كتاب 11

05:20 مساءً EET

‏الاختلاف السياسي بين الدول طبيعي

هذا ‏العنوان يمثل حقيقة في عالم السياسة كما هي في عالم الفكر الذي تتولد عنه، ‏والحقيقة الثانية التي لابد من الايمان بها هي أن التطابق بين البشر يكاد أن يكون ‏مستحيلا، ودول العالم كلها تعي هذه الحقيقة وبينها الكثير من التعامل رغم ‏الاختلاف، لأن هذا هو الممكن فلا إجماع بين الناس علي فكرة إلا نادرا، ولعله ‏اليوم يكاد أن يكون مستحيلا، ومصر والسعودية قطران شقيقان لاشك في ذلك، والعلاقة ‏بينهما تمتد إلي أزمان بعيدة، حينما كانا جزءا من امبراطورية عربية اسلامية، ‏وبعدها في مالك عدة، وبعد ذلك حينما وجدت الدولة الوطنية بعد التخلص من ‏الاستعمار كانا معا في علاقة تتميز بالثبات، والعمل معامن أجل أمة واحدة عربية ثم اسلامية، وطبيعي أنه ‏كانت تقع بينهما أحينا اختلافات حول بعض القضايا، إلا أنهما استمرتا في علاقة ‏نقيه وثابته عبر الزمان، وحينما كانت تقع الاختلافات لا تلبث أن تزول إيمانا منهما ‏أنه لابد من الاستمرار في هذه العلاقة ‏لمصلحتمها معا ولمصلحة الأمة، وأظنهما مثلا نموذجا سويا للعلاقات.

‏وحينما يتوهم البعض من أن كل خلاف سيفرض عليهما أن يقطعا هذه العلاقة ‏فهو واهم أو حاقد يتمني الشر لهما، وفي مصر والسعودية أفراد من العاملين في ميدان ‏الاعلام، ومن المتداخلين عبره، ومن ‏يجوسون خلال مواقع التواصل عبر الانترنت مرضي نفوس يظنون أن علاقة الدول يمكن ‏أن تصاغ ‏عبر الاعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي، وهو المستحيل أصلا، فالعالم ‏الافتراضي عبر الانترنت نعلم يقينا لايطرح ‏الحقائق غالبا، وأنه في الغالب يجتذب من ‏البشر الكثيرين ممن لايصنعون فكرا، وإنما قدموا إليه من أجل هدم كل فكر سليم، ‏وهذا يلاحظ بسهولة فما طرحت فكرة أو خبر إلا وتبين أنه لاحقيقة له، وإنما زيف لأسباب أخري تنخرط جلها في الهدم لا ‏البناء، ورغم أن هذه الوسائل تعتبر فتح عظيم لنقل الافكار إلا أنها عندما أنتقلت ‏إلينا ساء استخدامها حتي كاد الناس أن يفقدوا الثقة بها كليا، ونحن ولاشك قد ‏لاحظنا هذا فمنذ أن وقعت أحداث ما سمي ‏الربيع العربي أن مواقع التواصل الاجتماعي عبر الانترنت أصبحت ساحة لتزييف ‏كل شئ، وقد كان في البلدين فئة من الناس أشرت إليهم قبل قليل بالمرضي، وهم فئة ‏لعل الكثيرين منا يلاحظها، فما يقع حدث أو تظهر فكرة في بلادهم إلا سعوا إلي ‏تشويهها، وما أن يعلن عن عمل وطني إلا وأثاروا حوله الشكوك، وما يقع خلاف بين ‏قطرين إلا وظنوا أنهم عن طريقه سيصنعون فرقة لا إئتلاف بعده، وهم دوما ضد الدولة التي يعيشون فيها قبل أن ‏يكونوا أعداء لما يعتقدون أنه عدوا لها، ويدفعهم لذلك أسباب كثيرة كلها شر ولاشك‏، وتراهم دوما قبل أن يخوضوا فيما تصوروها خلافا قاتلا ، وحاولوا إيهام المواطنين ‏به، يشككون في مواقف وطنهم قبل غيره، غايتهم إشاعة الاضطراب به قبل ما يصورونه ‏من الاقطار الأخري علي أنه عدو له، وهذا مايشرح لنا كيف أن مهاجمة مصر والسعودية وتشويه مواقفهما مستمر زمنا ليس بالقصير ‏من قبلهم في القطرين، ودون الزعم أن هناك خلافا بينهما، فإذا ما بدر نوع من ‏الخلاف ولو كان ضئيلا تجدهم قد أقبلوا ‏فرحين، فهذا هو مجالهم المحبب إلي ‏نفوسهم لتصوير الأمر وكأن القطيعة قادمة ‏لامحالة، وإذا انقشعت الغمة وظهر أن كل ما يدعونه كان من صنع خيال مريض رأيتهم يعودون ‏للبحث من جديد في الاخبار والتصريحات ما يمكن أن يبنون عليه وجود اختلاف جديد يغتنمون ‏فيه الفرصة من أجل اشاعة أخبارا زائفة عن أاحداث لم تقع من أجل الخوض فيها عل ذلك يصنع اختلافا، وما علموا أن الدول لا تصنع ‏مواقفها عبرهم، بل يصنعها عقلاء يريدون الخير لبلدانهم، لا كما يريدون هم أن
‏تسقط، وأظن القارئ العزيز يدرك هذا جيدا، فخلال الاربع السنوات الماضية عملت ‏هذه الفئة بنشاط كبير، ولكنها بحمد الله ‏لم تستطع تحقيق أغراضها ولن تستطيع إذا لم يصغ اليهم المواطنون وسعوا مع الدولة لعمل جاد ومفيد يقضي ‏علي كل المخاطر، ليجدوا حينئذ انفسهم ‏يعيشون كما كانوا من قبل منتظرين ثمرة زرع لم يحسنوا زراعته، أو لأنه زرع ردئ، لن ينموا أبدا ما أشعنا الحقائق ولم ‏نخفها عن شعوبنا، وتحدثنا بشفافية عن كل ‏خطواتنا، فلم نترلا لهم شيئا ‏يخوضون فيه، وهو هوايتهم المستمرة، لم نخف حتي الاختلاف واسبابه إن وجد، ‏فالأمراض لاتعيش إلا في بيئة مليئة ‏بالمكروبات، فالافصاح عن الحقائق بشفافية تامة تقضي علي امراضنا السياسية والمصابين بها ، فهل نفعل هو ما أرجوا ‏والله ولي التوفيق،

‏ عبدالله فراج الشريف
‏‏ كاتب سعودي
‏‏ جدة

التعليقات