحصار على إنشاء المزيد من البنوك السعودية  وفي ذلك فائدتان الأولى زيادة المنافسة بين البنوك والتخفيف من احتكارها للسوق وهذا من شأنه أن يرفع مستوى الخدمات للعملاء وأن يخفض من عمولات البنوك ورسومها على الخدمات التي تقدمها. والفائدة الثانية هي تحصيل مال لخزينة الدولة  بعرض عدد من الرخص البنكية من وقت لآخر لمزايدة مالية بين من يؤهلون من المواطنين مالياً وخلقياً.

17. وقبل أن أختم لابد لي من اقتراح بعض الحلول التي تساعد وزارة المالية على حل مشكلة السيولة النقدية لدى الذين لهم حقوق مستحقة على الدولة من الشركات الوطنية والمؤسسات والأفراد الذين أكملوا عقودهم وأوفوا بالتزاماتهم حسب العقود الموقعة أو الصكوك الصادرة من الدولة بالالتزام بالدفع. إن الأثر السلبي الذي أحدثه تأخير صرف الدفعات لمستحقيها أوجد شح في السيولة النقدية لدى أصحاب هذه الحقوق من شركات وأفراد، وبحكم ترابط مفاصل الاقتصاد واعتماد القطاع الخاص بشكل كبير على المشاريع الحكومية فقد تفاقم الأثر وأحدث ضرراً بالاقتصاد وبسمعة الدولة ممثلة بوزارة المالية في الوفاء بالتزاماتها التعاقدية ودفع المستحقات المالية عليها.
نعم هناك انخفاض في إيرادات الدولة وعليه أصبح لزاماً على وزارة المالية المعنية بأمر الصرف أن ترتب الأولويات وتحد من المصروفات لكن ذلك لا يعني على الإطلاق التوقف أو التأخير الكبير في صرف المستحقات المالية للشركات والمتعاقدين الذين أوفوا بعقودهم والتزاماتهم تجاه الدولة، فهذا فعل يمس سمعة الدولة المالية من جهة ويحدث موجة انكماشية سلبية في الاقتصاد الوطني تضعف من نمو القطاع الخاص وتطوره.
إن سوء إدارة المالية العامة خصوصاً فيما يتعلق بكفاءة وفعالية وعدالة ووضوح إجراءات الصرف الحكومي مضر بالاقتصاد الوطني فالإنفاق الحكومي هو الينبوع الذي يغذي دخول الأفراد وإيرادات الشركات والمؤسسات من الخدمات والسلع والمشاريع التي تقدم للحكومة والذي في مجموعه، وهذا من المآخذ على الاقتصاد الوطني، هو الوقود الرئيسي الذي يدير عجلة الاقتصاد الوطني في وضعه وتركيبته الحالية.
1.  حصر جميع التزامات الحكومة للقطاع الخاص والمواطنين الواجبة السداد.
2.  عمل جدول زمني للدفع لكل صاحب حق قائم على السيولة النقدية المتوفرة
للدولة على ضوء ظروفها المالية والتزاماتها الأمنية وعلى حجم الأموال التي يمكن للدولة اقتراضها من البنوك المحلية أو الأجنبية.
3.  يوضع الجدول الزمني للسداد بناء على اجتماعات ومناقشات واتفاق بين وزارة المالية وأصحاب هذه الحقوق التي حل أجل دفعها وأنجزت الأعمال المرتبطة بها.
4.  تدفع وزارة المالية التكاليف المالية التي ترتبت على تأخير موعد السداد الفعلي المرتبط بالأعمال التي تم انجازها فعلا من قبل المقاولين حسب الشروط والمواصفات المحددة في العقد. وتحدد التكلفة بموجب سعر الفائدة السعودي حسب الآجال المختلفة للدفع.
5.  تصدر وزارة المالية صكاً مالياً  لكل صاحب حق محدداً عليه التاريخ الذي يحل فيه صرف قيمة الصك من قبل أي من البنوك السعودية وذلك بموجب اتفاق بين وزارة المالية والبنوك السعودية الراغبة في الاشتراك في عملية التمويل.
6.  يتم  الاتفاق بين وزارة المالية والبنوك السعودية على قيام البنوك بصرف صكوك وزارة المالية قبل حلول أجل الدفع إذا رغب حامل الصك ذلك بموجب خصم مرتبط بسعر خصم يتفق عليه بين البنوك والوزارة.
7.  بالنسبة للأعمال المشمولة في العقد والتي لم يحن وقت تنفيذها يتم الاتفاق بين وزارة المالية وأصحاب هذه العقود أو الحقوق على تأجيلها لفترة أطول أو إلغائها على أن يعوض أصحاب العقود عن أي تكاليف حقيقية تتعلق بالاستعداد لتنفيذ تلك الأعمال. وبالنسبة للأعمال قيد التنفيذ التي لم تكتمل وترغب وزارة المالية في إلغائها، تدفع الوزارة للمقاول التكاليف التي تحملها حتى تاريخ الإيقاف.
إنني لم آتي بالجديد فمعظم المبادئ المؤسسة لحق المتعاقد موجودة في النظام  لكن الإشكالية هي في البيروقراطية التي أوجدت بتلكؤها وعدم إفصاحها مدخلا للفساد المالي والإضرار بالاقتصاد الوطني.
لو تعاملت وزارة المالية بشيء من التنظيم والمهنية والصراحة في ترتيب ظروفها المالية والتزاماتها لدفع المستحقات للمقاولين المحليين وحقوق المواطنين المختلفـــة في وقتها ( افتراضا أنها صاحبة القرار في ذلك ) لاستطاعت أن تخفف كثيراً من تداعيات الانتقال من مرحلة اقتصادية موسومة بإنفاق حكومي كبير إلى مرحلة تتجه نحو تخفيض و ترشيد الإنفاق.
إن حركة الاقتصاد مرتبطة جميع أجزائها ببعض، فإفلاس شركة ما يحمل بشكل مباشر أثراً سلبياً على كل المتعاملين معها من موظفين وموردين ومتعاقدين مما قد يؤدي إلى إفلاس شركة  أخرى وهكذا دواليك تكبر الدائرة وتزداد الموجة ارتفاعاً وعنفاً محدثة آثاراً سلبية على الاقتصاد بشكل عام وعلى المواطنين.

الخاتمة :
في هذه المقالة طرحت رؤى وحلول قد تساعد على إدارة عملية التحول الاقتصادي وترشيد المسار. لكن لابد من أن أؤكد على أن الحالة التي يعيشها الاقتصاد اليوم وقد عاش مثلها سابقاً إن هي، وأكرر إن هي، إلا نتيجة لإستراتيجية اقتصادية غير سليمة وضعت العربة قبل الحصان جاعلة الحديد والاسمنت أولاً والإنسان ثانياً. ولكي تستقيم الأمور الاقتصادية ومربوط بها ومعها كل الأمور الاجتماعية والسياسية فإنه لابد من أن يكون بناء الإنسان المواطن رجلاً وامرأة بناءً علمياً فكرياً صحياً حضارياً واجتماعياً هو الهدف الأساس والقاعدة العريضة التي تقوم عليها كل الخطط والمشاريع والسياسات الاقتصادية في منظومة متكاملة متوازنة للتنمية الشاملة المستدامة في المملكة العربية السعودية. لا شك أن هناك الكثير من النقاط والاقتراحات التي لن يتسع المجال لها في مقال. لكنني أرجو أن أكون قد أشرت إلى الدرب وإلى الاتجاه الصحيح.

التعليقات