مصر الكبرى

09:36 مساءً EET

شاطر ومشطور وبينهما وطن – 2

 
يبدو ان الغباء السياسي لقوى التيارات الدينية وعلى رأسها الإخوان التي رأت في معركة اللجنة التأسيسية للدستور أن القطار انطلق ولن يوقفه شيء , قد جعلها لا ترى القطار القادم من الاتجاه المضاد , وهو قطار العسكر المحمل بكم هائل من الألغام الموجهة إلى القوى الدينية بالدرجة الأولى , وألغام لبقية القوى السياسية بالدرجة الثانية ولا اكون مخلا أنه يحمل بعض آمال رجل الشارع في الإنقاذ بعد ان تعامل بغاية الذكاء في تفتيت الثورة وجعلها حملا ثقيلا على البسطاء من الناس .
    ولكن قبل الحديث عن تلك الألغام لابد ان نعي ان المؤسسة العسكرية في عهد المخلوع تحولت منذ تولى المشير طنطاوي إلى دولة داخل الدولة تتمتع باستقلالية مالية واقتصادية وتمتلك من المشروعات الاقتصادية ما يفوق في قيمته المشروعات التي أقيمت خلال العشرين سنة الماضية مجتمعة .
    تلك المؤسسة وكما قلت مرارا وتكرارا التي خلعت الرئيس السابق بانقلاب عسكري صامت لم يعلن عنه وفضلت التخفي بالثورة المعلنة في الشارع تفاديا للصدام مع امريكا التي أعلنت انها لن تسمح بانقلاب عسكري في مصر وتفاديا للصدام مع الثورة في أوجها . والتي كان لابد لها للاستمرار في السلطة ان تعمل على تفتيت القوى الثورية لتدخل في صدام مع بعضها بما يقنع الامريكان انه لا سبيل سوى استمرارهم في الحكم  , فوضعت العربة أمام الحمار لتصل بنا إلى هذا المستنقع السياسي مستغلة في ذلك شراهة الإخوان للسلطة والوصول بهم إلى ارتكاب الخطيئة الكبرى بمحاولتهم السيطرة على صناعة الدستور والاستيلاء على كرسي الرئاسة ولا أشك ابدا ان العسكر هم من دفعوهم دفعا إلى ذلك , ولكن الإخوان وقعوا في المحظور ولم يفرقوا بين الخطأ السياسي والخطيئة في حق الوطن .
    أن الألغام التي يحملها قطار العسكر تم تشريكُها منذ التصميم على وضع التعديلات الدستورية التي يفترض أنه انتهى وقتها بخلع الرئيس السابق ,ثم الاستفتاء عليها والتي أخيرا اعترف الإخوان بخطئهم فيه والمبكي أن اسمع شيخا جليلا يقول في معرض دفاعه عن أبو اسماعيل : " ان اكبر خطأ ارتكبنا ان قلنا نعم على التعديلات الدستورية ولم نقرأها " واول هذه الألغام انفجرت بالفعل حين رشح العسكر مدير المخابرات العامة السابق , ورغم خروجه إلا انه أخذ في يده مرشحا الإخوان والسلفية معه  مستغلين المادة 28 التي تحصن قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية تلك المادة التي بصمت عليها القوي الدينية بأصابعها العشر في الاستفتاء وفي مجلس الشعب ولا يملكون الاعتراض عليها , واما الثاني فتم تفجير في مواجه الاستيلاء على صناعة الدستور بتفسير احادي من القوى الدينية لتكوين اللجنة الدستورية بحكم المحكمة الإدارية وهو حكم معلوم بصحيح القانون وهو الأمر الذي وضع مجلس الشعب تحت طائلة المحكمة الإدارية وهي سابقة لم تحدث من قبل . ولأول مرة تتعقل القوى الدينية داخل المجلس بعدم الطعن , لأن الطعن يعني الاعتراف ويكرس ولاية المحكمة الإدارية على قرارات المجلس .
    أما أهم الألغام التي مازالت على ظهر القطار فهو عدم دستورية قانون انتخابات مجلسي الشعب والشورى وهو حكم قادم لا محالة , الأمر الذي يعيد الثورة إلى المربع صفر حيث نصبح بلا دستور أو مجلس شعب او شورى ولا رئيس للدولة ويستمر العسكر , الألغام كثيرة وكلها تصب في مصلحة استمرار العسكر في الحكم , ولابد للقوى السياسية جميعها أن تعلم ان العسكر بعد انقلابهم على مبارك لن يقبلوا الخروج من المولد بلا حمص
ويبقى لنا ان نتساءل عن كيفية الخروج من هذا المأزق ؟ , ولهذا حديث آخر .

التعليقات