آراء حرة

11:24 صباحًا EET

ناصر بن تركي يكتب: أمريكا، الحليف الاستراتيجي للسعودية، ولكن ؟

لطالما كانت العلاقات السعودية الأمريكية قوية وقائمة على الثقة والمصالح المتبادلة إلى أن حدثت تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر والتي خططها ونفذها ارهابيون يحملون الجنسية السعودية في محاولة بائسة لتقويض العلاقات بين البلدين ولكن السياسة السعودية الحكيمة أفشلت كل مخططاتهم، وبعد دخول الولايات المتحدة للعراق للقضاء على نظام صدام حسين المعادي لحلفاء أمريكا في الشرق الأوسط وأيضا لإتاحة الفرصة لشركات النفط العالمية للاستثمار في خامس احتياطي نفطي في العالم،”كتبت مقال سابق عن استراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط”، استغلت التيارات المتطرفة هذه الفرصة لكي تبث سمومها من جديد و تحرض المواطنين على الذهاب للجهاد في العراق، حتى لا تكاد تجد مواطن سعودي إلا وله قريب أو زميل أو جار، ذهب للجهاد في العراق عبر سوريا وبدون علم الحكومة السعودية، في تلك الأثناء أخذ شيعة العراق موقف المتفرج ولم يشاركوا في قتال الأمريكان، وفي المقابل استبسل السُنة في القتال وكان النظام السوري خير حليف للمقاتلين حيث سهل النظام السوري دخول المجاهدين القادمين من جميع دول العالم نصرةً لإخوانهم بالأموال والأنفس مما ساعد على استنزاف الجيش الأمريكي، وخلال سنوات استطاعت الاستخبارات “السورية/الروسية” أن تشكل خلايا سنية منظمة ومزودة بـ الألغام والسيارات المفخخة، تسمت لاحقا ب”داعش” كما فعلت أمريكا سابقاً مع الاتحاد السوفيتي في الشيشان  وأفغانستان “القاعدة” ولكن مع اختلاف الأدوار، وكالعادة تم استغلال دماء السُنة في حرب كافرة لا شأن لهم فيها.

تكبدت الولايات المتحدة  الأمريكية خسائر تقدر ب 2 تريليون دولار وما يزيد عن 4000 قتيل و 32000 الف مصاب، وبعد سنوات من الحرب أدركت الإدارة الأمريكية أن  التحالف مع الشيعة هو الأسلم لتجنب المزيد من الخسائر، وفعلاً تم تسليم العراق لإيران وفق شروط تخدم المصالح الأمريكية، ورحّب الإيرانيين بالاتفاق وتم إغلاق الحدود السورية على المرتزقة، وبعد ذلك بدأت أمريكا في العمل على إطلاق يد شركات النفط العالمية في العراق ولكن البرلمان العراقي “الذي لم يشارك فيه السنة بطبيعة الحال” أصر على ضرورة وجود شركات عراقية تعمل كوسيط بين الحكومة العراقية والشركات العالمية، فاعترضت الإدارة الأمريكية في بداية الأمر ولكن بعد أن تبيّن حجم الفساد في الشركات العراقية أصبحت الفرصة ملائمة لجني المزيد من الأرباح، دون أن تتحمل الشركات العالمية أي مسؤولية قانونية.

اليوم في العراق 22 شركة نفط عالمية و12 قاعدة عسكرية تضم أكثر من أربعة آلاف جندي أمريكي وحسب مراقبين غربيين، ضباط وجنود الحرس الجمهوري الإيراني يشاركون القوات الأمريكية “قاعد التقدم” كما يقوم الجيش الأمريكي بتدريب المتطوعين العراقيين للانضمام  للجيش العراقي وربما للحشد الشعبي ايضاً.

السؤال المهم: من المستفيد من استعداء أمريكا ضد السعودية ؟
وهل يعي دعاة التيارات المتطرف حجم الكارثة الإنسانية التي ستحدث لو أعلنت أمريكا الحرب علينا !

هناك معضلتين تحولان دون تحسّن العلاقات السعودية الأمريكية

المعضلة الأولى، معضلة فقهية:
وتكمن في الاعتقاد الجازم “من قِبل شريحة عريضة في المجتمع السعودي” ان امريكا دولة كافرة ومعادية للإسلام، وهذا الإعتقاد بحد ذاته يقوّض كل العلاقات بين البلدين ويخدم مصالح التيارات المتطرفة “هنا وهناك”، مع العلم أن التعديل الأول للدستور الأمريكي الذي صدر عام 1791م يقر حرية العبادة ويحظر التمييز بين الناس على أساس عقائدهم، بالاضافة الى ان عدد المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية 3 مليون مسلم تقريباً، يتمتعون بكامل حقوقهم الدينية، وهذا ما لا يفهمه أتباع نظرية المؤامرة ودعاة التكفير، وللخروج من هذا المأزق الفقهي نحتاج لمراجعة موروثنا المذهبي، وتعطيل العمل بكل الروايات التي تتعارض مع كتاب الله والتي تدعو للتكفير والكراهية والعدوان، والمنسوبة ظلماً وبهتاناً لرسولنا في كتب التراث،
يقول تعالى
“لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين”
“وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين”
“وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”
“وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”

المعضلة الثانية، معضلة سياسية:

في البداية لا بد أن نعترف أن بُنية النظام السياسي من أهم العوامل التي تساعد على تقوية التحالفات بين الدول، ففي أوروبا على سبيل المثال استطاعت الأنظمة الديمقراطية أن توحد  بين شعوب تختلف في اللغات والمذاهب والأعراق، متجاوزين بذلك كل الفروقات ومآسي الماضي، كذلك مجلس التعاون الخليجي ساعد في نشأته، تشابه الأنظمة السياسية في تلك الدول ولم يتم ضم العراق للمجلس لان نظامه السياسي مختلف عن بقية دول الخليج، مع أن العراق بلد مُطل على الخليج العربي، لذلك علينا كسعوديين وخليجيين، أن نبادر بتغيير بنية الأنظمة السياسية في دولنا حتى نقدِّم صورة  حضارية عن أوطاننا وشعوبنا، ف السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، وبما أننا نتحدث عن العلاقة السعودية الأمريكية فلا يمكن أن نكون حلفاء حقيقيين لنظام ديمقراطي إلا إذا حولنا بُنية النظام السياسي عندنا إلى بُنية ديمقراطية كما فعلت الاْردن والمغرب، وهذا ما تسعى إليه معظم دول الخليج، اقول لا يمكن أن نكون حلفاء، لان المواطن الأمريكي لا يرضى أن ينتخب رئيس يقدم مساعدات لدولة يحكمها دكتاتور مستبد بالرأي، ولكن عندما يعلم ذلك الناخب الأمريكي “أو الأوربي” أن تلك الدولة فيها برلمان منتخب وتداول للسلطة وأحزاب معارضة، أجزم أنه لن يعارض التقارب وتقوية العلاقات الاقتصادية والسياسية وهذا ما فعلته وتفعله إسرائيل، لذلك علينا الإسراع نحو المملكة الدستورية وتقديم نموذج سعودي يحتذى به في منطقة تعج بالاستبداد والظلم والتخلف.
الوطن أمانة

ناصر بن تركي
كاتب سعودي

التعليقات