كتاب 11

02:13 مساءً EET

«أسر التوحد».. أين نحن عنهم؟

تعاني الأسر التي لديها طفل توحدي من غياب المسؤولية المجتمعية نحوها، ولا يخفى على أحد كيف أن هذا المرض يتطلب الجهد والمعونة النفسية والمعنوية، وأيضاً المادية التي أرهقت الكثير من الأسر، والتوحد هو اضطراب النمو العصبي، يصيب من 1 – 2 من كل 100 فرد في أنحاء العالم، وهو مرض وراثي ما زال مجهول السبب، وتكمن مشكلته في عدم قدرة المتوحّد على التفاعل الاجتماعي، ولا التواصل اللفظي وغير اللفظي، ما يجعله في عزلة وانفصال تام.

تبدأ مؤشرات مرض التوحد منذ السنوات الأولى، إذ يلاحظها الأهل في تأخر النطق أو المشي أو عدم التواصل البصري، وعند الكبر يلاحظ زيادة النشاط الحركي وعدم قدرته على اللعب والاحتكاك مع الأطفال الآخرين، كما يفضّل الانطواء والعزلة على نفسه. لذا، تحتاج الأسر إلى تشخيص دقيق منذ البداية، فكلما كان التشخيص مبكراً كان أفضل، وهذا يعني أننا بحاجة إلى مراكز متخصصة ومتوافرة للجميع، لكننا للأسف نعاني قلة المراكز والمتخصصين والمدربين. وهنا يأتي دور المؤسسات الحكومية ذات العلاقة بأن تعطي هذه الفئة ما تستحق من الاهتمام والرعاية، ولا يخفى على أحد كيف أن هذه الأسر تعاني الأمرين:

أولاً: مرارة الطفل التوحدي الذي يعيش معها ويستقطع معظم وقتها بالاهتمام والرعاية، والتي تكون على مدار الساعة، فالتوحدي لا يُترك بمفرده لأنه لا يدرك مدى خطورة الأشياء حوله، فربما يؤذي نفسه من دون أن يشعر، فلنتخيل معاناة هذه الأسر وما تبذله من معاناة وجهد وطاقة نفسية وذهنية وجسدية تطاول جميع أفرادها، والتي ربما تكون على حساب رعايتهم هم أيضاً فيتأثرون بذلك لعدم الاهتمام بهم، لأن الوالدين سيكونان معظم وقتهما مع الطفل التوحدي وهما مجبران على ذلك، وأيضاً سيتأثر الوالدان في حياتهما العاطفية والاجتماعية، لأن شبه معطلة، كما يلجأ البعض منهم لتخفيف ساعات العمل لكي يكرس معظم وقته مع الطفل التوحدي. لذا، ألا يحتاجون منا كجهات مسؤولة أن نقف معهم ونخفف معاناتهم في توفير مراكز مؤهلة ومتخصصة لمرض التوحد وتجيد بمهارة عالية تطبيق آليات واستراتيجيات معالجة التوحد؟ وهذا يتطلب برامج متطورة تحاكي تجارب المراكز العالمية التي أثبتت نجاحها في تحويل العديد من حالات التوحد من اعتمادهم على أسرهم إلى الاعتماد إلى حد ما على أنفسهم في المأكل والملبس واستخدام دورات المياه بمفردهم مع مراقبة الأهل من بعيد، ومساعدة أسرهم في تثقيفهم وتدريبهم في كيفية تعاملهم مع الطفل التوحدي وتخفيف معاناتهم النفسية والقدرة على التكيف.

ثانياً: التكاليف الباهظة الثمن التي لا تستطيع أغلبية الأسر دفعها، ما يضطر بعضهم لترك الابن في المنزل من دون برنامج تأهيل خاص به، هذا يعني أن هناك انتكاسة للتوحدي تزيده عزلة واكتئاباً ووحدة، واعتماده الدائم على الآخرين.

توجد مراكز للتوحد في دبي ومصر والأردن، لما لا نستفيد من خبرتهم ونحن نمتلك كل الإمكانات المادية والبشرية والعقلية في إنشاء مراكز متخصصة بحسب الحاجة على مستوى المملكة؟ لكننا للأسف لم نمتلك الوعي الإنساني أو كيفية التخطيط وتوزيع المهام في تلبية حاجات الآخرين. نحتاج إلى مراكز متخصصة على مستوى المملكة يتوافر بها متخصصون ومدربون، ولدينا في الجامعات تخصصات كمسار التوحد، مهم توظيفهم وتوزيع مهامهم على هذه المراكز، مع استقطاب مدربين وممارسين مؤهلين من الخارج لتأهيل من يقومون بهذه الأدوار لتعم الفائدة بدقة وبطرق علمية مدروسة، وألا نجعلها في أياد غير متخصصة تزيد الأمر سوءاً.

هذا يجعلنا نطرح سؤالاً، لماذا نذهب إلى الخارج لعلاج مرضى التوحد وهو مكلف مادياً ونحن قادرون على إنشاء مراكز على أعلى مستوى وأفضل تدريب؟ لماذا تعاني بعض الأسر منذ سنوات من مرض التوحد؟ ومن يتحمل مسؤوليتهم وتخفيف معاناتهم؟ وهل نحتاج أن نمر بتجربتهم لكي نقدر معاناتهم؟

قيمة الإنسان في تقديره واحترامه وتحمل كل منا مسؤولية ودوره في إظهار معاناتهم للملأ.

التعليقات