كتاب 11

11:05 صباحًا EET

«السماح» لمشاعرنا المؤلمة بالرحيل

تجاربنا في الحياة عميقة، تتخلل بعضها مواقف ربما تكون مؤلمة أو صادمة، وربما تكون رسائل لنا، والأكيد أن فيها الخير الكثير وإن كانت غير جيدة في شكلها الخارجي.

التجارب تعلّم الفرد وتصقل شخصيته، وتجعله واعياً في كيفية التصرف والخروج من المواقف الأكثر درامية، والأعمق إذا فهم الدرس من هذه التجارب.

عندما نكون وسط العاصفة أو المواقف المؤلمة لا ندرك في وقتها لِمَ نمر بها، بل أحياناً نشعر بالمظلومية والقهر وتأنيب الضمير، لكن بعد رحيلها ندرك المغزى منها، وكثيراً ما نشكر الظروف والمواقف، لأنها كشفت لنا الستار، وجعلتنا نشاهد الحياة بطريقة مختلفة عن السابق، وخصوصاً إذا كانت رؤيتنا إيجابية ومحبة وليس العكس.

سر المقالة ليس الحديث عن التجارب الصادمة، بل الحديث عما هو أعمق، وهو «الشعور»، بعضنا يتوقع بعد انتهاء التجربة أو الموقف أنه تخلص منه نهائياً، ولكن أحياناً يبقى شيء من الشعور والمشاعر المخفية في اللاواعي لا ندركه بشكل واضح، يزورنا «خِفْيةً» في بعض الأوقات من دون سبب، يشعر كل منا بحزن معيّن أو غضب معيّن أو ضيق، وهذا دليل على أننا نحتفظ في داخلنا ببعض المشاعر السلبية التي تظهر متى ما كان هناك محرض لها، وهذا يعني أننا مازلنا في قبضة تلك التجارب السابقة لم نتخلص منها نهائياً.

بعضنا لا يدرك أهمية وخطورة الشعور، فهو المولد لآلاف الأفكار، فمن خلال شعور واحد فقط نصنع العديد من الأفكار التي لا تتوقف ولا تهدأ إلا بالمزيد من الأفكار السلبية، وهذا ما يعوق تقدمنا، أو يجعلنا نفقد الشعور الجيد والهدوء النفسي الداخلي، لذا عندما ينتابنا شعور سلبي من دون سبب واضح علينا معرفة منبعه وجذوره، لكي نتخلص منه نهائياً من دون عودة.

العالم هاوكينز تحدث في كتابه «السماح بالرحيل» عن تأثير وقوة المشاعر على الفرد وأنها أقوى من الأفكار، ووضع آلية بسيطة جداً في كيفية التخلص من الشعور السلبي غير المرغوب فيه، إذ أوضح أنه عند شعورنا بشعور سلبي كالغضب أو الحزن علينا الاعتراف بوجود هذه المشاعر وعدم تجاهلها أو إنكارها، ثم بعد الاعتراف نسمح لها بالرحيل، ونكرر هذه الطريقة عند أي شعور يعترض حياتنا. المشاعر قوية وعنيدة لا تذهب سريعاً، لذا الوعي بقوتها يجعلنا ندرك كيف نتعامل معها، وذلك بعدم مقاومتها أو تجاهلها أو إنكارها، كل ما علينا هو الاعتراف بأننا في أوقات معينة نشعر بمشاعر سلبية، مثل شعور الخذلان أو الكُره أو الوحدة، علينا الاعتراف بأننا فعلاً نشعر بذلك، وأن هذه المشاعر تضايقنا وتزاحمنا في صنع المزيد من الأفكار السلبية، ونعترف بأنها تؤثر في حياتنا، هذا الاعتراف بحد ذاته كفيل بأن يجعلها تظهر على السطح كما هي، والذكاء هنا بألا نصنع مزيداً من المقاومة، والاعتراف بها يلغي المقاومة من الأساس، أي بعد الاعتراف لن تزيد مساحة هذه المشاعر أكثر، بل سنلاحظ أن هذا الضيق أو الحزن خلال فترة معينة بدأ ينحصر.

إذاً، نحن بإرادتنا سمحنا لهذا الشعور بالخروج أمامنا ومقابلته وجهاً لوجه لدقائق معينة وليس أغلب الوقت، فقط دقائق معينة وبعد ذلك نسمح له بالرحيل ونحادث أنفسنا أننا نشعر به ثم نخاطبه بالرحيل، ونكرر هذه التقنية متى ما شعرنا بمشاعر غير جيدة، سنلاحظ مع مرور الوقت توقف هذا الشعور أو هذه المشاعر من تلقاء نفسها.

جيد مع هذه التقنية، السماح للشعور السلبي بالرحيل، أن يكون دائماً حديثنا الذاتي إيجابياً ومتفائلاً، ونظرتنا إلى الحياة جميلة ومتفائلة، وأن تكون ثقتنا بالله – عز وجل- أكبر، فمصدر القوة ليس فقط التقنيات والاستراتيجيات، نعم هي محرك لنا لكي نتجاوز العديد من الأمور السلبية في حياتنا، لكن القوة الحقيقية هي الثقة بالله، الذي سخر الكون للإنسان ووضع قوانينه الدقيقة، فما نجذبه في حياتنا من إيجاب أو سلب هو حصيلة اعتقاداتنا وأفكارنا ومشاعرنا، إن كانت متفائلة ومحبة وإيجابية سيكون كل شيء أمامنا كذلك، وحتى لو اعترضتنا ظروف أو تجارب سنكون واعين كيف نتقبلها أولاً، ثم ندرك تماماً كيفية التخلص منها نهائياً، مع مراعاة الوقت الذي تحتاجه للرحيل وعدم العودة نهائياً، إذاً يجب ألا نغفل أهمية الشعور وتأثيره فينا.

التعليقات