كتاب 11

06:04 مساءً EET

إلى أستاذنا خالد الوابل: هل أتوقف؟

تلقيت رسالة من أستاذنا الكاتب خالد الوابل ينصحني فيها بأن أقتصر على مقال واحد كل أسبوع بدلاً من كثرة المقالات المتلاحقة والمتسارعة التي أزعج فيها بعض القرّاء، نظراً لطولها وعمقها وإحتوائها على أكثر من فكرة تحتاج وقت لهضمها وتأمل وإستيعاب المحتوى. كان أستاذنا خالد غاية في الأدب وحسن الخلق، إذ إعتذر في بداية رسالته عن تطفله أو لقافته، حسب تعبيره. حسناً، لم يكن ذلك تطفل أو لقافة، بل هو شعور كريم من كاتب كريم. لكنني أجبته بأن لدي معضلة وأتمنى أن يحلها إن إستطاع، ولابد من شرح المعضلة عبر الهاتف. إكتشفت في المكالمة أن خالد “بلدياتي” فهو من أهل الخرج، وسبق لي أن عشت فيها حقبة من الزمن ودرست المرحلة الإبتدائية في مدرسة “السيح الأولى” بالخرج.

 

طرحت على أستاذنا وكاتبنا معضلتي: (1) قراءاتي ومتابعتي لكل ما يجري حول العالم ويؤثر سلباً أو إيجاباً على السعودية؛ (2) تسارع وتلاحق الأحداث ذات العلاقة المباشرة بالسعودية بشكل يدعو للحيرة والإرتباك؛ (3) خبرتي السابقة كضابط طيار مقاتل وكدارس للعلوم الإستراتيجية وأشعر بالغبن تجاه القصور أو التقصير السعودي في المفهوم الإستراتيجي؛ (4) إهتمامي بالعلاقات الدولية كمتخصص وأنا أشاهد أن السعودية متعثرة في علاقاتها الدولية؛ (5) دراستي للنظرية السياسية والتي تعني بالدولة والحكومة والمجتمع، وأنا أشاهد كيف يتم إستهداف السعودية من الخارج والداخل لإضعاف الدولة؛ (6) إكتشافي وأنا في العقد السادس من العمر، أنني لم أعد أسكن السعودية كوطن، بل هي السعودية، وهو الوطن، يسكنون كل جوارحي، وأخشى عليها وعليه من الضياع.

 

تعيش السعودية اليوم مرحلة من أدق مراحلها الإسترتيجية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية، هذا ليس من قبيل التهويل أو التشاؤم، بل هي حقيقة يدركها كل سعودي، تقريباً. لا علاقة للتفاؤل أو التشاؤم في الأمر، فالفرق بين المتفائل والمتشائم يكمن في المعلومة، لكنها تسارع الأحداث والمتغيرات الداخلية والخارجية التي فرضت هذا الشعور وغرسته، بل غرزته في داخل المواطن. الفرد السعودي خائف ومرتبك لسبب بسيط جداً، لأنه لا يعلم ماذا يجري ولماذا وكيف؟ لم يتمكن ولاة الأمر، للأسف، نظراً لإنشغالهم من أن يتواصلوا مع المواطن بشكل مباشر عبر الإعلام أو في حوارات وتوضيح وشرح مايجري على كافة الصعد والمستويات لكي يطمئن المواطن وتزداد ثقته. المثير، أنه عندما قررت الحكومة التواصل عبر ثلاثة من مسئوليها، أخفق الوزراء بقصد أو من دون قصد. الزاوية الغير مرئية التي يمكن إستنتاجها من تلك الحلقة “الصدمة” هو إهتزاز ثقة المواطن في نفسه وفي الحكومة، وهذا أمر خطير جداً، لا يجب السكوت عنه. فماذا نفعل؟

 

يعيش المواطن السعودي شيء من الإهمال في كل قضايا السياسة الخارجية التي تجتهد السعودية في مغالبتها ومقاربتها. فحرب اليمن (1) لا زالت مستمرة ومستعرة والمواطن في غياب تام عن حقيقة ما يجري في الحد الجنوبي، ونسمع من الوكالات العالمية عن جهود تجري لإستصدار قرار من مجلس الأمن لإيقاف الحرب، مع تباين وتفاوت كبير بين المعلن والمخفي والمواطن السعودي لم يعبره وزير الخارجية بشرح وافي لما يجري أو سيجري؛ (2) حرب الموصل قائمة على أشدها، وإن نجحت فسيليها الحرب في الرقة السورية، والسعودية ضمن التحالف الدولي من جهة، ومع تركيا المستبعدة من جهة أخرى، وليس هناك في الخارجية من يشرح للمواطن السعودي، ماهو الدور السعودي وكيف ولماذا؟ (3)  تتخذ الولايات المتحدة أهم قرار ضد السعودية والمسمى قانون “جاستا” والمواطن السعودي لا يعلم عن الإجراءات التي قامت أو ستقوم بها السعودية للتصدي لمثل هذا القانون؛ (4) تضطرب العلاقات السعودية، أو هكذا نظن، مع كثير من دول العالم ومع دولة كبرى مثل مصر، ويبقى المواطن السعودي بين تراشق إعلامي لا يعرف ماهيته أو أسبابه أو أهدافه، وصمت الخارجية زاد الطين بلة. هل أستمر في تعداد الأحداث الخارجية الخطيرة أستاذنا خالد؟

 

تتضارب الأراء والتصريحات حول الإقتصاد السعودي من الإفلاس، إلى نقص الإحتياطيات المالية، إلى سعر صرف الريال، إلى أمور كثيرة، والصمت هو اللغة السائدة للحكومة. ينتشر مقال صاعق للدكتور حمزة السالم حول دحض كل ما تفضل به وزير الدولة محمد آل الشيخ، ولا تصحيح أو تصريح يطفيء الشكوك حول مستقبل الإقتصاد السعودي. يصفق البعض في الصحافة السعودية والإعلام الرسمي والرديف، ويهللون ويمدحون في رؤية 2030 ثم تخرج مقالات ودراسات في الداخل والخارج تشكك في كل ماقيل، والمسئولين عن الرؤية أو برنامج التحوّل الوطني لا يأبهون بكل ما يقال و “إذن من طين والأخرى من عجين” كما يقول المثل الشعبي. وليس هناك من مسئول يخرج، على الأقل، لتنوير المواطن البسيط العادي والرد على كل ما قيل أو يقال عن الرؤية، مما يعطي دلالة واضحة أن المواطن يقع في أدنى سلم الأولويات لدى وزارة الإقتصاد والتخطيط.

 

خلاصة القضية، نقول لأستاذنا وكاتبنا الجميل خالد الوابل: ذو العقل يشقى في النعيم بعقله *** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم. كم بودّي أن إستمع لأغنية فيروز “أسامينا” كل صباح، وأغنية محمد عبده “يازمان العجايب” كل عصر، وأشاهد نانسي عجرم في “أنا تعبانة” كل مساء، وأنصت لأم كلثوم في أغنية “أنا في إنتظارك” كل سهرة. لكن من يسمع ويشاهد ماجرى ويجري على الساحة الداخلية من تطرف وإقصاء وتكفير وتخوين وطائفية وعنف وإرهاب وفساد، وإستهتار وإهمال للمواطن الذي هو الركيزة الأولى واللبنة الرئيسية في جدر الأوطان، يُستفز فكره وقلمه حباً في الوطن. ومن يقرأ ويتأمل ويعرف غدر القوى العظمى وأحابيلها ومكرها وكيدها لا يقبل بتكرار الأخطاء فينزف قلمه أحرف وكلمات خوفاً على هذه الدولة الفتية المستهدفة. وكل عاقل ناضج يستذكر الماضي القريب وكيف تساقطت الأنظمة ومعها الدول، وكل نظام يقول “أنا غير”، يسرع للتحذير مما وقع فيه الغير.

 

أخيراً، ما يجري للسعودية في الداخل أو الخارج مرت به سائر الدول والأمم والشعوب، لكن العمود الفقري، والسر المركزي، للبقاء هو تقوية العلاقة بين الدولة والمواطن، وتبدأ بالمكاشفة والشفافية والمصارحة والمصالحة. المواطن السعودي ذكي ووفي، يتحمل أي شيء، ويعيش على الكفاف لو أضطر لذلك، هو يريد تواصل وشفافية يشعره بالإحترام والتقدير وأن كل المعاناة من أجله. ولذا، فأنا على إستعداد أن لا أكتب إلا مقال واحد في الأسبوع أو الشهر كما طلب مني أستاذنا خالد الوابل، أو لا أكتب مطلقاً، إذا إستطاع أن: (1) يوقف تسارع الأحداث؛ (2) يوقف العبث الذي يجري من بعض وزراء الحكومة؛ (3) يوقف الرفث الذي نسمعه من وزرائنا وسفرائنا أو أولئك الذي يسمون أنفسهم محللين في الإعلام؛ (4) يقنع ولاة أمرنا بأن لا ينشغلوا عنا ويتواصلون معنا مباشرة؛ (5) ويقنع أحد في الحكومة لشرح مايجري حولنا في الخارج، وما يجري بيننا في الداخل. ختاماً، أهدي أستاذنا الصديق الكاتب خالد الوابل أغنية الفنان لطفي بشناق التي يقول في مطلعها: أنا مواطن وحاير وإنتظر منكم جواب.. أما كاتب هذه السطور فسينتظر جواب وتوجيهات ونصائح الصديق خالد الوابل. حفظ الله الوطن.

 

كاتب سعودي
turadelamri@hotmail.com
@Saudianalyst

التعليقات