كتاب 11

02:05 مساءً EET

نصائح للحاكم العربي

أتوجه بمقالي هذا إلى الحاكم العربي. هذه نصائح مستمدة ومستفادة من أحداث الربيع العربي، ووصفة سياسية يمكن لك أيها الحاكم أن تقرأها وتحفظها عن ظهر قلب، وأتمنى أن تطبقها وألا توكل مهمة تنفيذها لأحد.

 

أولاً: لا تقل للشعب يوماً في أي من خطاباتك “شعبي”، أو تخاطبهم بـ”أبنائي وبناتي”، فهم ليسوا كذلك، أنت لا تملكهم وليسوا شعبك أو أبناءك وبناتك، هم مواطنون ومواطنات شرفاء. عندما تقول ذلك رغبة منك في إظهار قربك منهم أو محبتك لهم أو عطفك عليهم، فأنت في حقيقة الأمر تكذب وتنتقص من ذكائهم من حيث لا تدري، لأنك تبني علاقتك معهم على أساس المحبة وتتوقّع منهم بالتالي المحبة، ولا يفترض في الشعب أن يحبك أو تحبهم، بل الأساس والمطلوب هو أن تحترمهم وتمنحهم حقوقهم، فإن فعلت، فسيحترمك ويطيعك الشعب وهذا أقصى ما يمكن أن تصل إليه. أترك المحبة لأهل بيتك وإمنح الإحترام للشعب.

 

ثانياً: تذكّر أن الشباب عماد كل أمة، هم الحاضر والمستقبل، وأعرف أن معظم أفراد الشعب من الشباب، ذكور وإناث، فكن مع الشباب يكون الشباب معك. شغّلهم وأشغلهم، فإن لم تفعل أشغلوك وأرهقوك. الشباب يملك طاقة مخزونة تنبئ عن نفسها في مناحٍ عديدة وبأشكال مختلفة ووسائل متعددة، فابحث عما في عقول وأذهان وخيال الشباب، هم يريدون العمل، ليس لكسب لقمة العيش فقط، بل لتحقيق الذات. بادر إلى خلق فرص عمل وبرامج تطوعية وترفيهية وأندية شبابية وميادين عامة في كل حي، إن استطعت، يتبارى فيها الشباب لإثبات أنفسهم وتحقيق ذاتهم والاستمتاع بخيالهم وأحلامهم. لا تضع بينك وبين الشباب وسيطاً أو حاجزاً، لكي تتمكن من تلمس حاجاتهم عن قرب، فسوف تجدها سهلة التحقيق وقريبة المنال.

 

ثالثاً: كن في الطليعة دائماً وسباقاً وأسرع تفكيراً من الشعب، إستبق مطالبهم بعشر خطوات ونفذ فوراً، ولا تعطي وعوداً وهمية، فذاكرة الشعب في ما لم يتم تحقيقه، جماعية ووقادة لا يقربها النسيان ولا يمسها الزهايمر ولا تصاب بالأمنيسيا. إعلم أن الحياة متغيرة بتسارع فما أن تنفذ شيئاً مما وعدت به حتى تجد مطالب ملحة أخرى. لا تستمع إلى نظريات المنظرين في الاستجابة للمطالب قطرة قطرة، ففي هذا كفنك السياسي، وكن واثقاً بأن لديك شعباً فطناً أذكى وأفهم من بعض مستشاريك ووزرائك وإعلامك وأجهزتك الأمنية. لا تنصت إلى المعيقين والمعوّقين والمحبطين من بعض التيارات ومناصري الثوابت ومناهضي التغيير وومعيقي الحركة الطبيعية لتقدم المجتمع. أولئك أشغلهم بمن ضدهم في حراك ثقافي إجتماعي ومجتمعي للتسلية والمتعة والفرجة وملء الفراغات في الصحف والقنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي، أما أنت فأمسك بزمام الأمور مع الشباب نحو المستقبل، فإذا أصطلح أصحاب التيارات فسيلحقون بك وبالشعب.

 

رابعاً: تذكر أن البشر خلقوا مختلفين شكلاً ومضموناً، وأن الاختلاف سُنَّّة من سنن الله لن تستطيع تحويلها أو تبديلها، فلا تبتئس من الخلاف والاختلاف فتلك ظواهر طبيعية وصحية، فقط أحسن إدارة ذلك الاختلاف. لا تتبرم أو تحزن أو ترفض أو تقمع أي احتجاج أو مظاهرة شعبية، فهي (1) تأكيد لسلطتك وشرعيتك وإعتراف بقدرتك على التغيير ورفع الظلم كله أو جزء منه، فالناس تتظاهر، واقعياً أو إفتراضياً، للتعبير عن تبرمها من أمر ما لمن تعترف بسلطته وشرعيته وقدرته، وفي كل هذا تأييد لك؛ (2) التظاهر تقرير شعبي أصدق من كل التقارير التي أمامك فاقبلها وشجعها وحاسب المتسبب؛ (3) عندما يصل الشعب إلى مرحلة الاحتجاج والتظاهر فاعلم أنه قد بلغ به الجور والظلم كل مبلغ فلا تتوانَ وحث السير لنجدة الشعب؛ (4) عيون العالم تسجل كل أخطاء أجهزتك الأمنية بكاميرات الجوال وتشاهدك على وسائل التواصل الإجتماعي، فتجنّب من يهونون عليك الأمر أو يسطحون لك المطالب أو يستخفون بالمتظاهرين، فالمهوِّنون والمسطحون والمستخفون بمطالب الشعب هم أعداؤك فاحذرهم. سلّط أجهزتك الأمنية لمراقبة ومتابعة وزاراتك وسفاراتك وإداراتك وموظفي الخدمة المدنية، وليس الشعب. تكسب الشعب والأمن.

 

خامساً: إعرف جيداً أن بعض من حولك ليسوا إلا موظفين يهمهم رضاك وسعادتك، لا يهمهم الشعب أو المواطن، يهمهم أقربائهم وعشيرتهم، ويعلمون علم اليقين أنك بشر فيعملون كل ما بوسعهم لكي تنفرج أساريرك ويتفادون غضبك، فلا تركن إليهم مطلقاً، وتعامل معهم كطاقم مسرحي للظهور أمام عدسات المصورين فقط، وإعمل على تبديل الوجوه من حولك بين الفينة والأخرى لأنه بقدر بقاء الأشخاص حولك بقدر معرفتهم بنقاط قوتك وضعفك، وفي ذلك تسليم منك وانكشاف عليك، لا تثق بأي تقرير أو كلمة منهم وانظر إلى الواقع، مهما حاولوا أن يوهموك بصدق نواياهم أو اختيار ألفاظهم وتعابيرهم فهم بذلك يتبرأون من المسؤولية لكي يلقوها عليك، تخلّص منهم قبل أن يتخلصوا منك.

 

سادساً: إعرف أن الوزارات السيادية لم تعد الخارجية والدفاع والأمن والمالية، بل الوزارات الخدمية مثل: العمل والإسكان والصحة والتعليم والبلديات، فاختر لوزاراتك وإداراتك الخدمية ذات العلاقة المباشرة مع الشعب من أهل الكفاءة والخبرة، ومن عامة وأبسط الناس، يمكن نقدهم واستبدالهم بسهولة ويسر، وممن يرضون أن يكونوا خداماً للشعب ويقبلوا بتعليق شعار في مكاتبهم وعلى صدورهم يقول “وجدت لخدمتكم” ويلقنوا هذا لجميع موظفيهم ويتأكدوا من تطبيق ذلك وتنفيذه على أرض الواقع. إختر وزراء ومسئولين يؤمنون بأنهم ليسوا أعلم الناس أو أفضلهم بل لأنك أنت، وليس هم، من يرغب في خدمة الشعب بكل طوائفه وأطيافة وألوانه ودرجاته الاجتماعية.

 

سابعاً: تخلّص مما يسمى الإعلام، الوزير والموظفون وجميع الأجهزة المباشرة وغير المباشرة التابعة لإعلامك الرسمي فهو وبال عليك، يزيد الهوة بينك وبين الشعب، ففي كل يوم يضع إعلامك الرسمي، من دون أن تشعر، غشاءً لزجاً على مسمعك عن طريق ما يسمى “الإعلام المسموع”، وعدسة رقيقة تحجب الرؤية عن بصرك بواسطة ما يسمى “الإعلام المرئي”، حتى تمسي بعد حين لا تسمع ولا ترى. الإسم هكذا: مسموع ومرئي، وحقيقة الأمر أنه غير مسموع ولا مرئي من الشعب. وفّر نفقاته وإمنحه هدية للفقراء والضعفاء والمساكين فتكسب الحسنيين الدنيا والآخرة. الشعب يعرف أن حجم إعلامك الرسمي هو بحجم الكذبة التي تريد تسويقها فلا تخدع الشعب ولا تنخدع أنت. إفتح عيون الشعب على العالم واجلب العالم إلى الشعب بطوعك واختيارك بدلاً من أن يتم ذلك رغماً عنك وعن إعلامك وأجهزتك الأمنية.

 

ثامناً: ابتعد عن استخدام الفزاعات لتحكم بالتخويف: (1) فزاعة الأمن: الحرب والإرهاب والفقر والمرض؛ (2) الفزاعة الاجتماعية: الليبرالية أو العلمانية أو الأصولية أو التغريب أو التطرف أو الغزو الفكري والثقافي؛(3)الفزاعة الطائفية: الشيعة أو السنة، أو الإسماعيلية أو الصوفية أو غيرها؛ (4) الفزاعة الدينية: الكفار أو اليهود أو النصارى أو البوذيين؛ (5) فزاعة الخارج: إسرائيل أو الصهيونية أو الولايات المتحدة أو روسيا أو إيران أو تركيا أو السعودية أو مصر. أرفض نظرية المؤامرة فهي فخ لك، فهذه الأساليب سقطت عند الجميع وليس لها من أثر سوى في أذهان من حولك للتأثير عليك.

 

تاسعاً: إحذر الفساد، ثم الفساد، ثم الفساد. إحذر رجال الأعمال وأهل الذهب فهم لعب ومع من غلب، يستفيدون من أي وضع في ظل أي حاكم، سيّرهم في ركابك وتحقيق مقاصدك ولا تستمع لأرقامهم وخططهم، وأنظر إلى رقم وحجم ونسبة البطالة في بلدك، وإعلم علم اليقين أن الرقم والحجم والنسبة الحقيقية تساوي ثلاثة أضعاف ما هو معلن. إفرض غرامة مالية عليهم، سمّها جزية أو ضريبة أو رسوماً أو مسؤولية اجتماعية، أو سمّها ما شئت، وليكن حجمها بحجم نسبة البطالة ونسبة غلاء الأسعار ونسبة التضخم. لا تستمع إلى تخويفاتهم حول التضخم، وإرتفاع الأسعار، وهجرة رأس المال من بلدك، فتلك إن صحت، أفضل من تضخم العداوة عليك، وأهون من ارتفاع الأصوات ضدك، وأسهل من هجرتك أنت.

 

عاشراً: لا تثق بالقوى العظمى أو المنظمات الدولية مثل: الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أو البنك الدولي أو صندوق النقد، في ما يخص رفاهية وتحسين مستوى الشعب. الدول الكبرى ترقبك بعين المكر وتبحث عن مصالحها وليس لها صداقات دائمة مع الحكام، فلا تسمح لها باختطافك في أجندة خارجية تلهيك عن الاهتمام بالشعب في الداخل. كن صلباً وقوياً، أيضاً، مع المنظمات الدولية وارفض الاستماع لمطالبهم واخفض توقعاتهم، ولا تقبل تجميل أرقام النمو أو الخطط الوردية التي لا يمكن تحقيقها أو تنفيذها، فهي سم قاتل تغدر بك وتنتقص من مصداقيتك.

 

ما حصل في العالم العربي فيه الكثير من العبر، فاعتبروا أيها الحكام إذا كُنتُم من أولي الألباب.

 

كاتب سعودي
turadelamri@hotmail.com
@Saudianalyst

التعليقات