كتاب 11

11:58 صباحًا EET

مشكلة طيران الخليج والاقتصاد البحريني

في عام 2006 كنت أتناول الغداء في مدينة دبي مع رئيس تنفيذي لأحد البنوك العالمية وكان يحدثني عن قرار البنك فتح مقر إقليمي لهم لمنطقة الشرق الأوسط في دبي. فسألته عن سبب عدم اختيارهم البحرين مقرا إقليميا لهم بما أنها معروفة كوجهة البنوك والمصارف العالمية في منطقة الشرق الأوسط بسبب توافر التشريعات والقوانين المناسبة لهذا القطاع ووجود بنك مركزي يحتل مكانة مرموقة (وقتها كان يسمى مؤسسة نقد البحرين) ووجود الكوادر البشرية البحرينية المؤهلة في هذا القطاع بالإضافة إلى انخفاض تكاليف المعيشة مقارنة بدول أخرى.
وكان جوابه على هذا السؤال واضحا جدًا، فقال: «أتفق تمامًا معك، وكان هذا فعلا ما توصلنا إليه عند مناقشاتنا، ولكن السبب الوحيد الذي جعلنا نقرر ان يكون مقرنا الإقليمي في دبي هو طيران الإمارات وما توفره من سهولة الوصول إلى العديد من المدن المهمة بالنسبة إلينا مثل نيويورك والعديد من المدن الأوروبية والآسيوية. بالنسبة إلينا اصبح من الممكن أن نعقد اجتماعا في دبي ونرجع إلى نيويورك من غير أن نضيع الوقت في التنقل بين مطارات ومدن أخرى، ومن الممكن أن يأتي إلى الاجتماع في دبي موظفو البنك من مختلف المقرات الإقليمية في أوروبا وآسيا برحلات مباشرة ثم العودة مباشرة إلى مدنهم من غير أي تعطيل».. انتهى كلامه.
إذًا تعتبر شركات الطيران عنصرا أساسيا للنهوض بأي اقتصاد وشريان رئيسي للاقتصاد، ومن غيره لا يصل الدم إلى القلب فيتوقف عن النبض ويفارق الحياة. بذلك بات من الضروري ان نغير العقلية التي ننظر من خلالها إلى طيران الخليج كعبء على الدولة، وإما أنها تحقق أرباحا أو أن نغلقها!!
صحيح أنها في السنوات العديدة الماضية لم تدر بالشكل الصحيح وفقدت مكانتها الدولية كأحد أهم شركات الطيران في العالم تميّزا وانتشارًا وكذلك استنزفت ميزانيات ضخمة لم تحسن توظيفها، ولكن هذا لا يعني ان نقطع الشريان ان كان ينزف، بل على العكس يجب معالجته عن طريق إيقاف النزيف ومن ثم توسعة الشريان لكي يصل الدم إلى القلب بسهولة.
الإدارة الحالية لطيران الخليج قامت بجهود ملحوظة تشكر عليها مثل تحسين سمعة الشركة في الالتزام بالمواعيد وإقلاع رحلاتها على الوقت، وكذلك قللت من النزيف البالغ الذي كانت تعانيه الشركة، ولكن من الضروري ان تركز طيران الخليج على دورها في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للاقتصاد البحريني وهذا لن يتحقق فقط من خلال البحث عن خطوط مربحة لها كشركة مثل النجف ولكنها لا تفيد الاقتصاد، إنما عن طريق التوسع بفتح خطوط دولية إلى المدن المهمة مثل زيورخ، جنيف، روما، ميلان، ميونخ، نيويورك، سنغافورة، بكين.. الخ.
هذه هي المدن التي يحتاج الاقتصاد البحريني إلى الانفتاح عليها سواء عن طريق سهولة وصول التاجر البحريني ورائد الاعمال للبحث عن فرص تجارية يجلبها إلى البحرين أو سهولة وصول المستثمر أو السائح من هذه المدن إلى البحرين. فعن أي سياحة نتكلم ونحن لا يستطيع الوصول إلينا بشكل مباشر إلا عدد محدود جدًا من المسافرين من مدن معينة.
فهيئة البحرين للسياحة والمعارض تقوم بجهود جبارة ورائعة، ومؤخرًا وقعت اتفاقية مع شركة Aviareps للترويج للبحرين في ألمانيا، النمسا، سويسرا والصين لحث السياح الأوروبيين والصينيين على زيارة البحرين، ولكن هذه الجهود يجب أن تلقى الدعم اللوجستي الذي يزيد من إمكانية نجاحها، فحتى لو رغب السائح الأوروبي أو الصيني بزيارة البحرين فسيحتاج للذهاب إلى مدن واقتصادات أخرى يستفيدون منه قبل وصوله إلى البحرين!
منذ الازل كانت أهمية الموقع وسهولة الوصول إليه من أهم مقومات الازدهار والتنمية مرتبطة به بشكل مباشر فنرى الدول العظمى تنشر أساطيلها البحرية لحماية تجارتها الدولية وقبلها كان ما يعرف «بطريق الحرير» سببا لازدهار وانتعاش العديد من المناطق التي كان يمر عليها هذا طريق. فصناعة الحرير بالصين كانت موجودة منذ أكثر من 3000 سنة قبل الميلاد لكنها لم تنتشر وتزدهر إلا مع نشأة طريق الحرير وربطه بين الشرق والغرب. وكذلك الحال بالنسبة إلى «طريق البخور» الممتد من سواحل اليمن إلى شمال البحر المتوسط فكانت البضائع تمر عليه كمعبر تجارة دولي للشرق والغرب.
ففي هذا العصر أصبحت المواصلات هي البنية التحتية الاساسية لأي خطة اقتصادية وعنصر رئيسي لنجاحها، فزادت أهمية شركات الطيران على السبل التقليدية في التنقل مثل السفن البحرية والطرق البرية. لذلك يجب أن يكون دور طيران الخليج كناقل وطني لمملكة البحرين حيويا ومصيريا في دعم الاقتصاد والتجارة والسياحة في البحرين لا عن طريق تحقيق ربحية مباشرة، فلا تكاد توجد اي شركة طيران عامة مربحة، ولكن عن طريق تسهيل الوصول من وإلى البحرين من غير المرور على اقتصاد آخر لدولة أخرى في الطريق. فبذلك نكون قد قطعنا شوطا طويلا لدعم اقتصادنا وتعزيز فرص ازدهاره ونموه، وعندها يكون للمصانع التي نشيدها فرص أفضل لتصدير بضاعتها (فلم يعد التصدير عن طريق البر والبحر يكفي للمنافسة) ويكون للمواقع والبرامج السياحية التي نقوم بها فرص نجاح أكبر، وهكذا نستطيع فعلا أن ننفذ الخطط والاستراتيجيات التي تضعها الدولة للنمو الاقتصادي والتنمية المستدامة بعد ان توفر لها البنية التحتية المناسبة.
بقي ان نذكر ان عدد الوجهات التي تذهب اليها طيران الإمارات بشكل مباشر هي اكثر من 120 وجهة حول العالم والعديد منها أكثر من رحلة في اليوم الواحد وتمتلك أسطولا يفوق الـ200 طائرة، وفِي عام 2008 قامت بنقل اكثر من 21 مليون مسافر وحوالي 1,3 مليون طن من الشحنات. في حين لا تتجاوز الوجهات المباشرة لطيران الخليج 45 وبعضها ليس بشكل يومي.
وهذا طبعا من غير الحديث عن الشريان الثاني الذي لا يقل أهمية والذي لم تستفد منه البحرين بالشكل الأنسب، وهو جسر الملك فهد وما يشكله من رافد حيوي للاقتصاد البحريني. لا يمكن ان نستغني عنه ولَم نستفد منه الاستفادة الكاملة والازدحامات عليه قللت من أهميته للأسف وأصبح القادم من المملكة العربية السعودية يفضّل الطيران إلى مدينة خليجية اقرب على الذهاب إلى البحرين عن طريق الجسر بسبب الزحمة التي قد تصل إلى ساعات، ناهيك عن تعطل البضائع التجارية، ولكن الحديث عن جسر الملك فهد لا يكفيه مقال واحد ولذلك سأكتفي بهذا القدر.

التعليقات