أفضل المقالات في الصحف العربية

10:32 صباحًا EET

أردوغان والإخوان في مصر

تقف تركيا أردوغان في موقع المنصة الدولية الأكثر التزاماً في الهجوم على مصر ما بعد “الإخوان”، وماحدث فيها من تغييرات سياسية تلت الثورة الشعبية على حكم محمد مرسي . “قيادية” طيب أردوغان في إدانة الإزاحة المدعومة شعبياً لمرسي والمطالبة بعودته لم تتوقف، ولم يأل جهداً في تأكيد الوصف للتغيير السياسي في مصر بأنه “انقلاب عسكري”، والهجوم على من لا يتفق مع وجهة النظر هذه، ومن يدعم هذه التغييرات من دول عربية وإسلامية .

الانخراط الشخصي لرئيس الوزراء التركي في الحملة على التغييرات السياسية في مصر كانت في إحدى تعبيراتها المهمة، في إشارة الأصابع الأربع الصفراء التي صار يستخدمها الإخوان المسلمون العرب في تظاهراتهم في مصر وغيرها، وكذلك في حملاتهم الإلكترونية، وهي تعود أصلاً إلى أردوغان في تحيته لاعتصام رابعة العدوية وانتصاره المأمول . تمثل إشارة الأصابع الأربع رابطة جديدة لتركيا بالقضية المصرية الداخلية ومصير “الإخوان” فيها . ذلك فقط هو المظهر العاطفي الرمزي الذي دعمت به تركيا جماعة الإخوان المسلمين، حيث كان إلى جانب ذلك حملة على الصعيد الدولي لإضفاء وصف “الانقلاب العسكري” على ما حدث في مصر، وحبس النظام الجديد ضمن هذا الوصف، ومحاولة سحب الشرعية عنه . لقد غنى أردوغان مع الكورس الغربي في إدانة التحول السياسي الجديد في مصر وذلك على أسس الديمقراطية . وعلى الصعيد الإسلامي فمبرر الإدانة ومحاولة سحب الشرعية هو أن “الانقلاب على مرسي هو مؤامرة إسرائيلية” . لقد تعدى هجوم أردوغان على الحكم الجديد في مصر كل الحدود الدبلوماسية والأعراف الرسمية السائدة بين الدول، حين طال مؤخراً شيخ الأزهر لدوره في دعم عزل مرسي، وكأن مصر غير إخوانية هي مستحقة على أي حال للإدانة وللهجوم من الأخ الأكبر التركي . ويبدو السبب لهذه الحملة المحمومة والانخراط الشخصي لأردوغان واضحاً للعيان، ولا يحتاج الغوص فيه كثيراً وهو الرابطة الأيديولوجية والعقائدية والسياسية الجامعة مع تنظيم “الإخوان” في مصر . ولئن كان هذا السبب واضحاً وجلياً وكافياً، فإن شدة الحملة الأردوغانية و”مبدئيتها” وشكل تضامنها العميق والمستميت مع “الإخوان” في مصر يجب أن تحيلنا قليلاً إلى أهمية الصيغة الأصلية في الربيع العربي والموقع الذي تشكل فيه “الإخوان” من جديد وعرفوا أنفسهم به ربطاً بالدور التركي، وانعكاس هذه الصيغة على الأحداث الجارية . خلال سنة من حكم مرسي لم يظهر الأخ التركي الأكبر كثيراً على الساحة المصرية، ولم نلمح مظاهر علاقته اللصيقة بالحكم الإخواني ودعمها له للنجاح والبقاء . لقد كانت المراهنة التركية مؤكدة ويقينية في إمتداد لا محدود للحكم الإخواني في مصر، وهو ما راهن عليه الغرب أيضاً ورسم عليه استراتيجياته . إن الدعم التركي ل”الإخوان” بعد إسقاطهم في مصر ومحاولة بعث شرعيتهم الزائلة مع زوال حكمهم، وكذلك رفع أسهمهم الشعبية والمعنوية عربياً، هو دعم لمشروع النموذج التركي بما يمثله من أهمية لأردوغان وحزبه داخليا لتركيا وخارجياً في العلاقة مع الغرب . إن التحول “الإخواني” في شقه العربي (مصر، تونس، ليبيا، اليمن، إلى آخره . . .) للديمقراطية الغربية كأيديولوجية معلنة وكخطة سياسية لم يكن إلا نتيجة للنموذج التركي الذي حاز مع مهندسه أردوغان عين الرضا الغربي . لقد قدمت تركيا بقيادته نسخة “مريحة” بالنسبة للغرب عن الإسلام تقوم على التقدم الاقتصادي وتطويع الممانعة الدينية لنموذج الازدهار والانفتاح الاجتماعي والثقافي . أردوغان هو من وصفه باراك أوباما بأنه أحد خمسة أصدقاء عالميين يتمتعون بأوثق الصلات بالبيت الأبيض . لقد كان تطبيق النموذج التركي عربياً هو سياسة خارجية تركية معلنة في برنامج “حزب الحرية والعدالة” التركي منذ عام ،2009 حيث يظهر في هذا البرنامج هدف القيادة التركية لشرق أوسط (مع البلقان والقوقاز كذلك) يتحول إلى “مركز السياسة المستقبلي العالمي” . إن هذا الهدف المركزي للسياسة الخارجية التركية هو هدف رئيس داعم لسياسة الداخل التي تقوم على أيديولوجيا بعث الدولة العثمانية في ثوبها الجديد . تقاوم تركيا والغرب التغيرات السياسية في مصر بروح أن الإخوان هم الخيار السياسي المفروض على الشعوب، بغض النظر عن تجارب هذه الشعوب واستخلاصاتها عن الإخوان وخياراتها المستجدة . لقد لعب أردوغان دوراً مهما في استقطاب دول الغرب لإدانة ما يحدث في مصر ولدعم الإخوان بناء على شرعيتهم “ الديمقراطية”، كما يقتضيها التحول الذي أملاه النموذج التركي متمثلاً في الربيع العربي . وإن كانت سلطة “الإخوان” قد ذهبت وكذلك حضورهم السياسي في مصر، بالإضافة إلى تدني شعبيتهم إلى درجة غير مسبوقة، فمن الواضح أن السياسة التركية الحالية تهدف إلى رفدهم بالحضور السياسي والمعنوي وتحسين صورتهم بل وإضفاء البطولة والملاحم الإعلامية عليها، وذلك في مقابل “دموية” و”ديكتاتورية” الحكم الجديد . وبقدر ما أن هنالك تصوراً مشتركاً مع الغرب لنموذج تركي، فإن الوجود “الإخواني” وقوة هذا الوجود هو مركز الاهتمام التركي ومحور السياسة فيه . هل كان أردوغان يعني ما يقوله عن “مؤامرة عالمية” شريرة على الإسلام السياسي تتضمن إزاحته هو أيضاً عن حكم تركيا؟ الجواب ذو شقين، فقد يكون أردوغان قد استشعر إمكانية التحول المستقبلي الغربي عن نموذجه بعد فشله عربياً، وكذلك إمكانية انحسار الحماس الغربي له هو نفسه ما دامت العادة الغربية هي نبذ الحلفاء من الزعماء بعد انقضاء صلاحيتهم وقلة فوائدهم . أما الشق الآخر، فهو أن السبب هو دعائي محض يراد به الشعبية والتسويق للانتخابات القادمة على الأبواب في ظل خشية من تحولات سياسية يحبل بها الصندوق الانتخابي . لا يدعم أردوغان، إذن، الإخوان فصيلاً شقيقاً في علاقة أيديولوجية تنظيمية، وإنما هو أبعد من ذلك يدعم إمكانيات مستقبلية واستراتيجيات سياسية انتظم فيها “الإخوان” في مصر ضمن شراكة تركية مع الغرب . وإن كانت هنالك بعض من الشكوك قد أحاطت العلاقة، فإنها أي العلاقة تثبت نفسها في الحرب المزمعة على سوريا .

التعليقات