كتاب 11

01:04 مساءً EET

جموع تنجوا وفرقة تهلك

فى أى يوم من الايام لم أكن مرتاح لتصور الفرقة الناجية ، إذ يدخل فى هذا التصور مقولات أنه من بين جموع غفيرة من البشر ستكون هناك فرقة واحدة وحيدة ناجية، وأن البشر تتأصل فيهم الخسة والدنس ولا يقدر على التطهر من هذه الصفات سوى قِلة قليلة، وأن الجحيم للجميع إلا الفرقة الناجية وأن الجنة صغيرة جداً مقارنة بالنار، وأن الله – والعياذ بالله –  يقوم من قبل نفسه بعملية يوجينيا إجتماعية للوصول لحالة (( البشر الأفضل والأنقى)) ، وأن الله – جل جلاله – لم يخلق سيدنا  آدم على صورته (كما روى البخاري ومسلم فى صحيحيهما) وإنما خلق هتلر على صورته  ، إنني اُنكر هذا التصور جملة وتفصيلا، وهذه دواعي إنكاري:

وفقاً لقواعد و أصول الشريعة الإسلامية الغراء أن الاصل  في الإنسان براءة الذمة والفطرة النقية لقوله تعالى  ((" فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ"الروم:30)). كما أن هذا التصور ينتفي مع سُنة من سنن الله هي أن البشر، إلى يوم يبعثون في تعدد عرقي وإثني وقبائلي وأممي وثقافي وحضاري وشعبوي وديني وذلك مصداقا لقوله ((" وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ " يونس:99))، وقوله ".. لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً، وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم،ْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ، إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ" المائدة:48))، وقوله " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " (الحجرات:13))، وقوله " لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون "  الحج67 ((فلو كان الأصل أنه من بين هذا الكم الهائل الحتمي من التعدد ستكون النجاة لفرقة واحدة، فهذا يعني أن نسبة نجاة الواحد/ة منا، لو كنا مائة هي 1 من المئة، ولو كنا 7 مليار إنسان وإنسانة، كما هو الحال فيهم من الأديان والثقافات والحضارات والفرق ما لا يعد و يحصى، فهذا يعني أن نسبة نجاة الفرقة الواحدة لو فيها مليون إنسان وإنسانة، وبالقسمة على عدد سكان الكوكب، هي 0.001، أي واحد من كل ألف، وهو ما ينتج أن الله – تعالى عما يقولون – ما خلقنا إلا ليشقينا ويعذبنا!
وإذا كانت الفرقة الناجية هي التي تؤمن برسالة سماوية محددة، فهذا يستوجب إقامة الحُجة الدامغة على غير المؤمن بها، " ..سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ " (الملك:8)، ولا يتصور عاقل أن اُمة تركض في الفهم الخاطئ للدين والدنيا – كأمتنا – استطاعت إقامة الحُجة على باقي سكان الكوكب، وقامت بواجب النذير الحقيقي الذي يحاول إقناع الآخر برسالته، ولا يتصور أن الله العادل سيعاقب دونما معرفة مسبقة من المحكوم عليه بنص العقوبة وأسبابها. الأفضل أن نطور أفكارنا وحديثنا ومشاريعنا فى الخطاب والفكر الدينى بشكل عام ورئيسى  حتى لا تأتى جماعات ما انزل الله بها من سلطان لتشوه صوره الدين وتفسد فى الارض  وان نقدم الخطاب العصرى المتمدن والذى يظهر سماحه وتطور الاسلام وأن نتحدث عن الجموع الناجية، والفرقة الهالكة.

التعليقات