كتاب 11

02:29 مساءً EET

حين ينتقد أمير قطر سياسة قطر!

تغيب خطابات الزعيم الليبي معمر القذافي عن القمم العربية، بجرأتها التي أسهمت مرات عدة في توتير العلاقات، ويبقى الخلاف سيداً في مشهد الحوار العربي – العربي، وذلك تبعاً لمواقف تتشنج انطلاقاً من مبدأ الثبات على الرأي، حتى وإن أدى هذا إلى إفساد الود الذي تسعى مثل هذه المؤتمرات، بهذا المستوى العالي من التمثيل، إلى لملمة جراحه التي تنزف على تلال الاختلاف. في القمة العربية التي اختتمت أعمالها في الأردن الأسبوع الماضي، تحدث الزعماء عن أوجه التقارب، في شتى القضايا، وتحدث أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد، عن أوجه التباعد، التي تؤثر سلباً – بحسب قوله – على التضامن الحقيقي. يرى الشيخ تميم أن «المشكلة لا تكمن دائماً في الاختلاف السياسي وإنما في كيفية إدارته، وفي إسقاطه على ما عداه»، مؤكداً أنه «إذا وجدت خلافات، فإنها لا ينبغي أن تؤثر في مجالات التعاون التي تهم مواطنينا»، في الحقيقة، إن مثل هذه الجمل تستحق التأمل، فالشقيقة الصغرى لا تزال منذ الإطاحة بحكم «الإخوان المسلمين» في ثورة 30 حزيران (يونيو) الشعبية، تقود حملة على النظام الحاكم في مصر، حملة ينقصها وفق ما ذكر الشيخ تميم نفسه في كلمته: «تطابق الأفعال والأقوال لتجنيب أمتنا الأخطار»! إن الاستقرار المنشود في مصر، الذي يسعى إليه المصريون بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، وبقية الدول العربية، وفي مقدمها السعودية والإمارات، إنما هو الضامن الوحيد لتحقيق تطلعات شعوب المنطقة، نحو وطن عربي يشد بتنوعه واختلافه بعضه إلى بعض، شرط أن يسلم من طموحات تسعى إلى تقويض سلمه، في مرحلة تتطلب جهداً مشتركاً حقيقياً.

بالعودة إلى كلمة الشيخ تميم، فإن التوقف عند ما جاء في ختامها يبدو مهماً، نظراً إلى الدور الذي تلعبه قطر لحماية «الإخوان المسلمين»، فالأمير ما زال يوصي بهم على رغم انكشاف أوراقهم.

إن إلقاء اللوم على الحكومات العربية التي قامت بتصنيف «الإخوان» جماعة إرهابية، والقول إن ذلك إنما «يزيد عدد الإرهابيين»، لا يختلف في حقيقته عن تبريرات «الإخوان» أنفسهم للعمليات الإجرامية، التي ترتكب في سيناء وعموم مصر على سبيل المثال، فالجماعة وإن كانت تندد بها في بياناتها، إلا أنها تحمّل الرئيس والجيش السبب في وقوعها! إن الصبر الذي تعاملت الدول العربية في إطاره مع «الإخوان المسلمين»، على مدى الأعوام التي سبقت اعتبارها إرهابية، لهو بمثابة اليد التي مُدّت لغريق، لذلك فإن «الإنصاف» يقتضي السير في ركب المجموعة العربية، التي بذلت الجهد في احتواء التنظيم «الإخواني» الإرهابي، لا إقصائه، في الوقت الذي بذل التنظيم قصارى جهده في تحييد الأمن والاستقرار جانباً، كما فعل شيخهم يوسف القرضاوي الذي حرّض صراحة على حكومة الإمارات وشيوخها إبّان الثورات العربية! إنهم يرفعون شعار: أنا أو الطوفان من بعدي، بكل صفاقة وعدم مسؤولية. يقول محمد البلتاجي القيادي في الصف الأول «الإخواني»: إن ما يحدث في سيناء – يقصد العمليات الإرهابية – سيتوقف في اللحظة التي يتراجع فيها الجيش عمّا وصفه بالانقلاب وعودة مرسي إلى مهامه. البلتاجي نفسه كان قد هدّد في ما سميت جمعة «نبذ العنف» بسحق جماجم متظاهري 30 يونيو! إن مغالطة الواقع، ومحاولة صرف الأنظار عن جرائم جماعة «الإخوان»، بالقول إن ذلك مرده «للتجاذبات السياسية بين الدول» إنما يضر بدولة قطر، ويحملها أعباء المرحلة بكل تداعياتها.

في الختام، نأمل من قطر الاستفادة من دروس الماضي القريب، عندما تصدت وحدها للدفاع والترويج لـ «حزب الله» اللبناني، وزعيمه حسن نصرالله، قبل أن ينقلب عليها في أعقاب الثورة السورية، وكان قد كلف خزينتها إعادة إعمار الضاحية الجنوبية لبيروت سنة 2006، فالفرصة لا تزال سانحة أمام قطر، ومن هم في بر الأمان يرحبون بعودتها إلى حضنهم، أما الراحلون، فإن لسان حالهم يردد قول الشاعر: لا ألفينك بعد الموت تندبني … وفي حياتي ما زودتني زادي.

التعليقات