كتاب 11

10:19 صباحًا EET

تضارب الأوليات بين السعودية ومصر

كم تفاءلت الأمة العربية خيرا عندما قامت ثورة 30 يونيو في مصر التي وقفت السعودية بجانبها بكل قواها سياسيا واقتصاديا في ظل تفكك الروابط العربية. لكن سرعان ما تلبدت الغيوم في الأجواء بين مصر والسعودية الآن. فإن الأزمة السياسية بين السعودية ومصر تفرض على البلدين بالاعتراف والمصارحة بأن هناك مشكلة لكي يمكن تشخيصها ومن ثم وضع النقاط لحلها. هذا أفضل من الإنكار والتغطية لأن ذلك سيعطي مجال للإشاعات والتحاليل الجوفاء التي تصدر سواء من الإعلام الجديد أو التقليدي والذي سيزيد الفجوة بين البلدين.
إن الفجوة الأساسية بين البلدين في نظري هي في الأوليات التي تتعلق بالأمن القومي للبلدين. مصر ترى أن التهديد لأمنها القومي متمثل بالجماعات الإسلامية وخاصة الإخوان المسلمين الذي عانت منهم الدولة المصرية والشعب خلال حكمهم المشؤوم بعد ثورة 25 يناير ومازالت تداعيات حكم الإخوان لتلك الفترة مستمرة إلى الآن. أما السعودية فإن التهديد الأساسي لأمنها القومي متمثل بهيمنة النظام الإيراني على المنطقة وبالتحديد على أربعة عواصم عربية كما اعترف النظام بنفسه. هذا التهديد لم يكن وليد اللحظة بل هو منذ اندلاع ثورة الخميني عام 1979 التي أشعلت الفتنة الطائفية وعدم الاستقرار في الخليج والمنطقة من خلال زرع الميليشيات المسلحة والتدخل في شؤون دول الجوار إلى يومنا هذا. هذا التدخل وصل لدرجة حرق السفارة والقنصلية السعودية في إيران، 2 يناير عام 2016 بسبب إعدام السعودية لـ 47 شخصاً على علاقة بالإرهاب والذي من ضمنهم رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر وهو الذي تم التركيز عليه من قبل النظام الإيراني.
إن اختلاف الأوليات في الأمن القومي بين البلدين متمثل بشكل كبير في الوضع السوري، فكل دولة تنظر للشأن السوري من خلال منظورها الخاص. مصر ترى أن البديل لبشار الأسد هي الجماعات الإسلامية وبالتحديد الإخوان المسلمين وهذا سيمثل خطرا كبيرا على استقرار مصر. أما السعودية في الجهة المقابلة ترى أن انتصار الأسد يمثل انتصارا وهيمنة أكبر للنظام الإيراني في المنطقة بما يهدد أمنها القومي. الذي زاد هذه الفجوة والجفاء بين البلدين هو تصويت مصر في مجلس الأمن الدولي لصالح مشروع القرار الروسي حول الوضع في سوريا. فقد وصف المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة عبد الله المُعلمي تصويت مندوب مصر لصالح مشروع القرار الروسي، بالمؤلم. وقال المعلمي: “كان مؤلما أن يكون الموقف السنغالي والماليزي أقرب إلى الموقف التوافقي العربي من موقف المندوب العربي (المصري).. ولكن أعتقد أن السؤال يُوجه إلى مندوب مصر”. بعد ذلك التصويت اتضح أن هناك أزمة تواصل كبيرة بين البلدين وكل دولة غير مدركة بالخطر الذي سيلحق بالدولة الأخرى وكأنهما قطبين متنافرين.
على الدولتين أن تدركا أن المسألة أكبر من بقاء الأسد أو سقوطه، بل المشكلة تكمن بتكالب دول الجوار الغير عربية المتمثلة في إيران وتركيا واستغلالهما لانعدام الثقة بين البلاد العربية خصوصا في غياب أي دور فعال للجامعة العربية. من المحزن أننا نعيش في زمن أصبحت ثقة العراق حكومة ومجموعة من الشعب في النظام الإيراني أكبر من ثقته في الدول العربية وكذلك في سوريا واليمن ولبنان. ففي سوريا مثلا نجد أن نظام الأسد يثق في النظام الإيراني أكثر من الدول العربية ونجد أيضا أن غالبية المعارضة السورية تثق في نظام أوردغان أكثر من الدول العربية. هنا تكمن المعضلة أنه لا توجد دراسة تحليلية علمية توضح أسباب غياب الثقة التي أعطت الفرصة الكاملة لدول غير عربية بالسيطرة على وضع تلك البلاد.
على القوتين العربية (مصر والسعودية) أن تدركا لا سقوط الأسد سيخدم السعودية ولا انتصار الأسد سيحمي مصر. فلو سقط الأسد وحلت محله جماعات متشددة كجماعة الإخوان فهذا سيمثل أكبر تهديد لأمن السعودية والخليج كما أن الإخوان أثبتوا أنهم متحالفين مع النظام الإيراني وقد شاهدنا ذلك أيام حكم الإخوان في مصر وتونس. أيضا لو انتصر الأسد من خلال تحالف النظام المصري مع إيران ونظام الأسد فهذا أيضا لن ينفع مصر. فكيف ينسى النظام المصري تحالف إيران مع الإخوان وقد شاهدنا ذلك عندما زار رئيس إيران السابق، محمود أحمدي نجاد، مصر تحت حكم الرئيس الإخواني المخلوع، محمد مرسي، في أول زيارة يقوم بها رئيس إيراني للبلاد منذ ثورة الخميني. وهذا تم في الوقت الذي دعمت به السعودية الشعب المصري ضد حكم الإخوان وأخذت موقفا مؤيدا لثورة 30 يونيو عكس موقف النظام الإيراني تماما. هنا نرى الفرق في المواقف بين السعودية والدول الغير العربية في المنطقة. فالنظام الإيراني يرى أن أنظمة دينية موالية له حتى لو سنية سيدعم أجندته التوسعية وحكمه الثيوقراطي في بلاده ونظام أوردغان يرى أن وصول الإخوان للحكم سيكون امتدادا للخلافة الإسلامية وإحياء لعصر الامبراطورية العثمانية. الدول العربية بالنسبة لهما مجرد أدوات لتنفيذ تلك الأجندات والهيمنة، فالتنسيق منظم جدا بين البلدين، كما نراه في اجتماع موسكو بين إيران وتركيا وروسيا في اجتماع 20 ديسمبر، في حين الخلافات مشتعلة بين الدول العربية.
في ظل هذه الظروف الصعبة وغياب التواصل والتفاهم لا بد من compromise أو ما يسمى بالحلول الوسط وهذا لن يتم بدون تكوين لجنة تواصل بين مصر والسعودية تبحث في المواضيع التالية:
• الكف عن المكايدة السياسية فلا وقف منح التأشيرات للمصريين سيخدم السعودية ولا إحراج السعودية في المحافل الدولية سيخدم مصر.
• الكف عن الردح الإعلامي الذي يشعل الفتن بين البلدين فوضع البلاد العربية الأمني لا يحتمل تلك الانشقاقات بين دولتين كبيرتين باسم الحرية الإعلامية.
• تأجيل أي مواضيع هامشية والتركيز على المواضيع الكبيرة المتعلقة بالأمن القومي. موضوع مثل جزيرتي تيران وصنافير طرحه ليس في وقته أبدا فالوضع بين البلدين لا يحتمل مواضيع هامشية تؤجج المواقف الكبيرة.
• الإدراك بأن هناك أزمة ثقة كبيرة بين الدول العربية وحلها لن يكون بسقوط نظام في دولة عربية أو انتصاره بل يجب معرفة ماهية أسباب عدم الثقة وحلها لإبعاد أي جسم غير عربي (إيران وتركيا) في التدخل بالشؤون العربية مستغلا تلك الفجوات لمصلحته.
• إدراك خطر عدم سد فجوة الخلافات وانعدام الثقة بين الدول العربية سيمكن الاستعمار من العودة للدول العربية لكن هذه المرة بترحاب من الحكومات والشعوب العربية في آن واحد.
إن تشخيص الأزمات بطريقة عقلانية هي الطريقة المثلى لحلها، فالمنطقة تحت بركان ساخن والوضع لا يحتمل أبدا مراهقة سياسية بين أكبر دولتين في المنطقة. فلا مكان هنا للمراهقين والانتهازيين فنحن نحتاج لكل عقل راشد في هذه الأوقات العصيبة.

التعليقات