كتاب 11

12:19 مساءً EET

الغطاء ينكشف عن حكام إيران

في أرجح الأحوال، يرجع السبب في المظاهرات التي اجتاحت شوارع إيران إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والمظالم، ومنها نسبة البطالة المرتفعة ومردود الاتفاق النووي الذي وقّع عام 2015 وجاء أقل من المتوقع، وكذلك إلى المشكلات المتزايدة يوماً بعد يوم نتيجة «ارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية، كالبيض والدواجن». بيد أن الأمر تطور إلى تحدٍ أكبر للسياسات التي يتبناها النظام الإيراني، حيث يقول المتظاهرون إن حكومتهم قد كرست غالبية مواردها لخدمة سياستها الخارجية العدوانية، ولم تلتفت إلى أولوياتها الداخلية. وقد تجلى سخط المتظاهرين من منحى حكومتهم في الشعارات التي رفعوها خلال المظاهرات، مثل «اتركوا سوريا وفلسطين وشأنهم، وافعلوا شيئاً لنا». ولذلك؛ فسوف يخطئ الأميركيون لو أنهم اعتقدوا أن تلك الاحتجاجات قد خرجت لأمر يخصنا، فتلك المظاهرات خرجت لما هو أبعد من العلاقة المشاكسة بين الجمهورية الإسلامية والغرب. وسيكون من الخطأ أيضاً أن ننظر إلى تلك الأحداث من خلال منظور الاتفاق النووي.
سيكون من الأوقع القول إن تلك الاحتجاجات ساعدت على توضيح حقيقة أن إدارة أوباما قد تفاوضت للوصول إلى هذا الاتفاق النووي بصورة أفضل مما يزعم الكثيرون من المنتقدين. فقد أثبتت الاتفاقية أن المنتقدين الذي قالوا إن إيران ستزداد تمكيناً بفضل الاتفاق النووي كانوا على خطأ.
أولاً، إيران لم تجنِ ثمار الاتفاق النووي، وهو عكس ما تخوف الكثيرون من حدوثه. وحتى بعد التراجع عن الكثير من العقوبات، لم تحصل إيران على الفوائد الاقتصادية التي كانت تتوقعها أو تلك التي وعد بها قادتها. فقد أطلق روحاني على الاتفاق النووي تعبير «الصفحة الذهبية» في تاريخ إيران، ووصفها بـ«الفرصة لتحسين أوضاع البلاد ورفع مستوى رخاء الشعب»، لكن تلك الطفرة لم تحدث بعد.
فخلال مرحلة التنفيذ الأولى للاتفاق النووي، كان ضمن مهام عملي في البيت الأبيض أن أسافر لمختلف دول العالم لكي أشرح لبنوك وشركات العالم إلى أي مدى يستطيعون الاستثمار في إيران. وخلال تلك الرحلات رأيت كيف منعت المخاوف السياسية والقانونية البنوك متعددة الجنسيات من الاستفادة من تخفيف العقوبات.
فمن ضمن الأسباب التي دفعت تلك البنوك والشركات إلى القلق – وكان ذلك عن قصد – هو أن الكثير من الشركات أحجمت عن دخول إيران في مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق، لأنهم كانوا يدركون أن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي ربما يعودان إلى فرض العقوبات مرة أخرى حال خرقت إيران الاتفاق. وكان هذا ما قصده الرئيس باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري لضمان التزام إيران بالتنفيذ. إضافة إلى ذلك، فقد أصرت إدارة أوباما على أنه من الممكن إنتاج الصواريخ الباليستية وتنفيذ عقوبات حقوق الإنسان؛ الأمر الذي ينطوي على الكثير من المغامرة بالنسبة للمشروعات التجارية مع إيران في حال استمر النظام الإيراني في نهج السلوك المعيب نفسه في هذين المجالين تحديداً. ونتيجة لذلك؛ فبسبب تواضع الزيادة في الاستثمارات الأجنبية المباشرة في إيران، فلا يزال اقتصادها الكلي يعاني من الركود ولم يحصد غالبية الإيرانيين سوى الحد الأدنى من الفوائد. فقد بلغ معدل البطالة 12 في المائة، في حين وصلت البطالة بين الشباب إلى 29 في المائة. ولا تزال معدلات التضخم مرتفعة، في حين يسير النمو الاقتصادي خارج قطاع النفط ببطء شديد. ولا عجب في أن الإيرانيين يلقون باللائمة على حكومتهم فيما وصلوا إليه.
ثانياً، لم يساعد الاتفاق النووي النظام الإيراني على الإمساك بالسلطة، حيث يجادل معارضو الاتفاق بأن الاتفاق رفع الضغوط من على كاهل الحكومة الإيرانية في الوقت الذي كانت فيه العقوبات الدولية تعصرها اقتصادياً. ودافع المنتقدون عن اتجاه مواصلة الضغوط على الحكومة إلى تغليظ العقوبات. ففي فبراير (شباط)، نشر الرئيس ترمب تغريدة قال فيها «كانت إيران على شفا الانهيار حتى جاءت الولايات المتحدة لتلقي لها بحبل النجاة في صورة الاتفاق النووي الذي بلغت قيمته 150 مليار دولار». لكن الآن، ومع انتقاد رجل الشارع في إيران للقائد الأعلى نفسه، آية الله على خامنئي، فإن هذا الجدل لم يعد يبدو صحيحاً.
دخلت القوى العظمى في الاتفاق للحد من قدرات إيران على تطوير قدراتها النووية. لكن الفائدة الإضافية تمثلت في إلقاء العبء على النظام الإيراني في ترجمة تخفيف العقوبات وتدفق رأس المال إلى رخاء متنامٍ. فمنذ سنوات قليلة، ألقى نحو 56 في المائة من الإيرانيين باللائمة على الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية فيما وصلوا إليه من حال اقتصادي صعب، وألقى 47 في المائة باللائمة على الولايات المتحدة في هذا الصدد، و10 في المائة فقط ألقوا باللائمة على حكومتهم.
أخيراً، لم يكن الاتفاق النووي السبب في دعم إيران وكلاءها في الشرق الأوسط. صحيح أن إيران تؤجج نار الفتنة بدءاً من سوريا إلى البحرين، ومن ذلك إرسال الأسلحة إلى المتمردين الحوثيين في اليمن. وصحيح أن القوات البحرية لقوات الحرس الثوري قد تحرشت بزوارق البحرية الأميركية في الخليج العربي، وصحيح أنها أطلقت صواريخ باليستية بهدف تهديد إسرائيل، وكل ذلك من شأنه تهديد استقرار المنطقة، ومن مصلحة الولايات المتحدة أن تضع حداً لذلك. لكن الاتفاق النووي لم يعطِ النظام الإيراني الوسائل والحوافز التي تدفعه إلى توسيع نطاق عدوانه. فالحكومة الإيرانية تضخمت مما أثر على حياة المواطن الإيراني العادي، والآن باتت الحكومة سبباً لتلك المظاهرات. فالبلاد الآن تشهد الكثير من التطورات التي لا تتعلق بالاتفاق النووي، ومنها رغبة الكثير من الإيرانيين في رؤية دولة عصرية وحكومة غير فاسدة وغير قمعية ولا مشغولة بدس أنفها في شؤون جيرانها. لكن اليوم، فإن الاتفاق النووي يعمل، وفككت إيران برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات، وتقليص التهديد النووي من دون أن يعزز ذلك أجندة عمل النظام الإيراني.
لقد أخذ الغطاء ينكشف عن طغاة إيران وظهروا أكثر هشاشة وإفلاساً. وفي الوقت الذي يتصارع فيه قادة إيران مع الانتفاضة ولم يعودوا قادرين على إلقاء اللائمة على الغرب، فهناك درس مهم علينا أن نتعلمه هو أن الإدارة السابقة قد أحسنت الصنع حول الاتفاق.

التعليقات