كتاب 11

10:45 مساءً EET

حين يتوحد الهدف وتختلف الوسيلة

(اقفوا النفخ في الرماد)

 

بادئ ذي بدء لا أظن عاقلا يجترئ على التقليل من قوة العلاقات السعودية المصرية ومتانتها عبر الأجيال المتتابعة؛ هذه السياسة التقاربية التي رسمت خطوطها منذ لقاء رضوى التاريخي بين الملك عبدالعزيز والملك فاروق -رحمهما الله- سنة 1945م ثم سار من بعدهما في قيادتي البلدين على نفس النهج إيمانا من الجميع بأن التحالف بينهما هو ركيزة النجاح لمواجهة التحديات وتقلبات الأحداث وهذا ما أثبتته الحوادث التاريخية ؛فمن ينسى وقفتهما معا في حرب أكتوبر وفي حرب تحرير الكويت وفي عاصفة الحزم ،ومن ينسى الدور السعودي في دعم مصر للصمود والحفاظ على وحدتها  أمام تيار ما سمي بالربيع العربي  الذي احرق بناره دولا مجاورة لازالت حتى يومنا تعاني الفرقة والخوف والجوع .

وحين أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز عبر حسابه الشخصي في تويتر عن حبه لمصر واعتزازه بها ثم طبّق ذلك فعليا فتبادل الزيارات مع أخيه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وأعلن دعما لا محدوداً لمصر إنا كان ينطلق من إدراكه للعلاقة والروابط التاريخية بين البلدين والتي لم تعد مجرد خيار ورفاهية بل أصبحت أساس ملح في تشكيل طبيعة العلاقة بينهما.

ومع التفاؤل الذي ساد بازدهار العلاقات والاتفاق على مشروع جسر بري يربط البلدين وتوقيع العديد من الاتفاقيات التنموية إلا أن معول هدم ظل يضرب بغباء على مواطن القوة في العلاقات لتحويلها إلى مداخل للتشكيك في النوايا وسوء الظن ومحاولة التفرقة ،ومن المؤسف أن جزء غير قليل من الإعلاميين المصريين هم من تولى كبر محاولة التفرقة بين البلدين عبر كتابات في الصحف الصفراء وبرامج فضائية من قنوات عفى عليها الزمن ولازالت تتمسك بالنظرة السوداوية لدول الخليج العربي وخاصة المملكة العربية السعودية فلاترى فيها غير آبار للنفط ومخازن للأموال دون اعتبار لمكانتها التاريخية والحضارية ،ومع يقيننا أن هذه النظرة لاتمثل الشعب المصري على الإطلاق كما أنها تسئ لمصر شعباً ورئيسا في عمل أشبه ما يكون بالابتزاز أو تنفيذ أجندة معادية لقوى خارجية همها التفريق بين البلدين ودفعهما للقطيعة ؛ ومما زاد الأمر سوءا عدم اتخاذ أية إجراءات رسمية لإيقاف عبثهم وحماية البلد من شرهم.

لقد استمرت هذه السوسة التي تعمل لهدم صرح العلاقات بين المملكة ومصر في الظهور مع الأحداث المهمة لاستغلالها والعزف من خلالها لتحقيق مآربهم المشبوهة  فمن تعالت أصواتهم بالولولة والنواح بعد عقد اتفاقية (تيران وصنافير) هم من ظهرت قباحتهم المقيتة عبر الفضاء مستغلين خلاف عارض في موضوع التصويت في الأمم المتحدة  في موضوع الأزمة السورية.

أؤمن تماما بوجود توافق بين البلدين على الخطوط العريضة في الأزمة السورية والمتمثلة بالحفاظ على وحدة سوريا واستقلالها وإنهاء قتل الأبرياء فيها وهو ماصرح به وزيرا خارجية البلدين من قبل في لقاء مشترك ومع ذلك نؤمن بوجود اختلاف في الوسيلة المؤدية إلى تحقيق ذلك ،وبناء على ذلك صوتت مصر لصالح المشروع الفرنسي الذي تبنته السعودية لكنه وئد بالفيتو الروسي المتعنت ، وحين طرح مشروع روسي في الجلسة نفسها صوتت مصر لصالحه إيمانا بضرورة وجود مبادرة تؤدي للهدف ومايندرج تحته من نتائج تتمثل بوقف القتل ودخول المساعدات فتلا ذلك تعليقات من الأطراف ذات العلاقة .ومنذ تلك اللحظة انفجرت براكين إعلامية عدائية ساهمت بزيادتها وسائل التواصل الإعلامي وكأنما كانت تنتظر الفرصة ،فخرج الناقمون على الرئيس السيسي وعلى المملكة  لتصفية حساباتهم وظهرت شائعات الخيانة والتخوين من سفهاء القوم هنا وهناك واستغل ذلك من ينفخون بالرماد ممن ينتظرون حلماً لم يتحقق.

ومع هذا المشهد وحماية للمنجز في علاقة البلدين ،ومع إيماننا بأن ما يحدث سحابة عابرة لن يطول وجودها فإنه من المتحتم  اتخاذ إجراءات رادعة لوقف المتجاوزين عند حدودهم، كما أن من واجب الإعلام الرسمي للبلدين الوقوف أمام تلك الهجمة الشرسة وبيان الحقيقة لعامة الناس ، وعلى العقلاء من الشعبين عدم الانجراف وراء دعاة التخريب كي لايتم اختطاف العقول إلى المشهد السوداوي في صورة العلاقات السعودية المصرية والذي يعمل أعداؤنا على نشره والإفادة منه في هدم أقوى ركيزتين للأمة .والله من وراء القصد.

أ.د. خليفة بن عبدالرحمن المسعود

أستاذ التاريخ السياسي في جامعة القصيم

التعليقات