كتاب 11

01:14 مساءً EET

ابراج التجسس لصاحبها ساويرس!! (1)

منذ الأول من فبراير 2011 .. ووقت أن كانت مصر تغلى فى ميادين عدة.. كانت موقعة الجمل تدور رحاها فى ميدان التحرير.. نهارا بالخيول والجمال, وليلا من فوق أسطح بنايات ميدان التحرير بالرصاص والملوتوف.. وفى اليوم التالى كانت مذبحة بورسعيد تسطر بدماء شباب أبرياء سطورا مؤلمة فى ستاد بورسعيد.. فى هذين اليومين تحديدا.. كانت شركة “موبينيل” لصاحبها – وقتها – نجيب ساويرس.. تولى وجهها شطر إسرائيل.. تلعب لعبة مشبوهة.. برفع وتوجيه هوائياتها لتغطى 25 كيلو مترا داخل عمق إسرائيل!! فى الوقت الذى كانت عناصر جماعة الإخوان الإرهابية مسلحة بالبنادق الآلية, تعتلى سطحى بنايتين بجوار مدرسة الفرنسيسكان المطلة على ميدان عبد المنعم رياض.. يحتفظ اليوتيوب بصور أعضاء الجماعة بلحهاهم وسلاحهم.. كما يحتفظ بشهادة أسامة ياسين أحد قياداتهم لقناة الجزيرة حول هذا اليوم.. كانت موبينيل ساويرس تغافل الجميع هناك على معبر العوجة بين مصر وإسرائيل!!.. وفى اليوم التالى, بينما تسيل الدماء فى ستاد بورسعيد.. لتزهق 72 روحا بريئة.. كان الرجل ينهى عمل الأمس ويمرر مكالمات شبكته موبينيل إلى عمق إسرائيل!!
قضية “تجسس” موبينيل لصاحبها – وقتها – نجيب ساويرس.. والتى حملت رقم 146 لعام 2011، حصر أمن الدولة العليا، وتم تداولها فى المحاكم فى نفس العام.. وظلت متداولة حتى صدر فيها الحكم فى 2013.. دون أن يثير حفيظة الإعلام اللاهث دائما خلف هذا النوع من القضايا.. مجرد خبر ينساه الناس بعد نشره فورا.. قد يسأل البعض.. لماذا نتحدث عن قضية صدر فيها الحكم وانتهى أمرها منذ 3 سنوات؟.. الحديث عن تلك القضية تجدد على استحياء أيضا مع بداية العام الحالى.. فى يناير 2017 وبعد أن بيعت موبينيل لأورانج الفرنسية.. أصدرت محكمة القاهرة الاقتصادية حكمها بتغريم أورانج 49 مليون جنيه مصرى, لصالح المصرية للاتصالات, فى قضية تمرير المكالمات الدولية.. كتعويض مادى وأدبى عما لحقها من خسارة نتيجة تمرير مكالمات دولية لإسرائيل.. هنا كان يجب أن نتحدث.. فالقضية أبدا لم تكون مادية أو أدبية.. تستوجب تعويض شركة الاتصالات المصرية.. القضية كانت – ومازالت – أمن مصر القومى.. القضية كانت تخابر مثبت بتحريات الأمن القومى واعترافات المتهمين!
ولكى ننعش ذاكرة القارىء الذى تابع الموضوع.. ونخبر القارىء الذى لم يتابعه.. سوف نحكى القصة من البداية.. قصة أبراج العوجة.. وأطباق موبينيل التى وجهتها باتجاه إسرائيل.. وما هو الموقع الذى وجهت باتجاهه الأطباق.. وتوقيت تلك العملية التى وصمت بالتخابر.. وحوكم من حوكم فيها بتهمة التجسس.. كيف خرج ساويرس من قضية تخابر أبراج العوجة؟.. سوف نسرد تفاصيل التحقيقات مع موظفى موبينيل.. ومع صاحبها ساويرس وكل من كان له صلة بأبراج العوجة.. وسوف نطرح أسئلة لم تجب عنها المحاكمة!!
ما سبق هو السطر الأول فى قضية “التخابر” التى جرت وقائعها فى مطلع 2011.. وحققتها النيابة العامة المصرية مع كل أطرافها طوال هذا العام.. بما فيهم ساويرس الذى استدعته النيابة للتحقيق فى أغسطس 2011.. ثم أحيلت للقضاء وظلت منظورة أمامه حتى صدر فيها الحكم فى 2013.
في نهاية ديسمبر 2005.. أنشأت موبينيل محطتها للمحمول فى منفذ العوجة.. فى المنطقة الحدودية بين مصر وإسرائيل.. لتغطية جزء من طريق العريش العوجة وقرية وادي عمرو ومنفذ العوجة التجاري.. بتركيب 2 طبق على برج كان موجودا بالفعل للشركة المصرية للاتصالات.. لتغطية منطقة كثافتها السكانية 600 فرد.. تقفز تساؤلات مهمة.. لماذا كانت موبينيل لصاحبها – سابقا – نجيب ساويرس أول محطة محمول يتم إنشائها فى هذه المنطقة؟.. ماهو الشىء المهم فى تلك المنطقة الذى جذب تلك المحطة؟! من هم الـ 600 مواطن قاطنى تلك المنطقة الحدودية الذين اهتم بهم ساويرس لينشىء لهم تلك المحطة؟! المحطة مفترض فيها أن تغطى ما بين 3 و 10 كيلو مترات داخل مصر حسب طبيعة المكان وتضاريسه!.. وداخل مصر فقط وفقا لعقد تأسيس شركة المحمول.. لكن فى 2011 أثبتت المعاينة الفنية, أن الهوائيات الموجهة بزاوية 75 درجة, يقابلها داخل الحدود المصرية منطقة صحراوية خالية تمامًا لا تشمل منطقة المنفذ!!.. المذهل أن هذه الهوائيات تم وضعها في هذا الاتجاه لنقل إشارة شبكة موبينيل لمنطقة صحراوية داخل الحدود الإسرائيلية!!
أثبتت المعاينة الفنية أن إشارة هوائيات محطة موبينيل تغطي مسافة لا تقل عن عشرة كيلو مترات داخل الجانب الإسرائيلي ومن الممكن أن تزيد الى خمسة وعشرين كيلو مترا باستخدام مكبرات الإشارة الكهرومغناطيسية!!.. كما أثبتت المعاينة أيضا إضافة 5 أطباق إضافية دون تصريح الجهات المسئولة.. ليصبح إجمالى عدد الأطباق 7 بارتفاع 70 مترا متجاوزا الارتفاع المسموح به فى هذه المنطقة وهو 12.. وتوجيهها جميعا باتجاه إسرائيل!!.. أى كيان فى هذه المنطقة الصحراوية الإسرائيلية تهتم موبينيل بتمرير المكالمات إليه؟!!
فى عام 2011 كان أول خيوط القضية.. أثبتت تحريات الأمن القومى التى تم تقديمها إلى نيابة أمن الدولة العليا أن الأردنى بشار إبراهيم أبو زيد, والإسرائيلى الهارب أوفير هرارى يعملون لمصلحة دولة أجنبية (إسرائيل) بقصد الإضرار بمصالح البلاد.. وبهذه التحريات إنفتحت أبوب جهنم على موبينيل ولم تغلق حتى بعد إحالتها إلى المحكمة.. المتهم الأول الذي يعمل مهندس اتصالات ومتخصص في الأقمار الصناعية والشبكات إتفق مع المتهم الثاني – وهو أحد عناصر المخابرات الإسرائيلية – علي تمرير المكالمات الدولية المصرية الواردة لمصر عبر الإنترنت الإسرائيلي.. بغرض السماح لأجهزة الأمن الإسرائيلية للاستفادة بما تتضمنه هذه المكالمات من معلومات عن كل القطاعات بالبلاد!!
تم تهريب شرائح الموبايل لاستخدامها في تمرير المكالمات الدولية التي تم رصدها.. وببداية التحقيقات دخل مجال الاتهام في هذه القضية أربعة آخرين من القيادات والعاملين بشركة موبينيل.. بتهمة الموافقة علي إنشاء محطة للشركة بمنطقة العوجة علي بعد2 كيلو مترا فقط من الحدود المصرية دون الحصول علي ترخيص من الجهات المختصة.. أما مفاجأة التقرير الذي أعد حول هذا الملف فقد كشفت سر المنطقة الصحراوية داخل إسرائيل التى مررت إليها المكالمات.. منطقة عسكرية حصينة داخل الأراضى الإسرائيلية.. باتجاه هوائيات شركة موبينيل مباشرة بزاوية75 درجة مع البرج.. تتلقى المكالمات ثم تعيد توجيهها إلى تل أبيب!!
إعترافات المتهم الأول ( الأردني الجنسية) حملت الكثير من المفاجآت.. اعترف بأن المتهم الثانى ( إسرائيلي الجنسية) كلفه بشراء 300 شريحة تليفون محمول لشركة موبينيل وإرسالها إليه في إسرائيل, وقد نفذ المتهم هذا التكليف وأخفي هذه الشرائح داخل لعب الأطفال لإرسالها إلي إسرائيل, إلا أنه تم ضبطها… السؤال هنا.. ماهى المعلومات الشاملة الجامعة التى حصلت عليها إسرائيل فى تلك الفترة ما بين فبراير ومارس 2011 ؟!.. وهل كان تمريرا عشوائيا أم أن هناك مكالمات بعينها من أرقام بعينها كانت هدفا لهذا التمرير؟!
الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات خاطب شركة موبينيل, مطالبا إياها باتخاذ الإجراءات اللازمة لمكافحة جرائم تمرير المكالمات الدولية عبر الحدود الشرقية للبلاد وقيام بعض الفنيين بالشركة بأعمال وزيادة السعة وتوجيه المحطات والتأكد من عدم خروج التغطية خارج الحدود الشرقية لمصر.. لكن الشركة تجاهلت ملحوظات ومطالبات الجهاز واستمرت – عمدا – فيما تقوم به!!
وكما يفعل أى مجرم بزيارة مكان جريمته وإزالة ما تبقى من آثار.. في 12 أبريل 2011 تمت إعادة معاينة محطتي شركة موبينيل بالعوجة.. حيث كشفت عن إزالة 5 هوائيات شركة موبينيل من البرج والتي كانت متجهة إلي إسرائيل بزاوية 75 درجة مع الحدود.. كما تبين أيضا إزالة هوائيات شركة موبينيل ذات الارتفاع الكبير أعلي البرج عدد3 هوائيات التي لا تخدم داخل الحدود المصرية.. مع إضافة هوائيتين جديدتين لشركة موبينيل بارتفاع منخفض باتجاه مصر لتخدم المناطق داخل الحدود المصرية!! .. لكن الفني المسئول عن منطقة العوجة بشركة موبينيل.. الذى قام  بإزالة الهوائيات المخالفة من البرج.. ترك حوامل تلك الهوائيات موجهة باتجاه إسرائيل كما كانت!!.. ربما فى انتظار إعادة تركيبها مرة أخرى بعد أن تهدأ الأمور.. وربما إهمالا منه!!
أبواب جهنم التى فتحتها القضية على موبينيل.. طال لهيبها أربعة متهمين آخرين.. رئيس مجلس إدارة موبينيل والعضو المنتدب بها, مدير إدارة تصميم الشبكات والجودة بالشركة, مدير إدارة مراقبة معايير الجودة, مهندس بإدارة الجودة بالشركة.. متهمون بالاشتراك مع المتهمين الأول ( الأردني الجنسية) والثانى ( إسرائيلي الجنسية) في تمرير المكالمات الدولية الواردة إلي مصر دون المرور علي شبكة الاتصالات الدولية المرخص بها.. وزيادة الهوائيات وسعة محطة الشركة بالعوجة ورفع كفاءتها دون تصريح.. سؤال مهم يقفز هنا.. المكالمات التي تم تمريرها إلى إسرائيل عن طريق أبراج العوجة تقترب من مليون دقيقة شهريا.. ماذا احتوت هذه المكالمات فى لحظة صعبة كانت تمر بها مصر؟!!
وقد يكون من حق القارىء أن يسأل الآن.. لماذا تقحمون اسم ساويرس؟.. سؤال منطقى.. والإجابة أيضا منطقية.. فمن يعرفون الرجل جيدا.. سواء عملوا معه أو اقتربوا منه لأى سبب.. يعرفون جيدا أن ما من “نملة” تدب فى شركة من شركاته إلا ويكون على علم بها.. من مصر واثنين وعشرة مصادر مختلفة.. فما بالكم بتركيب أطباق ومضاعفة إشارات وتحديد ارتفاعات.. وفى كل الأحوال.. سوف ننشر فى الحلقة القادمة.. نص تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا مع ساويرس فى أغسطس 2011 .. ونحللها فقد نضع نقاطا فوق أحرف كثيرة!!

التعليقات