كتاب 11

10:06 صباحًا EET

لقد انتحرأنورالسادات …

يبدو أن أنور السادات كان يعلم يقينا أن تحركه تجاه السلم مع اسرائيل لن يجد أذنا تصغي اليه في داخل مصر أو خارجها ومن الواضح أنه كان قد عقد قرارا في هذا الشان وحده موله من ثقل موقعه كرئيس لمصر أهم وأكبر دولة عربية وعدو اسرائيل الوحيد القادرعلى هزيمتها والمتوثب دائما للاشتباك معها وموله من زخم الكراهية والتعبئة التي صنعت تهديدا شعبيا عربيا للدولة الصهيونية مركزه في مصر كما موله من حلحلة الوضع السياسي في حرب أكتوبر حتى بعد ان جعل منها اتفاق الكيلو 101 فصلا خاتما لحرب الاستنزاف المريرة. تحرك انور السادات وحده تجاه عملية سلمية كبيرة مع اسرائيل ببوصلة معاكسة لاتجاه التيار الشعبي القومي ومعاكسة لاتجاه التيار الديني الاسلامي ومعاكسة لاتجاه الاجماع السياسي العربي المعلن "على الأقل" كما تحرك معاندا لتوجهات اليسار العربي والمصري لقد تحرك السادات ضد توجهات الراديكالية المصرية كلها في جميع مستوياتها رأسيا وأفقيا وما كان لليمين الرأسمالي العربي الجهة الوحيدة التي كانت تتمنى مثل هذا الحراك لكي تحصل على مزيد من الأريحية في تعاملاتها مع الولايات المتحدة والغرب الأوروبي وتحصل كذلك على مزيد من المساحات الخفية في تعاملاتها السرية مع اسرائيل ما كان لهذا اليمين وزنا يذكر لكي يدعم السادات كما لم يجرؤ على التصريح علنا بعلاقاته المشبوهة مع الغرب "رغم ان الجميع يعرفها".

سقط أنور السادات ضحية عداءه المحسوب المقتصد لاسرائيل ثم شهوته للانتهاء من هذا العداء بعد سنوات قليلة من الحرب قبل أن تجف دماء الشهداء بل حتى قبل أن يكتمل العقد الذي حمل ذكرى النصر المحدود كما أراده أن يكون سريعا ومحدودا ثم سقط مرة أخرى سقطة كبرى كان لها دورا حاسما في نهايته بسعيه المسرف تجاه الولايات المتحدة الأمريكية فقد حرقه كورقة لعب بشكل سريع وأنهى دوره المفيد لأمريكا في عجالة بدت وكأنها عجالة المنتحر الساعي الى حتفه بل وتحول الى حمل كبير وعقبة قد تودي بكل عملية السلام الأمريكية الى الهاوية… لقد قتل السادات نفسه رغم أن من حمل السلاح ضده في حادث المنصة كانوا من التيارالاسلامي السلفي الذي ولد مشوها بعيد الحرب العالمية الأولى وسقوط الخلافة الاسلامية الى الأبد. حكم السادات على نفسه بالقتل ونفذ الاسلاميون الحكم ولم يعترض على ذلك احد… حتى داخل الدائرة الرسمية الضيقة المحيطة بالسادات والتي كانت تسايره وتسعى معه رغم الحرج البادي عليهم حتى وان لم يبدوا ذلك في تصريحاتهم او مواقفهم المعلنة. ولد السادات رئيسا مبتسرا فاقدا لمذاق الرؤساء وهيبتهم منذ اليوم الأول لحكمه، جاء بعد عبدالناصر صاحب الكاريزما والشعبية الذي يعرف كيف يقضم القلوب ويأسر العقول في حله وترحاله وفي نصره وهزيمته فبدا صغيرا فقيرا هزيلا طوال سنوات حكمه التي سبقت الحرب، ثم تحمل وحده عبء الوطن المأزوم المهزوم وتحمل رغبة الشعب الحقيقية المتأججة لاسترداد الكرامة كما تحمل مع الجيش الذي تسبب في هذه المهانة أوزاره بصفته أحد افراده رغم أنه لم يكن واحدا ممن صنعوا هذه الهزيمة بشكل مباشر فقد كان خارج دائرة عبدالناصر والضباط الأحرار وخارج الصفوف الأولى لصناعة الأحداث في الوطن وربما ما كان ليجد مكانا لولا هزيمة 1967 التي أودت بنجوم الضباط الأحرار وكادت تودي بعبدالناصر نفسه لولا أنه عبد الناصر ذلك المغازل الأكبر والأعظم لشعب مصر والذي عرف كيف يحصل لنفسه فقط على المغفرة واضطر الى تغيير وجوه كثيرة واحلالها بوجوه جديدة كان منها أنور السادات، لقد كانت بداية السادات الهزيلة كرئيس لمصر واحدة من أسباب قتله فيما بعد أو على الأقل واحدة من أسباب الصمت الشعبي على قتله لأن المصريين لم يجدوا فيه بديلا كفؤا لناصر. وعندما بلغ السادات الحرب وعاد بانتصار و بالكيلومترات الأربع عشر بجوار قناة السويس بدأ من فوره في سحق قادة الحرب واحدا تلو الآخر وصعد حسني مبارك من الصف الثاني للقادة ليجلس فوق مقعد نائب الرئيس وجعل ذلك على حساب عبدالمنعم واصل والشاذلي وأحمد بدوي والجمسي وغيرهم من كبار القادة الذين بذلوا في الحرب كثيرا من التضحيات تفوق كثيرا جدا مابذله حسني مبارك وأظهروا المعدن الحقيقي للعسكرية المصرية من خلال حرفيتهم العالية ونبلهم كقادة عظام لكن السادات كان يرى فيهم مصدر خطر داهم عليه فعمل على استبعادهم او سحقهم واحدا تلو الآخر كلما واتته الفرصة وخسر بذلك تعاطف الجيش بقادته الصغار والمتوسطين تلاميذ الذين صنعوا الانتصار وعاصروا حماقته السياسية ورعونته العسكرية التي تسببت في الثغرة وكادت أن تعصف بالبر الغربي للقناة وتحول حرب أكتوبر الى هزيمة تالية لهزيمة 1967 …
لقد خسر السادات الجيش وهذه الخسارة ساهمت كثيرا في قدرة الاسلاميين على اختراقه وانشاء خلاياهم داخل أسلحته بل أنهم وصلوا الى المخابرات الحربية حيث صنع عبود الزمر عرينه كما شاركت خسارة الجيش في تكريس حالة الصمت التي سادت أجواء مصربعد اغتياله. في يناير 1977 خسر أنور السادات جموع الشعب المصري وجر جيشه لارتكاب خطيئة كبرى بضرب الناس بالذخيرة الحية في ميادين مصر وشوارعها على مدار يومي 17 و18 يناير قتل فيهما الكثيرين واعتقل أكثر، ثم استكمل خطيئته بنعت الثوار "بالشرذمة" القليلة التي كانت تسعى من أجل الخراب والدمار والتمرد على نظام الحكم وقلبه لصالح العدو الصهيوني الجاثم على بقية الوطن المحتل الغالي في سيناء… لقد شهد المصريون على يدي السادات أول مشاهد الفزع العلني ورأوا لأول مرة جنود جيشهم وشرطتهم وهم يطلقون النار من مدافعهم الثقيلة عليهم في الشوارع وتحاكوا عن أحجام الرصاص الكبيرة والتي لم يعرفوها الا في 17 و18 يناير رغم عقود الحرب وبدأوا يتهامسون من جديد بالأغتية التي طالما رددوها قبل حرب 73 ثم نسوها بسبب الحرب والانتصار "ساب لك ايه يا صبية عبد الناصر لما مات …ساب لي "…….."من المنوفية اسمه أنور السادات"…. خسر السادات الشعب مرة أخرى والذي كان قد احترمه بالكاد بعد حرب أكتوبر خسره وتحول الشعب الى حاضن للتيار الاسلامي المناهض له في الخفاء. ثم معاهدة السلام الأرض مقابل الهزال ليس فقط على الحدود مع اسرائيل بل على كل حدود مصر الفعلية والمعنوية هزال عسكري في مواجهة اسرائيل بصحراء فارغة من الجنود والمدن والحاضرات بل وفارغة من أي خطط للتنمية والتعميروهزال شعبي في مواجهتها ايضا بقبائل بدوية رحالة لم تتعلم شيئا بعد ملحمة الحرب عن الوطن الأم وهزال في مواجهة وطن عربي رافض قاطع مصر ولفظها واستحل مكانتها في جميع المحافل الدولية المشتركة وهزال اقتصادي وانفتاح أرعن وكوميدي أحال المهمشين واللصوص الى صفوف المجتمع الأولى وقلب الأحوال رأسا على عقب فالمجتمع كان مجهزا بقواعد قانونية واقتصادية اشتراكية واذا به ينقلب في غمضة عين الى مجتمع رأسمالي تجاري متطرف …معاهدة سلام مهينة ومجحفة – رغم أني مازلت أرى أنها كفكرة سابقة على عصرها وسباقة الى العبقرية – لكنها افتقرت الى كل أنواع الحكمة والمنطق والمنهجية والعلم في تحويلها الى واقع… أنشأت معاهدة السلام أسبابا لا أول لها ولا آخر لكي يعتقد الجميع في مصر أن السادات خائن وأنه لا يعمل لصالح البلد وانه عميل أمريكي على الأقل… انفصل السادات عن الشعب وتحول الى ديكتاتور حقيقي بكل ما تحمله الكلمة من دلالات بل تحول الى ديكتاتور فاسد وخائن وساعدت جيهان السادات على تكريس هذه الصورة وتأكيدها بدلالها عليه والذي كان يتم على نفقة مصر بدلا من نفقة أنور السادات، وبدت جيهان وكأنها تريد استنفاذ أية بقية باقية من الارتباط بينه وبين الناس فاستجلبت من الولايات المتحدة لقب السيدة الأولى ولم تمانع من التصرفات البروتوكولية المتحررة وبادرت بتبني مشاريع قوانين تناهض الاتجاه المصري المحافظ كقوانين الأسرة الشهيرة بقوانين جيهان وكانت أول من ابتكر فكرة التوريث لنجلها جمال بعد حكم طويل لزوجها….
أصبح الجومعاديا لأنور السادات وكارها له جدا. وقتل السادات نفسه بعد ذلك… انتحر بنفسه بعد اعتقاله لجميع رموز مصر ومفاتيحها الاجتماعية والسياسية "بالحق أو بالباطل" في حملة غريبة وشاذة لم يكن لها ما يبررها من وجهة نظر الشعب المصري كما انه تلاعب على الحد الفاصل الحساس بين المسحيين والمسلمين وأعلن في آخر خطاباته عداءا سافرا لجميع رموز الاسلام السياسي ..لم يبق ولم يذر، دخل أنور الى احتفالات أكتوبر عاريا من الجميع ملفوظا مكروها دخل السادات الى ساحة العرض العسكري منتحرا ولم يفعل خالد الاسلامبولي الا تنفيذ امر الرئيس بقتله… فقتله ولم يغضب لمقتله أحد بل استراح الجميع وبدت انفراجات هامة تأخذ طريقها للوجود بمجرد رحيله خرج الرموز من السجون وعاد الأنبا شنوده من منفاه ورحلت جيهان بلا رجعة ووجد العرب أسبابا عديدة لاستعادة مصر وثقلها رغم المعاهدة ورغم وجود اسرائيل كدولة بعد أن كانت مجرد كيانا صهيونيا وأصبح مبارك رئيسا ليكون وجها جديدا يخدم الموقف الأمريكي وأهدافه بتقنيات أكثر هدوءً وعلى أصعدة ما كان للسادات أن يصل اليها بعد تضحيته المسرفة بالظهير العربي والاسلامي الرسمي في آسيا وأفريقيا وخسارته للرصيد الشعبي والنخبوي داخل مصر وفقدانه المزمن للجيش كأنصار وحلفاء وتلاميذ وأتباع لقد تحركت المنطقة كلها الى عصر جديد بمقتله، بذر أنور السادات بذورهذا العصر وثبت دعائمه وآلياته وأجوائه ولاعبيه والصف التالي لهم حتى اليمين الرأسمالي الفاسد الذي تسبب بشكل ما في ازالة مبارك بعد ثلاثين عاما من اغتياله كانوا أبناء السادات نضجوا وتعملقوا في كنف حضاناته التى أنشأتها معاهدة السلام بالمليارات الأمريكية الأجواء التي أوجدها أنور السادات مازلنا نعاني منها ونتألم حتى الآن وعلى رأسها تيارات الاسلام السياسي الأكثر توحشا واسرائيل الأكثر ضراوة والفساد العميق المترابط كالنيان يشد بعضه بعضا حتى وان لم يكن قد سقاها وكبرها بنفسه لقد حفز أنور السادات كل الدنيا وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية الى التخلص منه فحصل على ما كان يسعى اليه… وتورط الجماعات الاسلامية في الجريمة مجرد اجراء تنفيذي لقرار أكبر منهم بكثير.

التعليقات