كتاب 11

08:34 صباحًا EET

التفكير والتكفير

كلمتان لهما نفس الحروف بالظبط ، ولكن عندما تعكس وضع حرفى الفاء والكاف فى اى منهما ينقلب المعنى والمضمون راسا على عقب . اما التفكير فهو عمل قائم على نعمة العقل التى ميز الله الانسان بها والتى على اساسها سيتم محاسبته ، واذا تأملنا كل خطوات حياتنا لوجدنا انها تحتاج لتفكير والذى على اساسه ستكون النتيجة ، اذن كل خطوة أو مشكلة أو تصرف فى حياتنا تعتبر طريقة التصرف هى المقدمات التى تقودنا الى النتائج وهى المخرجات ، ومن هنا يتضح ان اسلوب التفكير هو الذى سيحدد مستوى النتائج .

ولو تأمل اى انسان تفاصيل حياته ومتطلباتها سيجد انه يحتاج لاستخدام العقل على مدار اليوم فى كل التفاصيل فى كل مراحل حياته ، مع اختلاف درجة عمق التفكير بإختلاف طبيعة المهمة أو المشكلة التى يفكر فيها ، فهناك امور تحتاج لتركيز شديد والتفكير فى الامر عدة مرات قبل اتخاذ القرار ، وامور اخرى تحتاج لمجهود اقل فى التفكير للوصول الى قرار . وتعتبر الاشياء التى يستطيع الانسان التفكير فيها واتخاذ قرار بناء على هذا التفكير ، هى الاشياء المخير فيها وبالتالى يحاسب عليها ، اما الاشياء التى لادخل للعقل فيها فلا يحاسب الانسان عليها ، لان الانسان يحاسب على اعماله التى هى نتاج تفكيره التى تعبر تصرفاته وقراراته على طريقة تفكيره .
ومن هنا تختلف الطرق المتبعة فى التفكير فى حلول المشاكل التى يواجهها الانسان طبقا لحجم المشكلة واهميتها والمكان والزمان الذى يعيش فيه ، وذلك نظرا لاختلاف الوسائل المتاحة والامكانيات والقدرات ودرجة الاحتياج من مكان لآخر ومن زمان لزمان ، وعلى سبيل المثال حصاد المنتجات الزراعية يتم الآن بطرق مختلفة عن الماضى وذلك نتيجة التقدم فى صناعة المعدات ومثال آخر الانتقال من مكان لمكان يتم الآن بوسائل تختلف عن الماضى ، ولا ننسى التقدم التكنولوجى الذى غير الكثير فى مختلف المجالات سواء الصناعة أو الزراعة أو التجارة أو الاتصالات أو النقل ، وبالتالى تختلف طرق الحلول للمشاكل عن ذى قبل ، ومن هنا يتضح لنا ان الامور الحياتية التى تخص امور حياتنا اليومية يجب علينا استخدام العقل لمواجهتها واتخاذ قرار بشأنها مع مراعاة الاخلاقيات والنواحى الانسانية التى حددها الله لنا فى كيفية التعامل (وذلك بالطبع لاصحاب الاديان )، اما ما نسمعه من البعض عن الاقتصاد الاسلامى ، أو الاسلام السياسى أو المشروع الاسلامى فهذا كله اما استغلال للعاطفة الدينية عند الناس أو جهل بصحيح الدين ، لان الدين منهج للحياة فيه اصول للتعامل بين البشر وليس مجرد مشروع ، لان الدين اسمى بكثير من مجرد اختزاله فى نظام اقتصادى أو سياسى أو مشروع قومى لسبب بسيط ، ان من سيضع تفاصيل اى نظام فى مختلف الازمان والاماكن هم البشر وبالتالى وارد جدا حدوث اخطاء أو ثغرات لان الانسان مهما بلغ فهو ناقص ولا يمكن ان يصل لدرجة الكمال وان كان واجب عليه ان يجتهد للوصول لافضل حل ممكن ، لكن ان نصور الأمر ان الدين يحتوى على تفاصيل نظام اقتصادى محدد أو تفاصيل نظام سياسى فهذا وهم كبير ، لان ذلك معناه اننا نعيش جميعا فى ظروف متشابهة لا اختلاف فيها ولا يؤثر اختلاف الزمان فى طبيعة حياتنا ، وهذا بالطبع مستحيل ، فقديما كان الانسان ينصب الخيمة فى المكان الذى يريده ويقيم فيها ، أو يبنى كوخا مثلا ليعيش فيه هو واسرته ، والآن قد تم تحديث الامر حيث بناء العمارات السكنية أو المساكن الخاصة مثلا ، وذلك نتيجة التقدم العلمى ، بالاضافة لشق الطرق ووضع تخطيط عمرانى للمدن وذلك لم يكن معروفا من قبل ، فهل نتفاعل مع هذا التطور والتقدم الذى هو نتاج التفكير أم ننكره ونتعامل معه على انه بدعة ؟ رغم اننا لانستطيع ان ننفصل عن التقدم الذى يحدث حولنا والا سنخسر الكثير .
كما ان كل شئ حولنا اصبح تطويره من خلال العلوم الدنيوية التى تتطور ايضا مع تقدم الزمن فكم من علوم تفرعت الى عدة فروع نتيجة التخصص الدقيق وهذه سنة الحياة ، اذن لامفر من الاهتمام بالتفكير الدائم فى مختلف امور حياتنا والاخذ بالاسباب وذلك فريضة دينية . اما التكفير والعياذ بالله فهو آفة نشرتها الجماعات المتطرفة وذلك بالطبع نتيجة جهلها الشديد بصحيح الدين ، لان ذلك الامر ليس من مهام البشر على الاطلاق ، وانما الله وحده جل جلاله هو المختص بالحكم على البشر وتحديد من هو الكافر ومن هو المؤمن ، فالله هو الحكم العدل ، اما الانسان فليس من حقه ان يحكم على انسان مثله فى امر من اختصاص الله الواحد الاحد . لكن للاسف الشديد بعض البشر ممن يتصدرون للخطابة الدينية فى المساجد والزوايا والبعض الذى قرأ كتاب أو كتابين لاحد الائمة السابقين (وهو ليس بإمام فى الحقيقة ولكنهم يطلقون عليه هذه الصفة لايهام الناس بأن كلامه لايرد ، وهذه كارثة) بالاضافة لتجار الدين الذين حققوا ثروات هائلة من التجارة بالدين ، اعطوا لانفسهم الحق بالحكم على البعض بأنه كافر لمجرد الاختلاف فى امر ما بخصوص العقيدة ، بل ان بعض من خطباء المساجد وصل الامر بهم لان يعملوا لحساب فصائل معينة لمجرد انتفاعهم المادى من هذه الفصائل ، ويروجوا لاهداف هذه الفصائل ويوهموا الناس ان من يقف ضدهم فهو ضد الدين ، ومن يعمل لصالحهم فهو مع الدين وبالطبع ينتشر ذلك فى الاماكن التى ينتشر فيها الجهل ومن ذلك نستنتج زيادة المنتمين أو الذين يتعاطفوا مع هذه الفصائل فى الاماكن الاكثر جهلا .
ووصل الامر ان البعض من هذه الفصائل تكفر الحكومة الجيش والشرطة والقضاء والشعب ، فلماذا تتعامل مع مؤسسات هذه الدولة طالما انها كافرة ؟ يمكنك ايها التكفيرى ان تذهب لمكان مناسب لك يتوافق مع جهلك الشديد وتعيش فيه بعيدا عن هذا الكفر الذى لايعجبك ، فامامك افغانستان وباكستان وسوف تجد ما يسرك هناك ، وماذا يجبرك ان تتعامل مع البنوك الكافرة التى تتدعى انها ربوية وتحصل على التمويل الذى يتم ارساله من الذين يستخدموك من خلال هذه البنوك الربوية الكافرة ؟ الا تجد ان ذلك تناقضا بين الاقوال والافعال ؟ ام ان الغاية تبرر الوسيلة ؟ ان الاسلام لايعرف الفصائل ولا المذاهب ولا الفرق ولا التشتت والتشاحن من اجل اختلاف فى الرأى . الاسلام جاء من اجل ان يجمع ويألف بين الناس على الخير وليس من اجل ان نقتل من نختلف معه فى الرأى لان ذلك حرمه الاسلام صراحة .
اذن ما يفعله التكفيريين من محاولة نشر الفوضى وقتل الابرياء والاعتداء على قوات الجيش والشرطة وهدم المجتمع فهذا ضد الدين وضد الانسانية ولا يقبله عقل وحتى من لادين له لايفعل ما يفعله هؤلاء التكفيريين فهم اعداء الحياة ويلغون عقولهم لان من يستخدم عقله لا يمكن ان يفعل مثل هذه الافعال التى تتعارض مع اى منطق أو دين . اذن فليكون توجهنا نحو التفكير ومحاربة التكفير وذلك مسئولية كافة المؤسسات خاصة الازهر لانه لايجوز ان يصل بنا الامر ان يتم دعوة الناس للتبرع من اجل اعمال الخير فى المساجد ثم نكتشف ان غالبية هذه الاموال يتم انفاقها على هذه الفصائل وعلى الذين يدعون للتبرع ، وكأنها سبوبة ، فذلك ضلال وكذب وانعدام اخلاق وضمير ولكنه للاسف انتشر كثيرا ولم يتنبهوا الا مؤخرا ، فهل هذا يليق بمن يتحدثون عن الاسلام ؟ – يجب عدم التعامل مع كلام اى شخص يتحدث عن الدين باعتباره كلام مقدس لايحتمل الخطأ ، فأى انسان كلامه يحتمل الخطأ والصواب ومن هنا وجب التفكير فى اى حديث من الذين يتصدون للخطابة وقياسه مع صحيح الدين ثم الحكم عليه ، اما نأخذ كلام الشيخ فلان أو علان على انه شخص لا يخطئ فهذه كارثة لانهم يعتمدون على ذلك مستغلين انتشار الجهل ، ويجب ان ننسى ان الاسلام به فرق وشيع فالمسلم هو مسلم فقط ولا معنى لمن يقول انه ينتمى للتيار السلفى أو الاخوانى أو الجهادى أو التكفيرى فكل هؤلاء يضحكون على الناس ويحققون مكاسب من وراء هذه الفرق والفصائل ويعتمدون على الصوت العالى والصراخ فى الميكروفونات وعمل غسيل مخ للبسطاء ، لكنهم فى الحقيقة جاهلون بأمور الدين ولكنهم شطار فى التجارة بالدين.
 

التعليقات