كتاب 11

11:26 صباحًا EET

إثبات الهوية

لكل مجتمع نظامه وقوانينه ولوائحه الواضحة لجميع أفراده، يطبق ويفعّل في صورة دائمة ومستمرة، لا يستثني أحداً دون أحد، الكل ينفذ النظام والكل يستفيد منه في إجراء معاملاته الخاصة والعامة، من خلال نظام له لوائح محددة وواضحة لا أحد يتجاوزها، ومن يتجاوزها يعاقب.

أثار برنامج «الثامنة» في قناة «إم بي سي» موضوعاً بالغ الأهمية، عن معاناة أسرة جميع أفرادها لم تستخرج لهم بطاقة الأحوال المدنية، وبذلك تعطلت كل طلباتهم الحياتية والاجتماعية والمهنية والمصرفية، بسبب قناعة والدهم بعدم رغبته في استخراج بطاقة أحوال له ولأبنائه، فعاشوا سنوات طويلة من المعاناة في مدارسهم وعدم القدرة على التنقل من مدرسة إلى أخرى، وكانوا محظوظين بمساعدة بعض مديري المدارس في الانتقال من مرحلة الابتدائية إلى المتوسطة إلى الثانوية، لكن عندما أقدم أحد أفراد هذه الأسرة على التقدم للجامعة؛ هنا عادت المعاناة من جديد لحاجته إلى بطاقة أحوال تثبت هويته، ولم تتوقف معاناة هذه الأسرة، التي امتدت إلى زواجات أبنائها، التي تم بعضها من خلال مراعاة من بعض عاقدي الأنكحة في تسهيل الإجراءات القانونية والشرعية لهم، والأكيد أنهم ليس لديهم حسابات مصرفية أيضاً، أي أن جميع جوانب حياتهم معطلة بسبب قناعة قاصرة وغير واعية، لم يكن تأثيرها السلبي في والدهم فقط، بل في جميع أفراد هذه الأسرة التي عاشت سنوات محرومة من حقها في الاستفادة من بطاقة الأحوال، لكن بعد ظهورهم في الإعلام تمت معالجة الموضوع بسرعة حينما أثير علناً، وتم تعجيل وتخليص الإجراءات التي أخذت من عمرهم كثيراً.

السؤال الذي يطرح نفسه: أيحتاج الفرد إلى أن يظهر في الإعلام ليشرح معاناته كي يحصل على حقوقه؟ وهل هذه الفرصة متاحة للجميع؟

هنا نوجّه السؤال إلى الجهة المعنية والمسؤولة عن إصدار بطاقات الأحوال، ما المانع الذي جعلها لم تتعاون سابقاً مع هؤلاء الأفراد في إصدار بطاقة الأحوال، وبخاصة أن والدهم ظلمهم وتعطلت كل ضروريات والتزامات الحياة؟ النظم واللوائح وجدت لكي يستفيد منها الأفراد، وألا تكون خاضعة لوجهة نظر غير واعية أو غير مدركة، فلم لم تقف معهم سابقاً ضد جرم والدهم في حقهم؟!

اليوم استطاعت هذه الأسرة الظهور في الإعلام والتحدث عن معاناتها ومأساتها وتوقُّف إجراءات مهمة في حياتها بسبب حرمانهم من إصدار بطاقة الأحوال لهم، لكن هل كل الأفراد ممن يعيشون المعاناة نفسها يستطيعون إيصال صوتهم ومطالبتهم بحقوقهم المشروعة، التي وفرها النظام لهم؟ هناك حالات لم تستخرج لهم شهادة الميلاد رسمياً، عانى أبناؤهم المرارة من عدم القدرة على دخول المدارس إلا بعد أن سمح لهم النظام بذلك، المفترض أن يعاقب من تخلى عن مسؤوليته ولم يستخرج شهادة ميلاد لأبنائه، لأنه خالف النظام في عدم إثبات هويتهم، هنا سيكون درس لكل من يتهرب من تسجيل أبنائه، فنحن في القرن الـ21 ومازلنا ندور في الدائرة نفسها في تخلى بعض الأفراد عن إثبات هوية أبنائهم، هؤلاء غير مدركين وغير واعين وغير مسؤولين، هنا يأتي دور الجهات المعنية في متابعتهم ومعاقبتهم وجعلهم يتحملون المسؤولية إجبارياً، ليس من أجلهم، بل من أجل هؤلاء الأبناء الذين يتعطلون عن نيل أبسط حقوقهم، ما يخلق لديهم مشكلات نفسية وشعوراً بالنقص.

برزت قضية تخلي بعض الآباء عن أبنائهم من زوجات أجنبيات وعدم تسجيلهم رسمياً، إذ عانى الأبناء كثيراً من البحث والسؤال، لكي يثبتوا نسبهم وهويتهم، والبعض تمتلك والدته الأجنبية إثبات قسيمة الزواج، التي من خلالها تثبت نسب الأبناء، وبعضهن للأسف لا يملكنها، أو أتلفت أو ضيعت، لكن ما ذنب هؤلاء الأبناء، لا بد أن يكون لهؤلاء رادع وعقاب.

لا تترك بعض القضايا بيد أصحابها بسبب جهلهم وعدم تحملهم المسؤولية، وبخاصة إن كان هناك متضررون يدفعون ثمن ذلك.

التعليقات