كتاب 11

03:48 مساءً EET

موسيقى الفرح

أمواج الفرح لا تختفي، تظهر بكل كبرياء ومرح، تغمر الصغير والكبير، وتصنع نغمة عالية من الفرح اللامتناهي. هي نشوة عارمة تذكرنا بالمحبة والجمال والسلام، وأن النفس لا بد أن يطولها الفرح لكي تسعد وتنتج وتعيش بحب وأمان.

الموسيقى عرفها الإنسان منذ القدم، وتغنى مع الطير والشجر، وأبدع في شرح مشاعر الفرح والحزن والغضب من خلال الموسيقى. أراحت الفؤاد والبال وكأنها عملية تفريغ لكل الطاقات الإيجابية والسلبية، ولكن بسلام. بعيدة عن الدمار والحروب والتطرف.

الموسيقى تهذب النفس، تجملها، تجعلها تسبح في هذا الكون الشاسع، من يغوص في بعض المعزوفات الإنسانية سيدرك جمالاً لا يستطيع القلم أو الكلمات التعبير عنها. الموسيقى تؤم المشاعر، فليس كل شيء نستطيع أن نترجمه، لكن هناك شيء عميق. شعور نستطيع من خلاله أن نشعر بجمال الكون كله. نشعر بالغموض والوضوح. بالطيران من دون أجنحة. الحديث من دون كلام، هي واحة عذبة تتخلص النفس من سجن الجسد. من القيود الوهمية، لتنطلق في فضاء الكون متجاوزة كل الأبعاد المادية والنفسية والشعورية.

من منا لم يجرب في لحظات الألم أو الفرح نغمة الموسيقى. كانت خير صديق. تجبر الخاطر. تحرك المشاعر. تحرض على الطيران، ليصبح الإنسان بعدها حر طليق.

من خلال الموسيقى تتجلى المعاني العظيمة، فتدمع العين من دون سبب ويستشعر الإنسان قوة الوجود في تلك النغمات الهائلة التي لا تميز بين فئة وأخرى، ولا تقسم الناس إلى درجات ومراتب. ألم نلاحظ جميعاً كيف أحببنا موسيقى مختلفة عنّا في المنشأ والجذور وشعرنا بالانتماء لأحضانها من دون عناء، بل بخفة ودهشة عجيبة، لنستسلم بعدها للسكون والفرح كأنها تعطينا درساً لم نستطيع نحن بصفتنا بشراً تطبيقه وهي الوحدة. وحدة المعنى. وحدة الاتصال. وحدة الانسجام والتكامل. وحدة النغمة الواحدة على اختلافها، فهي «سيمفونية» تجمع كل الأطياف وكل الاختلافات، تحرك جوهر الإنسان الخفي من دون وسيط، وتجمع القلوب من دون تكلف.

حفلة محمد عبده وراشد الماجد الأخيرة في الرياض حركت جموعاً كبيرة من الشباب، وتهافتت الأصوات بصوت ونغمة واحدة، وجمعت كل الأطياف بمعزوفة تصدر الجمال والفرح والوحدة والانسجام، وتلغي كل الحواجز الوهمية. تعالت أصواتهم مرددين «أنت ما مثلك في الدنيا بلد» بنغمة واحدة، تجلت المعاني الوطنية كلها فلم تحتاج إلى أكثر من ذلك. الشباب في فترة مفعمة من الطاقة والحيوية والنشاط، يحتاجون إلى مثل هذه الفعاليات الإنسانية الطبيعية ليعبروا عن كل ما يدور في خواطرهم، وإظهار كل تلك الطاقات المخفية بشكلها ومكانها الصحيح، ويتعلمون معنى الفرح وكيف هو الفرح مع الجموع الكثيرة والمختلفة في طباعها ومزاجها.

هذه الحفلات فيها متنفس كبير للشباب، إذ سينخفض معدل العنف والاستفزاز والفراغ، وسيزيد الاحتكاك الإيجابي مع غيرهم، والقدرة على التعبير عن مشاعرهم في وصف الفرح وتذوق جمال الموسيقى، سيدرك العقل والقلب معاً نغمة واحدة وهي حب الحياة. الحياة كبيرة تحوي كل شيء، وقت العمل للعمل، ووقت الفرح للفرح، فكيف ينجز الإنسان من دون استقطاع وقت للفرح وللجمال، ولكي ينتج عليه أن يستمتع ويفرح ويضحك ويكسر حاجز النمطية والروتين، فالنفس تهوى الطيران والحب والسلام، والرتابة تصنع حديقة من الأوهام. مرة أخرى شكراً لهيئة الترفيه، وشكراًَ لكل من حرك فينا الجمال الإنساني من جديد.

التعليقات