كتاب 11

12:08 مساءً EET

ثورة الحب داخل قصر الإيليزيه

لم أتمكن من كتابة مقالي المعتاد منذ عدة شهور ، توقف القلم تماما و لم يعد قلبي و لا عقلي  يلهمني بشئ فأنا من هؤلاء الذين لا يكتبون إلا إذاخالجهم ما يحرك مشاعرهم أو أفكارهم أو يحدث اثرا ما بداخلهم  ، و ما نعيشه جميعا من أحداث في الفترة الأخيرة مسني بحزن شديد أعاق فكري و الهامي فلم أتمكن من سطر حرف واحد ، ففي احيان كثيرة يعد الصمت احتراما مهيبا لمشاعر الحزن بداخلنا .

ووسط هذه الأحداث المتواترة عادت باريس عاصمة النور و الحلم ، عاصمة الرومانسيه و الجمال. و  قصص  الحب  الخالدة و العطور الفواحه. عاصمه الفن و الثقافة و الرقي. ،  لتطل علينا بوجهها الصبوح بقصة من قصصها  الاسطورية ، فما إن فاز ايمانويل ماكرون برئاسة الجمهورية الفرنسية إلا  و اهتمت الصحف ووسائل الإعلام  بقصة حب  ذلك الشاب الوسيم التي جمعته بزوجته برجيت ترونيو التي تكبره بأربعة و عشرين عامًا ربما أكثر من اهتمامها بسياساته و قراراته المرتقبة في ظل ظروف غير إعتيادية تمر  بها فرنسا ،  ففي هذا العالم القبيح الذي يعج بالرداءة و أخبار القتل و الحروب  صرنا أكثر تعطشا لقصص العشق و الغرام  التي قد تضىء و لو شمعة وسط الظلام ،   لقد أبهرتني كثيرًا هذه القصة و قرأت عنها مرارا و تكرارا علني أفسر شيئًا و لكن لم يكن هناك أي تفسير سوى أنه الحب  الذي يلتزم به طرفان فينحيان  العالم جانبا و يتحديان به كل مقاييس المجتمع التي فرضتها بعض الأعراف  و القواعد البالية  ،  اندهشت كثيرًا عندما قرأت تلك العبارة لماكرون و هو مازال في سن السابعة عشر و مشاعر عشقه لمعلمته تجتاحه واعدًا إياها   “مهما فعلت، سوف أتزوجك” من أين لهذا الفتى بكل هذا التصميم و الثقة ، أي رجل هذا ؟! الذي يحب و يعشق و يعد ثم ينفذ ، إنه الحب الخالص المخلص الذي لا يعترف بعمر و لا ظروف و لا عوائق و لا تقاليد أو أعراف وضعنا نحن قوالبها و اتبعناها و كأنها فرضًا ملزمًا .

الحب الحقيقي لا تعوقه قيود أو فروض شريطة أن يكون بين طرفين  مخلصين من أصحاب النفوس الخيرة المتآلفة المتراحمة ،و هو ثمرة توفيق إلهي و ليس إجتهاد شخصي ،  لذا فهو  نادر الحدوث ، و محظوظ جدا من تحظى حياته بمثل هذا الحب و في هذا يقول  ماكرون  في كتابه ثوره – كان يتملكني هاجس، فكرة ثابتة: أن أحيا الحياة التي اخترت مع المرأة التي أحببت. أن أبذل كل ما بوسعي لتحقيق ذلك”.إذا هو رجل احب بإخلاص و تجاهل كل المعوقات كي يكمل حياته مع من أحبها قلبه .

و توقعت مثل ما توقع الكثيرون أن موقف برجيت هو الاضعف في هذه الزيجة ، فهي الأكبر سنًا و هو الأكثر وسامة و لكني لا أبالغ ان قلت اني صدمت عندما قرأت ما يؤكد فيه ماكرون من أن هذه المرأه قد ضحت من اجل القبول به فيقول :”   قصة الحب هاته ما كانت لتنجح لولا تضحيات بريجيت “كان لها ثلاثة أولاد وزوج. كنت تلميذا، لا غير. لم تحبني من أجل ما كنت أملك. من أجل وضع اجتماعي. من أجل الرفاه أو الأمان الذي كنت أقدمه لها. بل تخلت عن كل ذلك من أجلي”.  الحب حقًا مثل الحرب بحاجة إلى رجال حقيقيين لقد أحبها كثيرًأ و في المقابل منحته الحب و التشجيع و القوة التي دفعته لتبوأ أرفع المناصب و هو الدور الطبيعي للمراة المحبة في علاقة سوية طرفاها محبان مخلصان .

و توضح كانديس نيديليك رئيسة قسم السياسة في مجلة “غالا” الخاصة بأخبار المشاهير، والتي ساهمت في تأليف كتاب “الزوجان ماكرون” عن علاقتهما، “كافح الزوجان للدفاع عن حبهما. وهما يشعران بالاعتزاز إذ يصلان اليد باليد إلى أعلى عتبات السلطة، وكأنهما ينتقمان لعلاقتهما”.فظهرت برجيت على الملأ و هي تقبل يد زوجها حبًا و تقديرًا ..فأي إمرأة تلك التي لا تقدر رجلًا أحبها بكل هذا الصدق و الإخلاص و تحدى الحياه من أجلها ؟ !

لقد ألهمتني هذه القصة  كما ألهمت الكثير من النساء في عالمنا العربي و بعثت في قلوبنا ضياءا و أملا ، بعد أن عجت مجتمعاتنا و إمتلات وسائل التواصل الإجتماعي برجال لا تنظر للمرأة سوى بإعتبارها قطعة من اللحم ، لها عمر  محدد تلقى بعده في النفايات بلا قيمة تذكر ، و الرجل لا يكتفي بقطعة واحده ، فهو يريدها بأشكال كثيرة كي لا يمل ، و على المرأة إرضائه و إلا سيذهب لتناول قطعة أخرى و أخرى …فالنساء في مجتمعاتنا لا ينظر إليهن كبشر يشعرن بنفس مشاعر الرجل من حقهن الحب و الحياه ، لهن فكر ربما أكثر تحضرًا و رقيًا من الكثير من الرجال ، من حق كل إمرأة أن تحظى برجل مخلص محب وأن يكتفي بها دون سائر النساء ، لا يمكن لنا أن نستسلم لفكرة أن علينا تقبل  الرجل “ظل الحيطة” المتعدد ، الأناني الذي لا يبحث سوى عن سعادته و نزواته فقط ، فهناك رجال جيدون  حقيقيون ، فلا تقبلي بأشباه الرجال ، فأنت تستحقين الافضل و تجربة الحب الحقيقي هي افضل التجارب الإنسانية التي قد يمر بها الغنسان في حياته فلا تتزوجي دون حب و عشق و إن لم تصادفي حب عمرك فكوني وحيدة خير لك  من  زواجك بذلك الرجل اللاهث وراء قطع اللحم ، لا يهم العمر فالحب لا عمر له ، و لا يهم المجتمع فهو لن يشفق عليك إن أصابتك التعاسة ، كل ما يهم هو أن تكوني سعيدة فالحياة قصيرة جدًا و نحياها مرة واحدة علينا فقط أن نبذل كل الجهد كي نسرق و لو لحظات بها عمر من السعادة .

التعليقات