أفضل المقالات في الصحف العربية

11:09 صباحًا EET

أفول مشروع «الإخوان» في الخليج

لم يكن سقوط حكم تنظيم الإخوان المسلمين في مصر، إثر ثورة 30 يونيو (حزيران)، ضربة موجعة للتنظيم في مصر فحسب، بل امتدت تبعاته لتطيح آمال التنظيم وأحلامه في دول مجلس التعاون الخليجي. منذ اندلاع ما اصطلح على تسميته «الربيع» في 2011، طفت إلى السطح، وبالذات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لغة بين مستخدمي هذه الوسائل من أعضاء تنظيم الإخوان، اتسمت بوصم بعض الحكومات العربية بأنها تمارس الظلم والغطرسة، وبوصم شعوب هذه الدول المؤيدة لحكوماتها بأنها خرقاء لا تعرف ما يجري حولها، وغير ذلك من أوصاف. بمعنى آخر، أصبح واضحا للناس ما يضمره «الإخوان» من نقمة على الحكومات العربية على حد سواء، ولم يكن ذلك سوى تمهيد لما اعتقده «الإخوان» في الخليج، بأنه قرب وصولهم إلى مبتغاهم، فوجدوا أنه لا ضير في شيء من «الوضوح»..!

كان تنحي الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك عن الحكم، ومن ثم وصول «الإخوان» إلى سدة الرئاسة، صافرة البدء التي خلع على أثر صوتها أعضاء التنظيم في دول مجلس التعاون عباءة «البراغماتية» التي تغطوا بها لفترة طويلة من الزمن، ليكشفوا فجأة عن لون جديد من الخطاب المتسم في أغلبه بمحاولة النيل من هيبة الدولة ورموزها.
غير أنه، وكما أشرنا في البداية، لم تلبث أمنيات وأحلام «الإخوان» في السيطرة والاستحواذ على كل البلاد العربية أن طارت وتلاشت مع بزوغ فجر يوم 30 يونيو. ولم يكن سبب هذا الفشل الذي مني به التنظيم في دول الخليج سقوط هذا التنظيم الرئيس في مصر فقط، بل أيضا كان للحصانة الطبيعية التي تتمتع بها دول الخليج وشعوبها دور مهم في إفشال المشروع «الإخواني»، ويمكن تلخيص هذه الحصانة في عدة نقاط أوجزها في ما يلي:
أولا: يعتمد تنظيم الإخوان في انتشاره وتأثيره على العمل الخيري والاجتماعي الذي يمكن من خلاله الوصول إلى قلوب الفقراء والمحتاجين، وتحقيق قاعدة واسعة من المؤيدين في أوساط الطبقات الاجتماعية ذات الدخل المحدود أو المتدني. لكن بنظرة إلى طبيعة مجتمعات الخليج، ومتوسط معدل الدخل فيها، حيث يصنف من بين الأعلى عربيا والأفضل عالميا، بالإضافة إلى طبيعة الخدمات التي تقدمها حكومات الخليج لمواطنيها، على الرغم من كل ما يمكن الحديث عنه من نواقص، فإنه يصعب النفاذ إلى القاعدة الشعبية الخليجية وتأليبها على حكوماتها بنفس التأثير الذي تمكن «الإخوان» من إحداثه في دول عربية أخرى مثل مصر وتونس وغيرهما.
ثانيا: نظام الحكم في الخليج هو جزء أصيل من المجتمع الخليجي، ويتناغم بشكل تام مع المواطنين الخليجيين. بمعنى آخر، أن المسؤولين هم جزء من نسيج المجتمع، وتربطهم ببقية المواطنين علاقات صداقة ونسب ومصاهرة وعلاقات اجتماعية متشابكة ومتداخلة، تذيب الكثير من الفوارق، وتؤلف بين القلوب، وتجعل العلاقات المجتمعية صحية ومتجددة. المسؤولون في دول الخليج لا يعيشون في أبراج شاهقة من العاج، وليسوا منفصلين عن شعوبهم، بل هناك مجالس ودواوين تجمعهم وفعاليات متكررة يختلطون فيها ببعضهم بعضا، ويتبادلون فيها الأحاديث. لذلك، فإنه لم يتمكن تنظيم الإخوان، رغم خطابه المتكرر وعمله الدؤوب، من إقناع المواطن الخليجي بأنه يعيش في ظل حكم مشابه للحكم العربي الجمهوري التقليدي.
ثالثا: يضاف إلى ما قلناه أيضا أن دول مجلس التعاون أدركت سريعا ما كان يرمي إليه «الإخوان»، وانتبهت إلى أن إشارة البدء لمشروعهم قد انطلقت، فأحسنت التصرف والتعامل مع أجندات «الإخوان»، وبالذات على الصعيدين الأمني والإعلامي. من بين دول الخليج من فضل المواجهة المباشرة مع «الإخوان»، فكشف للبقية كل ما خططوا له، والوسائل التي استخدموها لجمع المال واستجلاب السلاح، وأحالهم إلى المحاكمة، وأغلق مؤسساتهم ومكاتبهم التي عملوا من خلالها، تماما كما فعلت بعض الدول في منطقة الخليج. وهناك من فضل التعامل مع مشروع «الإخوان» سياسيا واجتماعيا، ونجح في ذلك، تماما كما فعلت الكويت. وهناك في بعض هذه الدول، ورغم وجود التنظيم فيها، ورغم ما فعله ويفعله من لعب دور التواصل والاتصال والتنسيق محليا وإقليميا، فإنه لا يملك إلا حيزا محدودا للمناورة، ويمكن لـ«الجماعة» نفسها هناك أن تضر بمصالحها لو قامت بممارسة الدور نفسه الذي مارسته مثيلاتها في دول أخرى، رغم أن أرشيف علاقات «الإخوان» في بعض هذه الدول شهد مراحل ومحطات من التعاون والتنسيق بينها وبين بعض الجمعيات التابعة لأجندات خارجية. وبالطبع، فإنه لا يمكن إغفال الدور الفاعل الذي لعبه التكامل في التنسيق الأمني بين دول مجلس التعاون الخليجي، وبالذات على صعيد تبادل المعلومات، والذي كان له بالغ الأثر في حفظ أمن واستقرار دول الخليج.
في المحصلة النهائية، كانت دول مجلس التعاون الخليجي عصية على «الإخوان»، وإذا كان التنظيم قد تلقى ضربة أصابته بغيبوبة في مصر، فإن شهادة وفاته قد كتبت في الخليج العربي.

التعليقات