أفضل المقالات في الصحف العربية

01:48 مساءً EET

الإحباط مفتاح الإرهاب

ترجم معالي المرحوم بإذن الله الدكتور غازي القصيبي كتاب «المؤمن الصادق» (**)، وهو الذي ربما كان الوحيد الذي يضيء «عقل الإرهابي من الداخل».

وتمت الترجمة في عام 2009 غير أن النشر كان عام 2010، أي العام نفسه الذي توفي خلاله الدكتور القصيبي. اسم الكتاب: «المؤمن الصادق، أفكار حول طبيعة الحركات الجماهيرية». الناشر: «العبيكان» السعودية و «كلمة» الإماراتية.
ولا يسع المتابع غير العودة إلى هذا الكتاب الذي تمت كتابته في الأربعينات من القرن الماضي، وتم نشره في أوائل الخمسينات، كلما تصاعدت حدة الأعمال الإرهابية كترويع الآمنين في سيناء واغتيال السياسيين في ليبيا وتونس.
أما ما يحدث في سورية والعراق فأمر آخر اشتركت في إشعال حريقه الأنظمة الحاكمة ذاتها، سواءً تم الإرهاب باسم الدفاع عن الشيعة أو عن السنّة.
والذي قصده المؤلف بالمحبطين «هم الناس الذين يشعرون، لسبب أو لآخر، أن حياتهم ميؤوس منها وضاعت هباءً».
ومما جاء في الكتاب:
«من الواضح أن ازدراء الحركة الجماهيرية الحاضر يتمشى مع نزعات الإنسان المحبط. يستغرب المرء عندما يستمع إلى شكاوى المحبط من الحاضر بكل ما فيه ومن السرور الذي ينتابه خلال الشكوى. هذا السرور لا يأتي لمجرد التعبير عن ظلامة ولا بدَ أن يكون هناك شيء آخر. عندما يسرف المحبطون في اتهام الحاضر وانتقاصه، فإنهم في حقيقة الأمر يخففون من وطأة إحساسهم بالفشل والعزلة، وكأنهم يقولون: العيب ليس فينا ولكنه موجود عند كل معاصرينا. حتى حياة أكثر المعاصرين سعادة وأعظمهم غنى حياة تافهة لا قيمة لها. وهكذا فإنهم يشعرون، عبر ازدراء الحاضر، بنوع غامض من المساواة مع الآخرين.
وهذا يعني أن الحركة الجماهيرية التي تسعى إلى جعل الحاضر مكروهاً وغير محتمل تلمس وتراً حساساً لدى المحبطين. والانضباط الذي يمارسه المحبطون لقمع شهيتهم للحياة يعطيهم شعوراً زائفاً بالقوة. وتتبنى الحركة الجماهيرية أهدافاً مستحيلة وغير واقعية تتمشى مع رغبات المحبطين. إن الذين يفشلون في أمورهم الحياتية اليومية ينزعون إلى البحث عن المستحيل كوسيلة لستر عيوبهم. ذلك أننا عندما نفشل في الحصول على الممكن لا نستطيع أن نلوم أحداً سوى أنفسنا، أمَا عندما نفشل في الحصول على المستحيل، فبإمكاننا أن نعزو الفشل إلى صعوبة المهمَة. والإنسان لا يعرض نفسه للسخرية عندما يشرئب إلى المستحيل بقدر ما يعرضها للسخرية، وهو يحاول الممكن. ومن هنا نجد أن فشل المحبط في القيام بأموره اليومية كثيراً ما يولد لديه شجاعة غير عادية.
يشعر المحبط بالرضا عن الوسائل العنيفة التي تتبعها الحركة الجماهيرية أكثر من شعوره بالرضا عن أهداف الحركة. إن فرح المحبط بالفوضى وبسقوط المحظوظين والميسورين لا ينبع من إحساسه أنهم بهذا السقوط يفسحون المجال لقيام مدينة مثالية بقدر ما ينتج من إحساس بالشماتة. عندما تعلو صرخة المحبطين المتشنجة تطالب (بكل شيء أو لا شيء) فإنهم في حقيقة الأمر، يتطلعون إلى لا شيء.
هل يمكن غسل دماغ المحبطين بسهولة لا توجد عند غيرهم؟
هل هم سُذَج يصدقون كل شيء؟…
هناك على ما يبدو علاقة بين عدم الرضا عن النفس والنزعة إلى سرعة التصديق. إن الرغبة في الهرب من أنفسنا، كما هي عليه، توجد رفضاً لقبول الحقائق والمنطق الصارم. لا يوجد خلاص للمحبطين فيما هو واقع وما هو ممكن، لا يجيء الخلاص إلاَ من طريق المعجزة التي تتسلل من خلال ثقوب في جدار الحقيقة الحديدي.
يبدو أن هناك قاعدة مؤداها أن الذين لا يجدون صعوبة في خداع أنفسهم لا يجدون صعوبة في خداع الآخرين لهم، ومن ثم فمن السهل إقناعهم وقيادتهم.
من الغريب أن السذاجة كثيراً ما ترتبط عند المرء بدعاوى عريضة ليس لها أي أساس. إن امتزاج سهولة التصديق بالكذب ليس من خصائص الأطفال وحدهم. انعدام القدرة على رؤية الأشياء على حقيقتها يقود إلى السذاجة، وإلى الكذب قي الوقت نفسه».»
صفحات 164، 165، 175، 176 من كتاب «المؤمن الصادق».
رحم الله الدكتور القصيبي.

التعليقات