كتاب 11

02:37 مساءً EET

هل نجح أوباما فى خداعنا إلى هذا الحد؟

نجح الرئيس ترامب فى اختطاف ما بقى من السلطة للرئيس أوباما .. ذلك أنه أول رئيس منتخب يتصرف بكل هذا الكمّ من الحركة وهذا القدر من الحضور، بينما لايزال الرئيس الأمريكى فى السلطة.

( 1 ) لو أنَّ السيدة هيلارى كلينتون كانت الرئيسة لكان خروج الرئيس أوباما من البيت الأبيض صارخًا ومدويًّا.. ولكانتْ الأضواء المحيطة بالرئيس- الذى فاجأ أمريكا والعالم بالوصول ثم الصمود- بلا حدودٍ وبلا نهايةٍ.

لكن وصول الرئيس ترامب أطاح البريق وأطفأ الأضواء.. ووضع إدارة أوباما فى دائرة الاتهام. نَسَفَ ترامب الشكل الأسطورى الذى أراده أوباما فى صناعة صورته.. من فتح الستارة على مشهد حصوله على جائزة نوبل، ثم إغلاقها على مغادرةٍ باهرةٍ من البيت الأبيض.

وبغضّ النظّر عن السياسات المرتقبة للرئيس ترامب.. فإن مجمل التصريحات تشير إلى «إلغاء عصر أوباما».. حيث يمضى «الرئيس القادم» على سياسات ورؤى «الرئيس الحالى السابق» بممحاة.. من الصين إلى روسيا، ومن الناتو إلى الإسلام السياسى، ومن المال والاقتصاد إلى التأمين الصحى.

ربما لن يفعل ترامب ذلك تمامًا.. ولكن خطاب ترامب فى نهايات حكم أوباما.. ألغى حقبةً كاملة- وجعلها رغم وجودها- جزءًا من الماضى.. بل جزءًا من المأساة الأمريكية. وهكذا يخرج أوباما فى انكسارٍ ليواجه التاريخ.. فى ظروفٍ عاصفةٍ، وأجواءٍ عاتيةٍ.

( 2 ) كانت بداية الرئيس أوباما دافعةً للكثير من الأمل.. فهو ذلك المثقف الشاب الذى يحمل تراثًا إسلاميًّا وأفريقيًّا. ولقد استقبله العالم الإسلامى بقبولٍ صادقٍ.. وتقديرٍ جادّ. وأتذكّر أننى حين تلقيتُ دعوة من الرئاسة المصرية لحضور محاضرة أوباما فى قاعة الاحتفالات الكبرى فى جامعة القاهرة.. وجدتُ الأملَ فى عيون كثيرٍ ممّن قابلت.. من ساسة ومثقفين، ومن إعلاميين وفنانين.. كان الكلُّ يتطلّع إلى عصرٍ جديدٍ من السلام فى العالم العربى والإسلامى.

ولقد تعزّز ذلك الشعور عقب إلقاء الخطاب.. الذى لاقى ترحيبًا واسعًا.. وقد خرجتُ من الخطاب إلى استوديو قناة الحياة للتعليق والتحليل.. ولقد كان معظم ما قلتُ فى ذلك اليوم يحمل تقديرًا لرؤية أوباما لبلادنا وللمنطقة.

( 3 ) أشعر اليوم بحزنٍ شديدٍ.. ذلك أننى لم أتمكّن من القراءة الصحيحة للرئيس الأمريكى، وأن أفكارى فى هذا الصدّد اتسمّتْ فى حينها بالبساطة وعدم الدقّة.. ولم تخرج عن السائد فى تحليل المشهد وإدراك ما فيه.

كنتُ مخطئًا للغاية.. وكان كثيرون كذلك. ولا أعتقد أن علم السياسة فى بلادنا قد تنبّه إلى حقيقة رؤى أوباما.. ولم يظهر فى إنتاج أقسام العلوم السياسية ومراكز الدراسات ما يشير إلى الفهم الصحيح فى تلك الأثناء.

لقد بدأنا ندرك تدريجيًا بعد ذلك.. ولكن أحداث ثورة 25 يناير وما بعدها.. وما حولها من موجات التغيير العربى كانت كاشفة على نحو حاسم.. لما لم نرَ فى الفكر السياسى الأمريكى فى عهد أوباما.

( 4 ) لم تكن هيلارى كلينتون مع إسقاط مبارك، كما أنها ليست صاحبة أطروحة «الفوضى الخلاقة» ومعظم ما يُنشر حول مذكراتها باللغة العربية على صفحات الفيس بوك وعبر خاصية الواتس آب.. هو غير صحيح، لم يأتِ فى مذكراتها ولا فى أىٍّ من أحاديثها. والترويج له جزء من حرب نفسيّة مضادّة لمواجهة حرب نفسية هدّامة تواجه المنطقة.

لكن هيلارى التى لم تكن كذلك.. سرعان ما انضمت إلى هذا الفكر الذى لم تكن هى جزء منه فى السابق.. ليصبح البيت الأبيض والخارجية معًا فى خريطةِ طريقٍ صادمةٍ.. لتخريب الدولة والمجتمع فى العالم الإسلامى.. ولتصبح حركات الإسلام السياسى المتطرفة ذات حظْوةٍ لدى أشخاصٍ ودوائر «لا تحبّ» الإسلام ولا «رسالة الإسلام».. و«لكنها تحب» الإسلام السياسى و«تنظيمات الإسلام السياسى»!

( 5 ) الصافى إذن.. أن الرئيس أوباما قد خَدَعَنَا، وأن خطابه فى جامعة القاهرة لم يكن صادقًا. وعلى الرغم من الخطاب الصّادِم للرئيس ترامب بشأن المسلمين.. إلّا أن إمكانية الوصول إلى صيغة أفضل للعلاقات الإسلامية- الدولية قد تكون أقوى مما كانت فى عهد الرئيس الذى وُلِد لأب مسلم وعائلة مسلمة.

كان أوباما شخصًا خادعًا حقًّا.. هذه حقيقة. ولكن الجانب الآخر من الحقيقة هو عندنا.. نحن أمّة بلا رؤية ولا حكمة.. ولا يُفيد فى طريقة أدائنا أن ندرك حجم المخططات ولا تفاصيل المؤامرات.. وكل ما يُكتب ويُنشر ويُذاع حول المخاطر التى تحيقُ بعالمنا العربى والإسلامى.. على مستوى الوجود والحدود.. لا قيمة له.

لقد أصبحت أمتنا بعضها لبعضٍ عدو.. العرب ضد العرب، والمسلمون ضد المسلمين.. وهذا يكفى. مِثلُ أُمَّتنا لا تحتاج إلى أعداء.. هى عدوة لذاتها.. ولو لم يكن هناك أوباما.. لاخترعناه!

هذه ليست سطور فى فقه الأسَى.. ولكنها مقدمةٌ فى فقه الوعى.

حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر

التعليقات