كتاب 11

12:01 مساءً EET

الإضراب في السعودية !!!

إنتشر في تويتر هاشتاق يدعو إلى إضراب في السعودية وحدد يوم معين من دون تحديد زعيم أو ما يسمى”ناظر الإضراب”، أو سببه أو الغاية منه، مما يحول الدعوة إلى إضراب تعاطفي. تفاعل البعض مع الهاشتاق بمزيج من الإستهجان والرفض، وشيء من الخوف والصدمة، ومزيد من المشاعر الوطنية، بسبب غرابته وتوقيته في مجتمع كالسعودية. لكن المؤسف أن من أولئك الذين تعاملوا أو تفاعلوا مع الهاشتاق، ولو بالاستهجان والرفض، شخصيات فكرية وثقافية وإعلامية مشهورة ومعروفة ساعدوا من دون قصد في ترويج الهاشتاق. إطلاق هاشتاقات تدعو إلى ممارسات إحتجاجية تؤدي إلى خلخلة النظام أسلوب ساد مع ثورات الربيع العربي. لكن المجتمع في السعودية ليس بحاجة لإضراب لتبليغ رسالة لولاة الأمر أو غيرهم، فالوسائل المشروعة للتظلم والشكوى متاحة وكثيرة ومتعددة. إستطاع المجتمع السعودي من خلال ساحة تويتر وفي (24) ساعة فقط نقل تبرمه من حلقة الوزراء “الصدمة” إلى المسئولين على أعلى المستويات، وكشف فساد بعض الوزراء، وإقناع برنامج الثامنة لإجراء حلقة خاصة لدحض وتفسير ماذكره الوزراء وإجبار نائب وزير الإقتصاد والتخطيط على الإعتذار، ولو على إستحياء.

 

المؤسف أن عدد من المثقفين وقع في الفخ بتفاعلهم مع الهاشتاق وساعدوا في البلبلة وتحقيق جزء من أهداف من أطلق هذه الدعوة الخبيثة، ولو من غير قصد. فبالرغم من تفاعل بعض المثقفين والكتاب الناقد والرافض للهاشتاق إلا أن تفاعلهم ألهب حماس متابعيهم فإرتفعت أسهم الهاشتاق وحقق إرتفاع في عدد المتفاعلين،  وأصبحوا أشبه بالعامة الذين يتجمعون ويتكاثرون عند الحوادث المرورية ويكون ضررهم أكبر من نفعهم.  واحد من المثقفين الكبار، على سبيل المثال، لن نذكر إسمه، تعامل مع الهاشتاق بكثير من المشاعر الوطنية والحماس السلبي اذا جاز التعبير. نسي هذا المثقف الكبير، الذي يزيد عدد متابعيه على (300) الف متابع، فكتب تغريدة فيها فيض من المشاعر الوطنية أرفقها بالهاشتاق، مما أوقع صاحبنا المثقف في مصيدة الهاشتاق، فهب المتابعين يمطرونه بـ”الرتوتة” و “اللايك” والردود التي تمتدح مشاعره الوطنية وكأن وطنيته كانت في أزمة شك وبحاجة إلى شعبوية لتأكيدها. حسناً، النتيجة أن المثقف ساعد بجهل في تسويق هاشتاق مضر وغبي. لو أن صاحبنا المثقف وغيره أهملوا الهاشتاق لما تم تسويقه ومات في حينه ولم يلتفت إليه أحد. صحيح أنه كم من تغريدة قالت لصاحبها دعني.

 

الإضراب الخاص أو العام هو نوع من الإحتجاج السلمي تقوم به مجموعة محددة أو غير محددة لتبليغ رسالة إلى صاحب الشأن. لكن الإضراب وغيره من طرق الإحتجاجات التقليدية غير عملية في السعودية لأربعة أسباب: (1) أن الإضراب أو التمرد أو العصيان أو المظاهرات أو أي شكل من أشكال الإحتجاجات الجماعية هي مخالفة صريحة للنظام في السعودية ويعاقب عليها القانون؛ (2) أن الإضراب ووسائل الإحتجاج التقليدية هي وسائل قديمة بدأت مع بداية الثورة الصناعية في أوروبا وأثبتت الدراسات مؤخراً عقمها وانعدام تأثير نتائجها (3) أن الوصول للحق بالباطل، أو تحقيق غاية مشروعة مثل التظلم والشكوى بوسائل ممنوعة، هو ضرب من الغباء والحماقة. (4) أن في السعودية وسائل مشروعة للتظلم والشكوى هي أكثر نجاعة وسرعة وفعالية من الإضراب وكافة وسائل الإحتجاجات.

 

لو إفترضنا أن ألف أو عشرة ألاف من مجتمع تويتر قاموا بالإضراب، فلن يؤثروا كثيراً في الأمر، نسبة إلى عدد الموظفين الذين يصل عددهم إلى ملايين. لأن الذين سينفذون الإضراب سيتغيبون عن أعمالهم ويفقدون أجرهم اليومي بالغياب، وهم ينفذون ما يطلق عليه الإضراب التعاطفي Sympathy Strike، أو إضراب إدعاء المرض Sickout Strike الذي سيحسم من إجازاتهم المرضية، ومع ذلك لن تصل رسالتهم، هذا إذا إفترضنا أن هناك رسالة موحدة يريدون إيصالها إلى صاحب الشأن. وإذا إفترضنا وجود رسالة إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، أعلى سلطة في البلاد، فإن هناك طرق أسهل وأسرع لإيصال الرسالة: (1) وضع تغريدة في حساب الملك سلمان الرسمي المعلن والمعروف في تويتر؛ (2) التواصل مع الديوان الملكي مباشرة عبر موقع “تواصل” بإجراءات سهلة وميسرة لا تستغرق أكثر من (3) دقائق وبعث التظلم والشكوى التي تصل الى الملك مباشرة عبر مساعديه، وخلال (24) ساعة يصل صاحب التظلم أو الشكوى إشعار برقم القيد على بريده الألكتروني.

 

من الواضح جداً أن من أطلق هاشتاق الإضراب غبي وجاهل، ولا يعرف حقيقة الشعب السعودي. فقد حاول هذا الغبي الجاهل أن يستغل غضب الشارع وحنقه جراء بعض الإجراءات التقشفية فأراد أن يصطاد في الماء العكر ويزرع الفوضى، لأن بمثل هذه الأساليب يظن البعض أنه يمكنهم أن يدخلوا الدولة والشعب  في إضطرابات. الشعب السعودي ذكي ووفي، فذكاءه العالي يسمح له في حده  الأدنى أن يدرك مقاصد المرجفين في تويتر، كما أن الشعب السعودي وفي لقيادته وملتزم بالأنظمة ذات الصبغة الأمنية التي تمنع مثل هذه الممارسات الغوغائية والتي لا تؤدي إلى النتائج المرجوة كما يحاول أدعياء حرية التعبير تسويق ذلك ظلماً لحرية التعبير المسئولة. درجة غباء وجهل الذي أطلق الهاشتاق في مثل هذا التوقيت، أشبه ما تكون بمن يظن أن الشعب البريطاني منقسم على نفسه بمجرد مشاهدة الجدل المحتدم بين النواب في البرلمان البريطاني.

 

ذكاء المواطن السعودي البسيط يسمح له، أيضاً، أن يدرك أن الإجراءات التقشفية التي إتخذتها الحكومة السعودية جاءت نتيجة إنخفاض مداخيل الدولة من نفط كان يباع بأكثر من (150) دولار للبرميل ثم إنحدر إلى أقل من (50) دولار للبرميل. إنخفاض سعر النفط الذي يشكل أكثر من (90%) من دخل الدولة لوحده سبب كاف لتفهم المواطن الدوافع والأسباب للتقشف. كما أن تبرمه وتذمره لم يكن من الإجراءات التقشفية والإصلاحات الإقتصادية المنشودة بحد ذاتها، بقدر ما هو غضب وتذمر من أسلوب تبرير بعض الوزراء، ونقاش صحي حول أولويات بعض السياسات التقشفية. لكن وفاء المواطن السعودي إن لم يكن زاد في مثل هذه الظروف السياسية والإقتصادية والأمنية العصيبة، فإنه لم ينقص البتة، وهذا ما فات على الغبي والجاهل الذي أطلق هاشتاق الإضراب.

 

يدرك المواطن السعودي الذكي والوفي، أن بلاده تقع بين دول لا تضمر للسعودية الخير الكثير، وأنها وجاراتها الخليجية محسودة على الإستقرار ولم يصيبها ڤيروس الإضرابات والإحتجاجات والمظاهرات التي إنطلقت من وسائل التواصل الإجتماعي في عدد من الدول العربية إبان الربيع العربي، وكلها إنطلقت من دون زعامات أو مطالب محددة. تماماً مثل هاشتاق الإضراب الذي حاول من أطلقه بغباء وجهل تسويقه في السعودية ولو على سبيل الإختبار، لكي يدرس نتائجه ثم يعاود الكرة مرات ومرات لإحداث الفوضى والإضطراب في السعودية البلد الآمن. أما وفاء الشعب السعودي اللامحدود لقيادته وأمنه وأرضه فيزداد مع كل طلقة أو قذيفة أو صاروخ يعبر الحدود الجنوبية إلى نجران أو جازان أو عسير أو منطقة مكة المكرمة أو أي من مناطق السعودية. ألم نقل أن من أطلق الهاشتاق غبي وجاهل؟

 

أخيراً، السعودية بلاد الحرمين الشريفين، ويشرف قادتها وشعبها بأنهم خدام الأماكن المقدسة وما حولها. كما أن السعودية دولة ديناميكية تتفاعل مع السياسة الدولية كما تتطلب مصالحها، وتتعامل مع المتغيرات والدورات الإقتصادية والمالية العالمية بما يتناسب ومصلحة الشعب السعودي. أن يغضب الشارع السعودي أو يتذمر من دون إحتجاجات أو إضرابات جراء سياسات تقشفية فذلك أمر طبيعي، ونجزم بأن ولاة الأمر يعرفون ذلك حق المعرفة، بل ونؤكد أن مكاتب ولاة الأمر تعج بالمستشارين لعمل كل ما من شأنه تجنيب المواطن ضغط التقشف، وأن صالات الإجتماعات تضج بالنقاشات المتواصلة لعمل كل ما يسعد هذا الشعب الذكي والوفي. ختاماً، لو كان لي من رأي لإقترحت على السلطات سن قانون يعاقب كل من يروج هاشتاق مخالف للنظام دفع مبلغ (100) ريال عن كل متابع، أظن أننا حينها سنعدد مصادر الدخل ولن نحتاج إلى المساس بدخل الموظف الحكومي. حفظ الله الوطن.

 

كاتب سعودي
turadelamri@hotmail.com
@Saudianalyst

التعليقات