كتاب 11

03:16 مساءً EET

«السلام» مسؤولية الجميع

< عندما نتحمّل مسؤولية أنفسنا من دون أن نسقطها على الآخرين، ومن دون أن نكون رد فعل، ومن دون أن يتملكنا الغضب والانتقام، عندها نكون أحراراً لا تقيدنا أُطر قديمة أو اعتقادات مشوشة أو تبعية عمياء.

الحرية ليست شعاراً يرفع أو عبارة تكتب، الحرية الحقيقية التي لا ترجو من أحد أن يتبعها لمجرد اسمها، الحرية تولد في نفوس أدركها الوعي والمعرفة والحكمة في توازن بين النفس والحياة بالمجمل.

الحرية تفرد نفوذها عندما تكون هي الرمز الأول بأنها لا تفرض نفسها علينا، بل بذكائها تكون الأنموذج الفعلي والحي في احترام الإنسانية في كل مجالاتها، تؤمن بالعدل والمساواة وتنبذ القيود وأهمها قيود الفكر، فهي تؤمن بمبدأ الحرية الشخصية في كل شيء طالما لم تتعد حدود الآخرين.

لكن بعضنا فشل ولم تهدأ نفسه إلا أن تكون تابعة لأفكار مشوشة، بل أفكار انتحارية لم تفكر إلا بأنانيها في بث سمومها التي اتصفت بالكره والانتقام ورد الفعل الخاطئ تماماً، مما جعلت العالم أكثر سوءاً وغضباً وكرهاً ووجعاً وألماً.

ما حدث في انفجار تركيا الأخير وغيرها من دائرة الدم التي ما أن تتوقف في مكان حتى تعاود الظهور في مكان آخر، من حروب أو انفجارات لم تكن عبثية الظهور، بل مرتبة ومنظمة من عمليات تخطيط فكرية مدمرة للإنسانية، وهي الأساس في بث سموم معتقداتها من حقد وغضب ورد فعل راح ضحيته أعداد كبيرة من البشرية لم يكن لهم دور في مسرحية الحرب الكبيرة غير أنهم ضحايا.

وعلى رغم كل ما حدث، لدينا أيضاً دور أساس بألا ننصاع خلف قوى الدمار أو الظلام في بث الكراهية، أو أن نكون بائسين ومحبطين ونتوقف عن دورنا الإنساني العظيم، وهو التحدي وتحمل المسؤولية التي تقع اليوم على عاتقنا نحن أيضاً، بحيث لا نقف متفرجين.

علينا أن ندرك كمية هذا الدمار المنتشر في أنحاء العالم كله، ألا وهو الجهل في قيمة الإنسان والأيمان بحريته وأنه لم يخلق للاستعباد أو التلاعب فيه كل بحسب هواه، لا بد أن ندرك أن الأرض تخص الجميع من دون استثناء، وكل منا له دور مهم وإن بدا صغيراًً.

لا نريد أن نردد سياسة كذا وجماعة كذا، فلقد سأمنا من اللوم والعتب والتنظير، إن كان هناك تغير حقيقي فهو من داخل أعماقنا نحن في بث روح السلام مع أنفسنا أولاً، النفس المسالمة تكون واعية بما يدور من حولها من أفكار متطرفة أو عدائية للآخر، لذا تجدها لا تنجرف خلف هذه الجماعات التي ضيعت طريقها وأصبحت تبحث عن ضحاياها لتحيا على جثثهم حتى لو كانوا أحياء، لذا تجدهم يغيبون العقل والتفكير ويزرعون في العقول الأوهام.

الخوف ليس ما يحصل فقط من انفجارات ملموسة ومشاهدة ومادية، الخوف من الجهل في الغرق أكثر في الكره والغضب التي لا تصنع غير الفرقة حتى بين الفئة الواحدة، من هذه الثغرات يخترق الشر والفكر المتطرف عقول ضحاياه.

الوعي أن ننشر ثقافة السلام والمحبة بيننا، يكفي تبعية للتعصب والانفعالات الوقتية التي ما تظهر حتى تختفي بسرعة كالبرق.

الوعي بتأمل الأحداث ومحاولة تصليح الداخل سواءً أكانت معتقدات خاطئة أم أفكارا مدمرة أم انفعالات وقتية، وأن يتحمل الكل في هذا العالم المسؤولية في نشر الوعي في احترام بعضنا، والتخلص من «فكرة» أننا نحن من يمتلك الحقيقية أو الصواب وحدنا، فحقيقة الأمور لا تظهر كما هي، إذ كل منا له حقيقته الخاصة، لكن الأهم أن ندرك أننا جميعاً نعيش على أرض واحدة، لذا لا بد أن نفكر كيف نعيش مع بعضنا بسلام.

لنبدأ نحن كأفراد كل من منبره ونفسه وبيته في إفشاء الأفكار الإيجابية، وعدم الخوض في عمليات الانتقام حتى لو كانت مجرد فكره، لأنها ستنعكس على أبنائنا وشبابنا، تسلب طاقتهم وفكرهم وتجعلهم رد فعل مدمر، علينا أن نحول المسار إلى التركيز على البنية التحتية في منهجية معتدلة متسامحة محبة لا تحريض وانتقام، وهذا دور الجميع في إرجاع الأفراد إلى طبيعتهم الإنسانية ونزع الخوف والتذبذب الذي يعيشونه، إذ لا يخفى على أحد القلق والتوتر الجمعي الذي تعاني منه مجتمعات اليوم.

السلام يأتي عندما ندرك جذور التطرف والبغض ونبذها من منبتها ومنبعها، هنا نستطيع أن نحيا بسلام. لا يكفي فقط أن نشاهد النتائج ونلوم الحظ والظروف، بل مواجهة كل تلك الأفعال بمنطق وعقلانية لنحمي أنفسنا ومجتمعاتنا الإنسانية.

هل ندرك ماذا يعني التبادل والتكامل والتعاون؟ هل ندرك ماذا يعني الحب والمحبة؟ هل ندرك ماذا يعني تهذيب النفس وقمع التجبر والتملك والكره؟ هذا هو دور كل واحد منا ألا نتنصل من المسؤولية. يجعلني أتساءل: ماذا لو قام كل فرد بدوره المطلوب من دون أن يمعن النظر في سلبية أو كره الآخر؟ أترانا سننجح؟

التعليقات